"منع الحمل".. الرغبة حاضرة والوسيلة غائبة

كتب: أحمد عصر وسارة صلاح

"منع الحمل".. الرغبة حاضرة والوسيلة غائبة

"منع الحمل".. الرغبة حاضرة والوسيلة غائبة

يوماً بعد يوم تتزايد شكاوى السيدات من وسائل منع الحمل المختلفة خلال رحلة البحث التى يخضنها بحثاً عن وسيلة تساعدهن فى «تنظيم الأسرة»، استجابة منهن للحملات القومية المتتابعة التى تحثهن على ذلك، أو ربما رغبة منهن فى تحديد النسل، إلا أن الأمر لم يكن بالسهولة التى يتصورها البعض عن وسائل منع الحمل، خصوصاً مع اكتشاف كم هائل من الصعوبات والآثار الجانبية لوسائل منع الحمل بالنسبة للسيدات.

«الوطن» ترصد معاناة سيدات خُضن رحلة البحث عن وسيلة منع الحمل المناسبة، وشكواهن من عدم توافرها فى الوحدات الصحية التابعة لوزارة الصحة، وارتفاع أسعار هذه الوسائل فى الصيدليات، كما تواصلنا مع مسئولى الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية الذين لم ينفوا نقص وسائل منع الحمل فى الأسواق، وشرحوا أسباب ذلك، موضحين أن المشكلة حالياً فى طريقها للحل من خلال شركة أدوية وطنية، كما استطلعنا رأى طبيب أمراض نساء وتوليد متخصص أوضح طبيعة هذه الوسائل واختلاف كل نوع عن الآخر والأفضل والأسوأ بينها.

سيدات يروين معاناتهن: نحصل على الحبوب بصعوبة.. واللولب يُصيب بالالتهابات

داخل أحد مكاتب الصحة بمنطقة الجيزة جلست «ميادة محمد» البالغة من العمر 32 عاماً منتظرة دورها فى الكشف، وتقول إنها جاءت لمكتب الصحة لمتابعة حالتها الصحية التى ساءت بعد تناولها أحد أنواع حبوب منع الحمل المستوردة، إذ شعرت بعد تناولها الحبوب التى كتبتها لها الطبيبة المعالجة بالوحدة بنحو 10 أيام بصداع وتغير حالتها المزاجية، ثم تدهورت حالتها بشكل أكبر، على حد قولها، ما دفعها للذهاب للوحدة القريبة من منزلها للاطمئنان على صحتها، خصوصاً بعدما سمعت من بعض زملائها عن أضرار حبوب منع الحمل: «بعد ما خلفت ابنى، الدكتورة كتبت لى على برشام مستورد، كنت باخده يومياً، بس بعد مدة حسيت إنى تعبانة، ويوم بعد التانى التعب بيزيد وبقيت أحس بغثيان وصداع مستمر، عملت بحث على النت لقيت إن ده ممكن يكون من البرشام ولما سألت زمايلى أكدوا المعلومة»، مشيرة إلى أن الطبيبة حينها طلبت منها وقف الحبوب لعدم تناسبها مع جسمها، واقترحت عليها عدة وسائل أخرى من بينها حقن منع الحمل و«اللولب»، لكن «ميادة» فضلت الأخير كونه أقل ضرراً وأكثر شيوعاً فى الاستخدام بين السيدات، ورغم خوفها من عواقبه والآلام التى ربما تشعر بها أثناء التركيب إلا أن طبيبتها حاولت طمأنتها وقالت لها «الستات بتركبه ومابيحصلش ليهم أى حاجة وبيعيش معاهم لسنين».

"ميادة": تعرضت لنزيف بسبب "اللولب"

وبعدما لجأت «ميادة» لتركيب «اللولب»، فوجئت بتعرضها لنزيف ما دفعها للرجوع إلى الطبيبة التى أكدت لها أنه أمر طبيعى، لكن بعد تكرار حدوثه واستمراره مدة طويلة اضطرت الشابة العشرينية للكشف فى عيادة خاصة لتكتشف هناك إن «اللولب» تم تركيبه بشكل خاطئ، وفقاً لكلامها، فقررت إزالته والعودة لحبوب منع الحمل.

الطبيبة طلبت منى تغيير "الوسيلة" لكنى أعانى من عدم توفر "الأقراص"

لم تنتهِ معاناة «ميادة» عند هذا الحد، إنما واجهتها بمجرد عودتها للحبوب أزمة أخرى تتمثل فى عدم توفرها بانتظام فى الوحدات الصحية والصيدليات، ما يدفعها أحياناً لتغيير النوع، حسب كلامها، مضيفة: «البرشام مش موجود فى السوق على طول، وباتعب على ما بلاقى الشريط، وباتمنى يكون متوفر على طول». وعلى بُعد خطوات منها، كانت تجلس «سمر عبدالله»، البالغة من العمر 32 عاماً، محتضنة طفلها الذى لم يكمل عامه الثانى، وتقول إنها اعتادت منذ تركيبها اللولب على المتابعة فى الوحدة من وقت لآخر للاطمئنان على صحتها وتجنب حدوث حمل مرة ثانية، حتى شعرت فى إحدى المرات بألم شديد أثناء الكشف عليها، لتفاجأ بأن اللولب تسبب فى حدوث التهابات لها، مما دفع طبيبتها لإزالته: «ماكنتش حاسة بأى حاجة غير ألم بسيط ولما كنت بتابع كانت الدكتورة بتقول لى عادى، لحد ما تكررت الشكوى تانى، فالدكتورة شالته عشان تكشف لقت إنه سبب لى التهابات شديدة وماكانش فيه حل غير إنى أغير الوسيلة»، مشيرة إلى أنها لجأت لحبوب منع الحمل التى تعانى فى شرائها نظراً لعدم توفرها بشكل مستمر فى الوحدة الصحية، ما يدفعها إلى شرائها من الصيدليات.

أما «أسماء محمود»، 26 عاماً، لجأت بعد وضع مولودتها الأولى للبحث عن وسيلة لمنع الحمل، فكتب لها الطبيب أحد أنواع الحبوب المستوردة، لكنه وقتها كان غير متوفر بالصيدليات، إذ ظلت تبحث عنه فى كل المناطق المحيطة بها لكن دون جدوى، حتى نصحتها إحدى قريباتها بالذهاب لوحدة تنظيم الأسرة، على أمل أن يكون متوفراً بها، لكن كافة محاولاتها باءت بالفشل: «فضلت حوالى شهرين بدوَّر عليه فى كل مكان، واضطريت آخد وقتها وسيلة تانية»، وبمجرد علمها بتوفر «البرشام» الذى كتبه لها الطبيب بالوحدة الصحية، توجهت على الفور للحصول عليه، إذ استمرت لمدة عامين فى تناوله، حتى قررت وزوجها الإنجاب مرة أخرى، ما دفعها وقتها للتوقف عنه، على حد قولها: «فضلت 3 شهور ماباخدش أى وسيلة، وماحصلش حمل، رحت كشفت فى الوحدة قالت لى مافيش عندك مشكلة، وفضلت بعدها حوالى 4 شهور وماحصلش حمل، فرجعت للدكتور تانى»، لتكتشف حينها أن الحبوب التى كانت تتناولها سببت لها «تكيُّس المبايض وكسلها»، وفقاً لكلامها، موضحة أنها ظلت مدة طويلة تعالجها حتى تتمكن من الحمل مرة أخرى: «حوالى 6 شهور للعلاج من تأثير الحبوب، وساعتها الدكتور قال لى إنه ماكانش مناسب معايا رغم إنى ماكنتش بحس بأى أعراض طول ما أنا باخده، بس ده يخلينى بعد كده آخد أى وسيلة تانية غيره».

وفى منزل «على محمد»، 53 عاماً، أب لـ8 أبناء، حكاية أخرى، بدأت حينما كانت تسعى زوجته للبحث عن وسيلة لمنع الحمل بعد وضعها كل مولود، لكن دائماً كانت النتيجة واحدة «مفيش»، وفقاً لكلامه: «الموضوع صعب معانا جداً، مراتى كانت بتاخد حقن لمنع الحمل لأن اللولب سبب لها نزيف، لكن على طول ماكانتش متوفرة، تروح الوحدة الصحية ماتلاقيهاش، ولو موجودة يصعبوا الأمور علينا، ولازم نجيب قسيمة الجواز، وبرضو مابيرضوش يصرفوها لينا»، مشيراً إلى أنه كان يضطر أحياناً لشرائها على نفقته الخاصة من الصيدلية لكن بعد ارتفاع سعرها بما يفوق طاقته المادية، لم يتمكن من ذلك: «لو الحقن متوفرة فى الصيدليات العادية تلاقيها غالية جداً، وإمكانياتى ماكانتش تسمح إنى أجيبها ليها، فكان بيحصل حمل، ده غير إن فيه أوقات كانت بتاخدها فى مواعيدها وتحمل برضو».

ويتابع «على» الذى يعمل «أرزقى» بنبرة حزينة: «عندى عجز فى رجلى والدخل يادوب على القد، كنت باسرح بشوية بخور أبيعهم ودلوقتى شغال بالأجرة على فرش فاكهة، والظروف هى اللى أجبرتنى إنى أخلف كتير لأن كان بيبقى صعب عليا أشترى الوسائل دى».

معاناة أخرى يعيشها «على» ابن محافظة بنى سويف، مع ابنتيه اللتين تبحثان عن حقن لمنع الحمل، بعد إنجاب الأولى طفلين والأخرى 3 أولاد: «بنتى الكبيرة ولادتها كانت قيصرى وبعد ما خلفت 3 عيال اكتفت وبقالها فترة بتدور على الحقنة مش لاقياها فى الوحدة الصحية، والتانية معاها عيلين ولأن حالتها المادية سيئة وماعندهاش سكن قالت لجوزها كفاية علينا كده وبرضو مش لاقية الحقن، ولما بتلاقيها فى الصيدلية بتبقى غالية عليها ومش عارفة تعمل إيه».

اقرأ أيضًا:

استشاري "أمراض نساء": "الأقراص" أسوأ وسيلة ويجب تشجيع استخدام "اللولب" والواقي الذكري

رئيس "شعبة الدواء": سوء توزيع "منع الحمل" ينعش السوق السوداء للعقاقير


مواضيع متعلقة