أتابع منذ فترة ما يقوم به مجلس نقابة المحامين من جهود لتنقية جداول النقابة، التى وصفها النقيب الحالى سامح عاشور بالمغامرة التى فُرضت على النقابة، وفى إطار تلك المتابعة، وقفت أمام تصريح لافت له -للنقيب- أشار فيه إلى أن وقائع التزوير التى تكتشفها النقابة ضمن أوراق تجديد الاشتراك يشيب لها الرأس، لذلك نلجأ إلى التدقيق الشديد، وفى تصريح أكثر وضوحاً، قال صلاح صالح، عضو مجلس النقابة العامة ومقرر لجنة التنقية، إن اللجنة ما زالت تعمل على فحص ملفات من جدّدوا كارنيه النقابة للعام الحالى والعامين الماضيين، حيث يتم الكشف عليهم (تأمينات، وأحكام)، مشيراً إلى أنه تبين من خلال فحص الملفات أن هناك حالات مؤمناً عليها، وتقدّمت للنقابة بـ«برينتات» تأمين مزوّرة أو غير صحيحة تفيد بعدم التأمين عليهم من جهات أخرى، وقامت اللجنة بإسقاط قيدهم، وفقاً للقانون.
ويبدو أن النقيب وعضو مجلس النقابة كليهما لم يقدرا خطورة ما تفوها به، فالأول أمام حالات تزوير يشيب لها الرأس اكتفى بمجرد التدقيق الشديد -فى الأوراق المقدّمة للقيد- والثانى أسقط قيد المزوِّرين وفقط، والسؤال الذى يطرح نفسه هو لماذا لم تقم النقابة بتقديم بلاغ للسلطات المختصة حول وقائع التزوير هذه؟، وسؤال آخر على مجلس النقابة كله أن يجيب عنه: ألا يعتبر ذلك تستراً على مجرمين، خاصة أن الدليل على ارتكابهم جريمة التزوير فى حوزة لجنة التنقية؟.
مقرر لجنة التنقية أشار أيضاً إلى أن «من كان محكوماً عليه بحكم نهائى فى جُنحة مخلة بالشرف، أو فى أى جناية بعقوبة مقيّدة للحرية، يسقط قيده لحين مرور 3 أعوام على الحكم فى الجنحة، و6 أعوام بعد الحكم فى الجناية، وعليه أن يقوم بعمل رد اعتبار، ويتقدّم مرة أخرى إلى لجنة القبول لإعادة قيده»، يعنى باختصار كده ممكن يكون المحامى المكلف بالدفاع عن المتهم، هو نفسه مجرم وصاحب سوابق!!!!.
بما أننى لست قانونياً، وأخشى إن أطلت فى انتقاد تعامل مجلس نقابة المحامين مع موضوع تنقية الجداول أن يصطادنى النقيب بشطارته المهنية، ويلبسنى قضية، وأتحول إلى «سوابق»، سأسجل للتاريخ فقط الدرس البليغ الذى لقّنه القاضى الجليل بهاء الدين المرى، رئيس محكمة جنايات كفر الشيخ «الدائرة الأولى»، يوم الخميس الماضى، للمحامين، قبل النطق بالحكم على 3 من زملائهم متهمين بالتزوير، بالحبس 5 سنوات.
عند بدء الجلسة، قال القاضى بهاء الدين: «بمناسبة هذا الحكم، توجّه المحكمة كلمة إلى السادة المحامين: يا رفقاء البؤساء، يا من تعالجون آلام الناس وترافقونهم فى شقائهم، فتلبسون السّواد رمزاً للحداد، وتقفون إلى جوارهم، المحاماة رسالة، عريقة كالقضاء، مجيدة كالفضيلة، وضرورية للعدالة».
وأضاف: «وُجد المحامى، ليدفع كيد الكائدين، ويكشف ستر المتآمرين، وينير الطريق إلى العدالة، أشبه بالشّموع تحترق، لتبعث من حولها الضّياء، ومن هنا، كان واجبه أن يسمو بنفسه، ليستحق اللّقب الذى تميّز به عند الناس، وهو (الأستاذ).. هذه القاعة جُعلت ليصدح فيها المحامى بحق، لا ليُحبس فيها لجرم، وهذا القفص، لم يُوضع هنا ليقف فيه محامٍ، بل ليقف قريباً منه المحامى، ليشد من أزْر ذى حظٍّ منكود يقبع خلف قضبانه.. وضع لشخصيات لها خطرها على المجتمع، لتلقى طعنات الاتهام، لا محامٍ مهمّته إنصاف الناس من الاتهام.. لو كان هذا القفص ينطق، لارتجّ يقول لكم: إنى أرتجف حين تلجون أعتابى».
واستكمل رئيس المحكمة: «ولكنّ عزاء العدالة، أنّ ما نحن بصدده يعدّ استثناءً من القاعدة، وإن كان -واأسفاه- قد شاع».
وفى رسالة عتاب للمحامين المحكوم عليهم، قال: «أيها المحامون المحكوم عليكم، كم تساوى الآن هذه الوقفة؟ كم الثمن الذى إلى هذا المصير صيّركم؟ هل تخيّلتم، لو تبادلتم الأدوار مع من ظلمْتم؟! ماذا لو كنتم آمنين فى سربكم، فصرْتم فى لحظة بين سندان الأحكام ومطرقة التنفيذ؟ أو غيّبتم سجناً، أثر تزوير كالذى اقترفتم؟! ما وصْف طعم الظّلم ساعتها؟ ما شكل النّظرة إلى هذه المهنة السّامية عندئذ».
واختتم القاضى البليغ كلمته قائلاً: «إنّ المحكمة، وهى تصْدر حكماً كهذا، تشعر بغصّة، بيد أنه القانون الذى يخضع له الجميع، والمحامون من غير شكٍّ أحقّ الناس بالخضوع له.. أيها الشاردون فى دنيا الزيف والمال، إنّ المجد لا يبنيه مال، ولا الزّيف يصنع الرّجال!».
يا له من درس قاسٍ جاء فى وقته تماماً، لكن من الواجب أن يصل ويسلم إلى نقيب المحامين.