منازل ومدارس غارقة فى مياه الصرف.. كرنفال البؤس في قرية الكفر بالحامول

كتب: سمر عبد الرحمن

منازل ومدارس غارقة فى مياه الصرف.. كرنفال البؤس في قرية الكفر بالحامول

منازل ومدارس غارقة فى مياه الصرف.. كرنفال البؤس في قرية الكفر بالحامول

تحاصرهم من كل جانب مياه ذات رائحة كريهة، لم ترحم كبيرًا ولا صغيرًا من الأمراض المزمنة، وتعوم منازلهم ومدارسهم فوق برك من مياه الصرف الصحي حتى "باشت" وأصبحت تنتظر الانهيار في أي لحظة، أما الشوراع فتحولت لبرك من المياه الراكدة فحال ذلك دون السير بها.. هذا هو ملخص معاناة أهالي قرية الكفر الشرقي بمركز الحامول بمحافظة كفر الشيخ، والذين تركوا أمور حياتهم ليتفرغوا لكسح مياه الصرف الصحي من منازلهم.

استغاثات كثيرة على مدار أكثر من 10 أعوام، أطلقها أهالي قرية الكفر، لكن لم تفلح مرة تلك الاستغاثات في لفت الأنظار، فلم ينتقل مسؤوول الى هناك لبحث معاناة الأهالى.

فالدولة أنشئت مشروعًا للصرف الصحي تكلف ملايين الجنيهات قبل السنوات العشر، لكن خلافًا بين قريتهم وقرية الزعفران المجاورة، منع تشغيل الصرف الصحي، فزادت معاناة الأهالي مع مرور الوقت خاصة مع عدد سكان القرية.

ولم يعد مشروع "خفض المنسوب" الذى أنشأه الأهالي منذ أكثر من 20 عاماً يستوعب كميات المياه المصروفة من المنازل، فأضحت عائمة على برك من مياه الصرف الصحى بسبب طفحه المتكرر، وباتت مُهددة بالإنهيار فى أي لحظة، كما أصبحت الشوارع عبارة عن برك طيينة يصعب السير فيها.

"بيوتنا بايشة وأطفالنا عايشة بالأمراض المزمنة، ومدارسنا مُحاصرة وشوارعنا مغمورة بالمياه والطين، سيبنا شغلنا وبقينا نكسح مياه الصرف، ومشروع خفض المنسوب بهدل البيوت، والمياه بترد علينا، والرطوبة بقت كبيرة، ومحدش قادر يعملنا حاجة".. بهذه العبارات عبر محمد جميل، أحد أبناء القرية عن المأساة التى يعيشها السكان، مؤكدًا أنه وعشرات الأهالى أرسلوا استغاثات متكررة للمسؤولين، بدءًا من رئيس القرية مرورًا برئيس مجلس المدينة وانتهاءًا بمحافظ الأقليم، لكن دون جدوى، فالوحدة القروية لاتملك حلًا لهذه المشكلة، رغم أن جميع موظفيها يتواجدون فى الشوارع منذ الصباح الباكر كل يوم، ويحاولون شفط المياه إلا أنها أكبر من إمكانياتهم المحدودة.

ولفت إلى أن المشروع الجديد الذى أُنشئ عام 2010 لايزال متوقفًا، لأن أهالي قرية الزعفران المجاورة يرفضون تشغيله لأن محطة الرفع قريبة منهم.

وفى أحد الشوارع الطينية بوسط القرية، يقف شاب يبلغ من العمر نحو  39عامًا، يُدعى مصطفى سعد، مُمسكًا بسلك طويل محاولًا تسليك "بالوعة" صرف صحى أمام منزله، لوقف تدفق المياه إلى داخل المنزل المنخفض مدخله، قائلًا: "تعبنا من كميات مياه المجارى التى أغرقت منازلنا، إحنا على الحال ده من 10سنين ومفيش حل، مشروع الصرف الصحي في القرية، عبارة عن خفض منسوب أقمناه على نفقتنا الخاصة من أكثر من 20عامًا، وتقوم إحدى الجمعيات الأهلية، بتحصيل رسومًا منا بشكل شهري لصيانته وتسليك المواسير، إلا أن تهالكها وانفجارها المتكرر يؤدي إلى غمر المياه للشوارع والمدارس الحكومية، فتفوح منها روائح كريهة".. وتابع: "حتى مقابر الموتى غرقت في المياه، ومفيش حل".

 

مصطفى: المقابر غرقت والشوارع طين ومحدش بيتحرك.. ومسؤول: رفعنا مذكرة للمحافظ

وعلى بعد نحو 100 متر من مدرسة الكفر الشرقى الإعدادية، وقفت هناء محمد، إحدى ربات البيوت، تقوم مع أخرى بكسح مياه الصرف الصحي والأمطار من مدخل منزلهما المكون من 3 طوابق، فالمياه غمرته ما صعّب على أفراد الأسرة الصعود للطوابق أو الخروج من المنزل.

هناء أكدت أنها تكرر العمل بشكل يومي حتى تتخلص من مياه الصرف الصحي ذات الرائحة الكريهة، وبنبرة غاضبة توضح "أنا وسلفتي وجيرانى على نفس الحال من سنين، مش ملاحقين على مياه المجاري، والصرف بيرد على بيوتنا لحد ما باشت وخايفيين تقع علينا، بنودى ولادنا للمدرسة الصبح بالعافية، بنشيلهم ونخرج بيهم نوصلهم، وبيوتنا تحولت إلى برك من مياه الصرف".

وعلى بعد خطوات قليلة من منزل هناء، كانت أم مصطفى التي بلغت من العمر أرذله تركن الى جوار منزلها البسيط، وتحمل حفيدها على ذراعيها، بينما تقوم زوجتا نجليها بكسح كميات كبيرة من المياه عبر إناء، وتقومان بملئ الإناء وحمله بين يديهما حتى الوصول الى بيارة صرف صحى على بعد أمتار من المنزل، وتقوم بسكب المياه بها، لتكرر هذه العملية لأكثر من ساعتين متواصلتين، أملًا فى تخفيف المياه التى غمرت حجرات النوم والمنزل بأكمله، لتسطيع الأسرة الجلوس والنوم داخل الحجر.

تقول أم مصطفى، "بيوتنا غرقت وحالنا باظ، المنازل أصبحت مهددة بالانهيار، والحشرات بقت عايشة معانا بسبب عدم تحرك المسؤولين، أطفالنا أصيبوا بأمراض مزمنة زى الصدر والحساسية وعيالنا مش عارفة تروح المدرسة، معقول القرية اللي عدد سكانها كبير بقت محاصرة بسبب مياه الصرف ومفيش مسؤول بيتحرك؟".

"مدرسة إعدادية ومدارس إبتدائى وثانوى، وقرية تعداد سكانها 20 ألف نسمة، تغمر شوارعها مياه الصرف الصحى، مدرسون عاجزون عن الدخول لمدارسهم، وتلاميذ ضحايا تلك الرائحة الكريهة"، هكذا عبرّت إحدى مدرسات المدرسة الإعدادية المشتركة والتى تحتفظ "الوطن" باسمها، قائلة، "المدرسة عبارة عن بركة مياه، ومكان تجمع القاذورات، والطلاب يواجهون مشاكل فى الذهاب خاصة في فترة الامتحانات، مبقناش عارفين إحنا رايحين نعلم ولا نغوص فى مياه الصرف الصحى»، مطالبة بإيجاد حلول جذرية لتلك المشكلة المزمنة.

ومع تجاهل المسؤولين، أطلق شباب القرية هاشتاج على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" تحت عنوان "بلدى بتغرق - الصرف الصحي بالكفر الشرقى"، ليتداوله مئات من مرتادي الموقع، ويتضامن معهم أهالي القرى المجاورة دون تحرك فعلي من المسؤولين، محملّين اللواء جمال نور الدين، محافظ كفر الشيخ، المسؤولية كاملة، حيث أرسلوا له شكاوى عديدة، على رقم "واتس آب" الخاص بديوان عام المحافظة، فضلًا عن إرفاق شكاوى وصور متعددة.

"الوطن" حاولت التواصل مع اللواء جمال نور الدين، محافظ كفر الشيخ، للرد على شكاوى الأهالي لكنه لم يرد على هاتفه، فى الوقت الذى أكد فيه مصدر مسؤول، أنه جرى رفع مذكرة للمحافظ منذ توليه منصبه، إلا أنه لم يحرك ساكنًا، مشيراً إلى أن مواسير مشروع خفض المنسوب تنفجر بشكل دائم ما يُشكل عبئًا على الوحدة المحلية القروية، التى تدفع بمعداتها لمساعدة الأهالي فى كسح المياه لكن دون جدوى.

وأكد المصدر، أن المشكلة لن تنتهى إلا بوضع حلول جذرية، وتشغيل المشروع الجديد بعد إنهاء الخلاف بين القريتين.


مواضيع متعلقة