تنوع المقامات وتعدد القراءات.. هذا ما ميّز المنشاوي في تلاوة كتاب الله

كتب: عبدالله مجدي

تنوع المقامات وتعدد القراءات.. هذا ما ميّز المنشاوي في تلاوة كتاب الله

تنوع المقامات وتعدد القراءات.. هذا ما ميّز المنشاوي في تلاوة كتاب الله

 قليلون من يعيشون بعد موتهم، وأقل من القليل من يزورون القلوب والأسماع يوميًا، حتى أننا ربما نظن في صغرنا أنهم جزءً من العائلة، يستيقظون معنا، ونسمع أصواتهم كل صباح مصاحبة لأصوات اعتدنا سماعها، يصاحبوننا بمدارسنا وكتاتيبنا، ونجاهد في تقليدهم كل ليلة قبل تسليم أجفاننا للنوم.

صوته كأنه من السماء، يلين القلوب، ويحيي المشاعر الميتة، ويضيء الدروب المظلمة، ويعيد الحياة لأرض بوار. عرف بعمته الأزهرية المعهودة وكاكولته التي خرج منها مشايخ وأعلام ساروا على درب شيخهم، الذي تمضي 100 عام على ذكري ميلاده، فالشيخ محمد صديق المنشاوي عاش عمرًا قصيرا نسبيًا مقارنة بتأثيره الهائل.

إمكانات الشيخ المنشاوي المتعددة كانت سببًا في أن يكون علامة فارقة في تاريخ القرّاء، هكذا وصف عبدالكريم إبراهيم، وكيل كلية القرآن الكريم بطنطا ورئيس لجنة المصحف الشريف بمجمع البحوث الإسلامية، لـ"الوطن"، حيث ذكر أن صوت الشيخ المنشاوي، فور أن تسمع صوته تستشعر إحساسه اليقظ بعلوم التجويد والقراءات، والتي يستطيع أن يحافظ عليها دون أي خلل.

يضاف إلى ما سبق، موهبته الفريدة التي تمتع بها في ترجمة الحركات، والشخصيات، والكلمات، والألفاظ، إلى مشاهد متحركة في خيال المستمع، فيصل القرآن إلى قلبه، وفقا لـ"عبدالكريم".

كذلك تميز الشيخ المنشاوي بخشوعه في تلاوته للقرآن، واستخدامه عدة مؤثرات ونغمات صوتية، وتوظيف المقامات بما يلائم الآيات المتلوة، وقدرات فائقة على تصوير الآيات، فيساهم في إيضاح المعني للمستمعين، دون أي عناء منهم في فهم هذه السور، وومنها قراءته الآية رقم (12) في سورة الإسراء، حيث قال تعالي "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ، فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ، وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا"، وفي كل مرة كان يقرأ فيها هذه الآية كنا نسمع بكاء المستعمين له في المسجد، وذلك لقدرته على الوصول بهم لأقصي درجات الخشوع، حسب "عبدالكريم".

 

"التكرار سنة نبوية وفهم للمعنى"، اعتمد عليه الشيخ المنشاوي في أغلب تلاواته القرآنية، وذلك بهدف تأكيد المعني للمستمع، كذلك يساعد التكرار في تدبر الآيات، وثبت أن التكرار سنة عن الرسول – صلي الله عليه وسلم – فكان النبي يكرر الآيات وأبرز الأمثلة على ذلك في الآية 188 من سورة المائدة "إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، والتي تساعد في تأكيد المعنى لدى المستمع، وإتاحة الفرصة له في تدبر القرآن وفهمه.

ليس هذا فحسب، فقد كانت التلاوة الواحدة للشيخ المنشاوي تشهد استخدامه عددًا من القراءات القرآنية لأحد الأئمة السبعة أو الأئمة الـ10، ففي بعض الأحيان يستخدم قراءة "الدوري" وبتبعها بـ"السوسي"، وكلاهما عن أبي عمرو الدوري، وتارة يقرأ برواية "قالون"، ويتبعها بـ"ورش"، ما يدل على الموهبة الفريدة التي منحها الله له، حسبما ذكر "عبدالكريم".

اشتهر "المنشاوي" أيضَا بحسن استخدامه للمقامات المختلفة في التلاوة الواحدة، ما يساعد على فهم المستمع للآيات، فاستخدم "البيَّات"، في آيات الخشوع والتفكر في تدابير الله، و"الرست" في الآيات ذات الطابع القصصي، وكذلك "النهاوند"، في الخشوع والتفكر في أمر الله، وغيرها من المقامات، التي استخدمها متتابعة ما يشير لقدراته الكبيرة في قراءة القرآن.


مواضيع متعلقة