"الوطن" ترصد رحلة صناعة الكتاب فى مطابع "الهيئة المصرية".. هنا مصنع الثقافة

"الوطن" ترصد رحلة صناعة الكتاب فى مطابع "الهيئة المصرية".. هنا مصنع الثقافة
- معرض القاهرة الدولي للكتاب
- معرض الكتاب
- جمال حمدان
- دور النشر
- اليوبيل الذهبى لمعرض الكتاب
- هيئة الكتاب
- معرض القاهرة الدولي للكتاب
- معرض الكتاب
- جمال حمدان
- دور النشر
- اليوبيل الذهبى لمعرض الكتاب
- هيئة الكتاب
عقارب الساعة تشير إلى السابعة والنصف صباحاً داخل مبنى هيئة الكتاب العريق على كورنيش النيل وتحديداً بالدور الأرضى، وصوت «أم كلثوم» على إذاعة البرنامج العام تغنى «يا صباح الخير» يصدح بين جنبات غرف ترك الزمن أثره على حوائطها، وما أن تصل لها حتى تشعر ببصمات السنين على عامل وضع يده التى ملئت بالأحبار يستند عليها ليلتقط أنفاسه بعد يوم عمل شاق. وهنا أيضاً السيدة «فاطمة»، واحدة من أقدم العاملات بالمطبعة، التى بدأت عملها بجمع المخلفات والورق من أرضية المطابع وشيئاً فشيئاً تعلمت الصنعة وأصبحت ضمن العاملين على جمع الكتب من مطبعة «الأوفست»، تلك المطبعة التى رافقتها لما يقرب من 15 عاماً، وكانت كتبها سبباً رئيسياً فى تعلمها القراءة والكتاب والحصول على شهادة محو الأمية، وكُتب على هذه المطبعة «هنا مصنع الثقافة».
مع دقات الثامنة صباحاً تدب الحياة بين جنبات المطبعة القديمة ويبدأ مسئولو التنفيذ فى مد صفحات الكتاب لطيه وتجميعه، وعلى مقربة منهم تقف مجموعة من العمال يخرجون الأحبار والألوان لتزويد ماكينة الطباعة بها، وبجوارهم مجموعة ثانية تنقل «رول» الورق الضخم ووضعه على ماكينات الطباعة، وعلى مقربة منهم تُفتح المخازن لتسلم الزائر الجديد الذى طال العمل عليها مجموعة «شخصية مصر» التى تنتظر الخروج لترى النور بمعرض الكتاب وأينما تطأ قدمك هنا ترى عناوين كتب عدة لطه حسين والأبنودى وصلاح جاهين.. هو بستان من الكتب تحلم أن تقطف زهوره المنتشرة فى كل مكان ومع حلول التاسعة يتحول هدوء المكان لمعزوفة من أصوات الماكينات.
405 عمال بينهم 100 سيدة يواصلون الليل بالنهار لإنجاز المطبوعات.. وخبرتهم تؤهلهم ليكونوا مراجعين ومصححين
«405 عمال منهم 100 سيدة يواصلون الليل بالنهار فى العمل»، يقول المشرف على الإدارة المركزية للمطابع، محمد حسن، أول من تولى ذلك المنصب من أبناء المطابع، مؤكداً أن العمل يبدأ عند تسلم الكتاب بعد المراجعة والتجميع وبحكم الخبرة أصبحت لديهم رؤية للشكل الأفضل ومقترحات للتطوير يتم طرحها وتنفيذها، منها مشروعات للأطفال وطباعة الأغلفة وصناديق لحفظ الكتب وغيرها من الأفكار التى ساعدت فى تطوير صناعة الكتاب فى مصر.
وأضاف «حسن» أن عمال المطابع ليسوا مجرد عمال عاديين، فخبرتهم أهلتهم أن يكونوا مراجعين ومصححين، بل وكتّاب ومؤلفون وشعراء، وخير مثال على ذلك أمين عثمان، أحد العاملين بالمطابع، وهو شاعر وعضو اتحاد كتاب، ومن داخل المطبعة كانت انطلاقة موهبته ما أفاده ونمى ثقافته.
"حسن": نستطيع إصدار كتاب كامل بـ3 آلاف نسخة فى 3 ساعات فقط.. وبعض الماكينات تعود للسبعينات
وتابع قائلاً إن جلسات العمال تعتبر ندوات فكرية بامتياز، فبعضهم اكتسب ثقافته من مراجعة الكتب وأصبح يصحح لكبار الكتاب أخطاءهم، وكل منهم يعتبر الكتاب كأنه ابن يتلقاه فى صفحات يراجعها ويطبعها ويجمعها، وهو فى كل مرحلة يراجع وينقح حتى يراه وليداً مكتملاً، ويضيف: «آخر أبنائى الذى أرهقنا مخاضه كان (وصف مصر)، كنا نواصل الليل بالنهار للانتهاء منه ولم نرتح حتى صدر الـ37 مجلداً كاملاً بطبعتيه، وكل ذلك كان بحب للمكان الذى نقضى فيه أوقاتاً أكثر مما نقضيها فى بيوتنا، فبعض الماكينات هنا تعود إلى سبعينات القرن الماضى ورغم ذلك نستطيع إصدار كتاب كامل بـ3 آلاف نسخة فى 3 ساعات فقط.
رحلة الكتاب وصولاً للمطبعة تبدأ، كما يقول جودة رفاعى، مدير عام النشر والمشرف على الإدارة المركزية للمشروعات الثقافية بهيئة الكتاب، من إدارة «خدمة المؤلف» و«إدارة النشر» اللتين تتسلمان العمل بعد التحقق بداية من أنه يستوفى الشروط المبدئية للنشر كحجم الكتاب وتبويبه والهوامش والمقدمة والمراجع والتوثيق، حيث يتقدم الكاتب بمؤلفه على أسطوانة مدمجة ونسخة ورقية ثم يتم إدراجه وإعطاؤه رقماً وتاريخاً وإرساله إلى لجان الفحص والقراءة المعنية والتى تؤدى دورها بإقرار الكتاب ونشره أو طلب تعديلات يستوفيها المؤلف أو رفضه والاعتذار للمؤلف ومدى صلاحية العمل للنشر من عدمه وتقرير الصلاحية هو المسوغ الرئيسى للنشر.
وأضاف أن للجميع الحق فى تقديم مؤلفاته سواء كانت شعراً أو أدباً أو مجموعات قصصية أو مؤلفات للأطفال، والنشر متاح للجميع من الإسكندرية وحتى أسوان، ولجميع الأعمال، أبواب الهيئة مفتوحة لأى مصرى طالما يستطيع الكتابة ويساهم فى الثقافة ومنظومة الإبداع و70% مما يتم نشره لكتّاب شباب.
وتابع قائلاً إن هيئة الكتاب هى المؤسسة الرئيسية المعنية بنشر الأعمال الجيدة ولدينا فى الهيئة 3 صيغ للنشر «المجلات الثقافية والعلمية وسلاسل النشر الأدبية كالشعر والقصص والمجموعات الكاملة والمتخصصة».
"رفاعى": 500 عنوان سنوياً ومقترح لتعديل لائحة النشر ولجان القراءة.. ونفذنا خططاً جديدة لوقف الهدر فى الورق والطباعة
وعن خطة التطوير قال «جودة»: تقدمنا بمقترح لتعديل لائحة النشر بهيئة الكتاب وإعادة هيكلة الإدارة وأعدنا تشكيل لجان النشر والقراءة فإذا استهدفنا كتاباً جيداً فعلينا الاهتمام بتلك اللجان فهى المنوط بها البت فى مدى صلاحية الكتاب للنشر بالهيئة مدعوماً من الدولة، ونحن ننشر سنوياً من 450 إلى 500 عنوان ونركز على جودة العناوين بدلاً من إصدار كتب تظل فى المخازن.
منظومة كاملة يقطعها الكتاب داخل هيئة الكتاب وصولاً للقارئ، ما كان سبباً فى إحداث طفرة فى إيرادات الهيئة، كما يقول مدير الإدارة المالية بهيئة الكتاب، مشيراً إلى أن الإيرادات ارتفعت خلال عام 2017-2018 من 40 مليون جنيه إلى 50 مليوناً، وفى 2018 -2019 وصلت إلى 60 مليوناً، ونأمل أن نصل لـ70 مليوناً هذا العام.
وتابع: «نعمل فى خطين متوازيين لصالح العامل والهيئة، ثم معالجة المشكلات، بهدف إحداث طفرة وزيادة الإنتاج والإيرادات، وهذا يتحقق بالتنظيم ورفع حركة المعارض والمشاركات الدولية، كما أُعيد حساب التكلفة للكتب لوضع أسعار تتناسب مع التكلفة، حيث كان يتم التقييم عشوائياً، وهو ما جرى وقفه بإعادة النظر فيه بشكل علمى، بجانب الحفاظ على المواد الخام ومتابعة المخازن ومراجعة الصادر والوارد.
وعلى مستوى الهدر فى الطباعة تم وضع نسب محددة عكس السابق حيث كان من الممكن أن يتسبب خطأ فى الطباعة فى إهدار كبير بإعدام نسخة كاملة بلا رقابة أو حساب، وهو ما أوقفناه بصرف «رزم الورق» على عدد الطبعات المطلوبة مع وضع هامش للخطأ وحساب المخرج النهائى إذا كان أقل من المتفق علية يصبح هناك عجز يجب المحاسبة عليه ونفس الأمر فى الأغلفة. وحتى أخطاء الطباعة أصبحت هناك مراجعة، فمن الممكن أن يتسبب خطأ فى المتن فى إعادة طباعة كتاب كامل بسبب خطأ فى الكمبيوتر أو الحبر.. إلخ، لذا يجب التأكد تماماً قبل الطباعة. كما عملنا على عمل ترابط بين الإدارات واجتماعات أسبوعية للقيادات لوضع رؤية شاملة وفق خطة منظمة ولها هدف فلم يكن هناك روح فريق بدلاً من الروح الفردية وهذا حقق إصلاحاً كبيراً.
ولوصول الكتاب لمختلف المحافظات كان من الضرورى تطوير الفروع المنسية والمهملة، ويوضح «جودة» أنه جرى تطوير أفرع بورسعيد والإسماعيلية ووقف مسلسل السرقات والتصدى للمخالفات بالرقابة وتشكيل لجان مراجعة وجرد ما كان سبباً فى خفض الهدر والمصروفات بنسبة من 25% إلى 30% ورفعنا الإيرادات بنفس النسبة.