سامي عبد الراضي يكتب: هذا ما قدمه النائب العام في ١٢٥ يوما

كتب: سامي عبد الراضي

سامي عبد الراضي يكتب: هذا ما قدمه النائب العام في ١٢٥ يوما

سامي عبد الراضي يكتب: هذا ما قدمه النائب العام في ١٢٥ يوما

اليوم مر قرابة 4 أشهر على تولي المستشار الجليل حمادة الصاوي، منصب النائب العام، 4 أشهروتزيد (تحديدا منذ ١٢٥ يوما)، تغير فيها شكل النيابة العامة ومنهجها، استردت حيويتها وبريقها وحضورها، إن شئت قلت استردت، وإن أردت القول بأن الحيوية والحضور والبريق زادوا فقل ولا تخف، هذه المنظومة القضائية لها هدف واحد، هو حماية الشعب وحقوقه، هي محام للشعب، وعلى رأس هذا الهرم القضائي يأتي المستشار حمادة الصاوي، وهو الذي قاد بعقلية محترفة وحضور طاغ، النيابة، إلى مسار مختلف وجديد، والحضور هنا، حضور المعلومة والبيان والمتابعة لكل الجرائم الكبرى التي وقعت في مصر.

الأمر لم يتوقف عند الحضور ولكنه صاغ بخبرة السنين في كثير من القضايا ووصف الداء وقدم الدواء، عندما تحدث عن ابنة سيناء طالبة كلية الصيدلة، شهد، التي انتحرت في النيل بعد قدومها من الإسماعيلية، قال الرجل في بيانه: "تهيب النيابة العامة بأولياء الأمور أن يرفُقوا بالقوارير، أن يمنحوا بناتهم قسطًا من أوقاتهم، أنصتوا إليهن، وشاركوهن آلامَهن وآمالَهن، اطمئنوا وطمئنوهنَّ، وإن وجدتم من فتياتكم أو فتيانكم مرضًا فعالجوهم، فإن المرض النفسي داءٌ كأي داء، لا خجل فيه ولا حياء، والاعتراف به أول أسباب الشفاء، فأغيثوهم بالعلاج والدواء، قبل أن ينقطع فيهم الرجاء.

وتناشد النيابة العامة جميع أطياف المجتمع أن يضعوا الأمر في نصابه، أن ينظروا إلى المرض النفسي كما ينظرون إلى سائر الأمراض، أن يقوا أصحابه شرور نظراتهم، أن يرحموهم من همزهم ولمزهم؛ لا تغلقوا أمامهم أبواب العلاج، كما تناشدهم جميعاً الرفق بأنفسهم؛ لا تجزعوا، جدوا واجتهدوا وثابروا واطمئنوا؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، ولا يتمنين أحدُكم الموت لضر أصابه، هكذا وصف الرجل، وذلك بعد بيان تفصيلي عن الواقعة، أزاح غموضاً وحيرة، وأوقف غضباً كبيراً سيطر على مواقع التواصل الاجتماعي حينها بهذا التسلسل، ووضع الحقائق كاملة دون مواربة، كانت معلومات موثقة بفيديو وصور وأدلة تقنية.

"الصاوي"، لتحقيق تفاعل وتواصل مع الشارع ونبضه، سعى إلى إنشاء منصات للنيابة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليشعر المواطن أن النيابة قريبة منه وهو قريب منها، وكان قراره بإنشاء إدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي بالمكتب الفني، وتتكون من 3 وحدات هي: "التواصل مع وسائل الإعلام، والإعلام الإلكتروني والتواصل الاجتماعي، والرصد والتحليل"، وأصبحت النيابة على مدار الساعة في تواصل مستمر مع المواطنين.

التعامل مع قضايا الرأي العام كان جديداً ومختلفاً وظهرت البيانات تباعاً، فهذه قضية شهيد الشهامة في المنوفية، وهذا بيان بالتفاصيل كاملة وبه قرار الإحالة لمحاكمة جنائية عاجلة، وكان ذلك في اليوم الرابع للجريمة، كانت الأسرة تتلقى العزاء عندما وجدت المتهمين بالقتل في قفص الاتهام، هكذا دون "مط وتطويل" وأرواق تائهة، هذه الجريمة، وهذا تقرير الطب الشرعي وهذه التحقيقات وتلك التحريات، وجاء الحكم بأقصى عقوبة أقرها القانون وهي السجن 15 عاما للمتهم الرئيسي، وبعد الحكم قالت النيابة العامة في بيان مفصل :"نحتسب نجلكم شهيدًا سعيدًا بإذن الله، ساكنا جنة المأوى تلقونه يوم التلاق شفيعًا عند ربكم الأعلى، واليوم جئنا بقاتلي نجلكم إلى ساحة القضاء، ونرفع الدعوى، يا قضاة الحق جئناكم اليوم بالأمانة نسعى، فاقضوا جزاءً لكل قاتل، وما قصدنا إلا جزاءً عادلا"، ليست قضية شهيد الشهامة فقط، ولكن قضايا كثيرة تعاملت معها النيابة بمنطق راق ومختلف.

نزع فتيل فتنة مرة، ومنع تداول معلومات مغلوطة مرات، وأزال غموضا مرات، وحجب غضباً مرات، وجلب ارتياحا وسكينة مرات، ارتياح لـ"الرأي العام" وسكينة للأسر، أسرة الضحية في تلك القضايا، ففي نهاية أكتوبر الماضي، كشفت النيابة العامة تفاصيل واقعة الشاب محمد، ضحية عدم حمل تذكرة في القطار 934، تذكرة لا يملك ثمنها وكانت النتيجة حياته بسقوطه من القطار وقطع رأسه، وباحترافية شديدة ومن خلال متابعة لفيديو على "فيس بوك"، تحركت النيابة بثلاثة فرق، واحدة في طنطا حيث بداية الحادث، وثانية في محطة مصر، وثالثة في الأقصر، وعلى بعد حوالي 900 كيلو متر من الحادث لتستجوب عددا من الشهود الذين واصلوا رحلتهم في القطار وكانت شهاداتهم ضرورية، وقررت النيابة حينها حبس المتهمين وتقديمهم للمحاكمة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل جاءت رسالة النائب لتخاطب ضمير وعقل كل مسؤول، حيث قال في بيان مفصل عن الواقعة: "أهابت النيابة العامة بالقائمين على الوزارات الخدمية والمرافق العامة، بتوعية موظفيها والعاملين بها، وترسيخ إيمانهم بمقاصد الوظيفة العامة، وغايتها تحقيق المصلحة العامة، وأن أولى أولويات تلك المصلحة هي الحفاظ على حياة الإنسان وصون كرامته."

ولم يغب النائب العام عن قضية شغلت الرأي العام قرابة 7 شهور وهي قضية فتاة العياط التي ظلت حبيسة دون ذنب فترات طويلة، حتى جاء قرار النائب العام "بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضد أميرة أحمد عبدالله مرزوق "فتاة العياط" لعدم الجناية لوجودها في حالة دفاع شرعي عن عرضها"، هكذا حسم الغموض والتفاصيل ومنع الجدل وكشف الستار بوضوح عن وجه العدالة الذي طل بقوة وشفافية على "أميرة" لتنجو من المحاكمة.

ولمنع إثارة اللغط حول وضع السجناء، وبعد انتشار أخبار على مواقع التواصل الاجتماعي عن سوء الحالة الصحية لعائشة الشاطر، ومتاجرة صفحات الجماعة الإرهابية بها، والادعاء كذبًا بإصابتها بأمراض داخل محبسها، أحال النائب العام الشكوى المقدمة من دفاعها إلى نيابة أمن الدولة، للتحقيق فيها، والتي طلبت الملف الطبي الخاص بالشاكية، وأودعتها مستشفى المنيل الجامعي لتلقي العلاج.

الحضور لا يتوقف وبيان الحقائق مستمر، ففى الأول من ديسمبر الماضي، وعقب فيديو للحظة انتحار طالب بهندسة حلوان من أعلى برج القاهرة، أمر النائب العام، بإجراء تحقيقات موسعة في واقعة نشر المقطع من تسجيلات كاميرات المراقبة ببرج القاهرة، الخاصة بواقعة الانتحار، لمحاسبة المسربين، خاصة وأن تناول الفيديو وتداوله كان مؤذياً لمشاعر الكثيرين، ورآه البعض " تحريضاً " على الانتحار .

حماية المال العام كان ضرورياً، ففي 20 ديسمبر الماضي، أحالت النيابة 10 متهمين للمحاكمة الجنائية في واقعة حريق إيتاي البارود بالبحيرة، والذي تسبب في مصرع وإصابة 9 من الأهالي، وتبين أن تشكيلا عصابيا وراء التخريب العمدي لـ"خط" من خطوط البترول، وسرقتهم كميات من الموارد البترولية المارة به، وجاءت الرسالة واضحة، وناشدت المشرع تأثيمَ تداول المواد البترولية، وإعادة النظر في عقوبة سرقتها وحذرت المواطنين من إهدار المال العام: "حافظوا على أرواحكم وسلامة ممتلكاتكم، احفظوا مواردكم ومقدراتكم، لا تهدروا مجهودات توفير الوقود والطاقة، لا تتركوها عرضة لعبث العابثين، ولا تجعلوها هدفًا سهلًا للمغرضين الطامعين".

حضور النيابة العامة ومسؤوليتها المجتمعية جعلت الرأي العام أكثر هدوءا وارتياحاً في التعامل مع القضايا الكبرى، مهما كبر الجرح وزادت قسوته، فنحن في دولة قانون ولسنا في غابة، وعليه عندما يشعر أهل الضحية بأن القانون هو "السيف" الذي يعيد حق الضحايا، والدرع الذي يحمي الضعفاء، يكون الأمر مختلفاً، وحدث ذلك الأسبوع الماضي، مع واحدة من أكثر جرائم القتل قسوة، وهي "مذبحة كفر الدوار"، فالمتهم كما أوضحت تحقيقات متقنة للنيابة العامة، دخل منزل الضحية وأخد واجب الضيافة كاملاً، وكان معه سلاحه، سكين الذبح، سدد طعنات لصاحب المنزل وقطع رأسه وفصله عن جسده وألقى بجثته في النيران، دقيقة وبقلب الأم، خرجت والدة القتيل على صوت الاستغاثة، المتهم عاجلها بضربة واحدة في الرأس، وألقى بها في النيران، خرجت الزوجة، عاجلها بطعنة في الصدر، خافت على أطفالها، حاولت الدخول إلى المنزل وغلق الغرف على أبنائها، وهي تتوسل إليه أن يتركها، أطبق على عنقها حتى ماتت بين يديه، لم يتوقف، بل قتل 3 من الأطفال بنفس الطريقة، ضربات متتالية في العنق والرأس والصدر، وبعد أسبوع من الجريمة، جاءت الإحالة إلى محاكمة عاجلة وتحديدا في 28 يناير الجاري، وهنا ظهرت حالة من الارتياح في "عزبة علي" التي شهدت الجريمة، فخلال أيام ستكون المحاكمة، وبعد الجلسة الأولى والثانية سيكون حتماً الإحالة لمفتي الجمهورية، تمهيداً لإعدام المتهم ليعود "جزء" من حق الضحايا، الذين قتلهم "الجاني" غدراً دون أي ذنب.

"الطفل" كان حاضرا في ذهن النيابة العامة، وعليه ومنذ أيام، صدر قرار النائب العام رقم 85 لسنة 2020، بإنشاء مكتب حماية الطفل في إدارة التفتيش القضائي بمكتب النائب العام، الأمر الذي يعكس اهتمامه بقضايا الطفل، وحرصه الشديد على اتخاذ كافة التدابير التي من شأنها حماية الطفل في وقائع العنف، خاصة وأن الجرائم التي يتعرض لها الطفل أصبحت ظاهرة غير طبيعية في الشهور الأخيرة، وكان يستلزم التصدي لها بإنشاء المكتب، فعلى مدار السنوات الأخيرة (قضية الطفلة جنة في المنصورة، وقضية الطفل الذي عذبته والدته في العمرانية نكاية في أبيه، وقضية السيدة التي تركت طفليها داخل حضانة في أوسيم واختفت بدعوى أنها وزوجها طبيب الأسنان لا يملكان مصاريف رعاية الصغيرين).

هكذا كان أداء النيابة العامة في الشهور الماضية، ومعه زيارات وحضور أفريقي وعربي، وتواصل مع نواب عموم عرب وأفارقة، وهكذا طرق النائب العام، على كثير من الأبواب المغلقة في مصر، ووجه رسائله لجميع المؤسسات، كل يؤدي دوره، كل في مكانه، كانت بياناته برداً وسلاماً، وقراراته تثلج الصدور بأن دولة القانون هي الفيصل وهي الباقية، شكراً معالي النائب العام، وفي انتظار المزيد.


مواضيع متعلقة