الميزان عليه وحساب الزباين عليها.. "أحمد" فكهاني كفيف يبيع بعين زوجته

الميزان عليه وحساب الزباين عليها.. "أحمد" فكهاني كفيف يبيع بعين زوجته
4 أقفاص بلاستيكية تحمل بضاعة قليلة مرصوصة على لوح خشبي صغير، يجلس أمامها رجل كفيف وزوجته، يعملان في صمت شديد عهده منهم المارة وأصحاب المحلات المجاورة، يجيدان معاملة الزبائن المترددة عليهما، يوفون الكيل والميزان، أمر البيع يتولاه الأول والمعاملات المالية في عهدة الثانية، يرى بعينيها وتسكن روحه برفقتها، لا تتركه وحيدا، تصطحبه كل يوم صباحا ويعودان مع منتصف الليل كروح واحدة في جسدين.
فقد بصره في حادث سير عام 2000 واتجه لبيع الفاكهة.. والبداية كانت في سوق الطالبية
مشهد واقعي تجسد فيه معنى الآية القرآنية "وجعلنا بينكم مودة ورحمة"، بطلاه بائع الفاكهة الكفيف أحمد زيان (40 عامًا)، وزوجته الثلاثينية سامية، يكافحان معا من أجل الحياة، بعد أن تعرض الزوج لحادث سير عام 2000 أفقده بصره وخسر مهنته كعامل في أحد المحلات، ولم يبق في استطاعته سوى بيع الخضار والفاكهة لكسب لقمة العيش، تعينه على ذلك زوجته، التي تتولى أمر الحساب المالي مع الزبائن، حسب روايته.
زوجته تصحبه يوميا من البيت إلى مكان البضاعة وتعود به في المساء
بداية الرجل الكفيف الذي يتخذ من رصيف أحد شوارع منطقة العمرانية مستقرًا له حاليا، مع البيع كانت من سوق الطالبية، لبيع الطماطم والفاكهة الموسمية، وحسب روايته في حديثه، لـ"الوطن"، واجه في البداية تعثرا شديدا لعدم تمكنه من المهنة وعدم قدرته على التعامل مع التجار والزبائن: "كنت بخسر فلوس كتير بس كنت بتعلم حاجة جديدة سنة ورا سنة".
قبل 15 عاما التقى أحمد شريكة حياته سامية، التي ارتضت العيش معه وأضحت له زوجة وأمًا وصديقة، تشدد أزره ويحتمي بها من صعاب الحياة، فقرر أن يستقل بنفسه ويتخذ من الشارع مكانا له، تاركا السوق بمن فيه، تخرج معه كل يوم من بيتهما القريب من الرصيف الذي تستقر عليه بضاعته، تشاركه البيع والشراء، تتركه في منتصف اليوم ساعات قليلة لمباشرة أعمال المنزل، وتعود إليه مسرعة في المساء لتصحبه من جديد إلى حيث جاءت به، وحسب وصف الزوجة سامية لـ"الوطن": "باخد الفلوس من الزبون وأعرفه قيمة كل ورقة عشان يحفظ ويتعود".
"وأوفوا الكيل والميزان".. أمر إلهي يحرص الفكهاني الكفيف على تنفيذه مع زبائنه في أمور الميزان، يحفظ الأوزان جيدًا ويتحسس كل واحد منهما بأصابع يده، عرف بإخلاصه في عمله، يتردد عليه المارة للشراء واثقين به وواثقًا بهم، وحتى في الوقت القليل الذي تتركه فيه زوجته لمباشرة أمور المنزل، يحاول التعرف على قيمة العملة النقدية، لا يخوّن أحدًا ويعطي الأمان للجميع، حسب تعبيره.
أحمد يتمنى توفير كشك له للبيع منه بدلا من الوقوف في الشارع
شعور بالرضا واليقين في قدرة الله، يتسلل من نبرة صوت الزوجين اللذين اعتادا العمل ساعات طويلة وسط صخب الشارع وأصوات التنبهات العالية الصادرة من سائقي السيارات والمواصلات، لم يطرق باب أحلامهما سوى أمنيات بسيطة تتمثل في الحصول على تراخيص "كشك" خاص بهما للبيع من خلاله، بدلًا من البيع في الشارع، ووظيفة حكومية ثابتة لتعينهما على أمور الحياة ومصاريف العلاج.