احتجاجات العراق ولبنان.. مطالب شعبية وانتفاضة إقليمية ضد نفوذ طهران

كتب: بهاء الدين عياد

احتجاجات العراق ولبنان.. مطالب شعبية وانتفاضة إقليمية ضد نفوذ طهران

احتجاجات العراق ولبنان.. مطالب شعبية وانتفاضة إقليمية ضد نفوذ طهران

تعددت أوجه التشابه بين احتجاجات لبنان والعراق سواء من حيث المطالب أو أساليب المتظاهرين، لكن اللافت في الحالتين تجاوز النزعة الطائفية ومعارضة النفوذ الإيراني في البلدين، ولاسيما مع اتخاذ طهران موقفا مناوئا للمطالب الشعبية، وسط شائعات حول مشاركة ايران في محاولة قمع تلك التظاهرات وتشويهها عبر وسائل الإعلام التابعة لها والأطراف السياسية المدعومة منها، وعبر القادة الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الإيراني علي خامنئي الذي وصف التظاهرات في لبنان والعراق بأنها "مؤامرة خارجية" ضد البلدَين.

وذكر تقرير لـ"دويتشه فيله" إنَّ ثمة قواسم مشتركة بين لبنان والعراق، وهو ما ظهر جليَاً من خلال المطالب التي حملها المتظاهرون خلال الاحتجاجات في الشارعين اللبناني والعراقي.

وإلى جانب الاستياء العميق تجاه الطبقة الحاكمة والظروف الاقتصادية الصعبة والفساد، تقف الطائفية على قمة أولوليات ما يجب إزاحته من المشهد في كلا البلدين، ولعل ذلك ما دفع البعض إلى القول بأن "المظاهرات تشكّل جزءاً من انتفاضة إقليمية أوسع نطاقاً ضد الزعماء السياسيين الشيعة والتدخل الإيراني."

ووسط تفاخر المسؤولين الإيرانيين بالسيطرة على القرار في عدة عواصم عربية وعلى رأسها بغداد وبيروت، أدت الانتفاضة الجماهيرية في البلدين إلى نتائج عكسية على نفوذ ايران.

وأشار تقرير لـ"إندبندنت عربية" إلى أن "خريف الغضب" العراقي واللبناني بعث رسائل غير متوقعة إلى الجمهورية الاسلامية الإيرانية، سريعاً ما تردد صداها في محافظات البلاد بما فيها طهران التي اعتادت أن تكون منذ سنوات صاحبة المبادرة وليست بالتي توضع في موقف الدفاع".

"ايران برا برا.. بغداد تبقي حرة"، كان الهتاف المدوي في ساحات بغداد مع بدء التظاهرات، إلى ـن وصل المحتجون إلى محاولة اقتحام مقار البعثات الدبلوماسية الايرانية في بغداد، وأضرم متظاهرون أمس النار في القنصلية الإيرانية في مدينة النجف في جنوب العراق، الذي يواجه منذ شهرين أسوأ أزمة اجتماعية منذ عقود، سادت خلالها الهتافات المعادية لإيران حيث انتشرت بمواقع التواصل الاجتماعي صور لمحتجين عراقيين يحرقون علم إيران خلال التظاهرات.

وفي مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال" بعنوان "الحرية العراقية تتصدى للهيمنة الإيرانية"، يرى الباحث بلال وهاب أن "ممارسة الحريات العراقية تطرح فجأة تحدياً استراتيجياً بليغاً أمام النظام الإيراني تتعلق بطموحاته للهيمنة الإقليمية وشرعيته الداخلية على حد سواء".

وتابع المقال: "إن المأزق الذي تواجهه القيادة الإيرانية ناجم عن أفعالها الخاصة. فحين خرج العراقيون إلى الشوارع في أول الأمر في أوائل أكتوبر، كانت شكواهم تدور إلى حد كبير حول مشاكلهم الداخلية، المتأصلة في فشل الحكومات العراقية المنتخبة المتعاقبة في تقديم الخدمات الأساسية والحوكمة المتجاوبة للمواطنين، والآن مع انحسار تهديد تنظيم داعش بصورة خاصة، انفجر الغضب الشعبي على الفساد ومحاباة الأقارب والمحسوبية في بغداد."

وردّاً على هذه المطالب الشعبية العراقية بالإصلاح، ضغطت الحكومة الإيرانية على نظيرتها العراقية للرد بقسوة. ووصف المرشد الأعلى علي خامنئي الاحتجاجات العراقية بأنها "أعمال شغب" يجب "معالجتها".

وفي 2 أكتوبر، ترأس قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني، اجتماعاً بدلاً من رئيس الوزراء العراقي، ضغط فيه اللواء سليماني من أجل القيام بحملة قمع ضد المحتجين.

وهكذا، فتحت الميليشيات المدعومة من إيران النيران على المتظاهرين بشكل متكرر، مما أسفر عن مقتل 250 شخص وجرح الآلاف، وفي تحد لمطالب الجماهير، منع اللواء سليماني رئيس الوزراء العراقي من الاستقالة، بحسب "وهاب".

وأكد مقال "وول ستريت جورنال"، إنه "على مدار الشهر الماضي، تسببت أعمال طهران وخطاباتها -عن غير قصد- في ظهور نزعة قومية عميقة بين العراقيين، فقد أدرك أولئك المحتجون الذين غالبيتهم من الشيعة أن إيران تستغل انتماءهم إلى الطائفة نفسها لكي تستخدم الأرض العراقية كمعركة لحروبها ومكبّاً لمنتجاتها الإيرانية الأقل ثمناً على حساب الاقتصاد المحلي العراقي، ولا عجب أن أحد الشعارات الأكثر شعبية اليوم في شوارع بغداد هو "عراق حرة حرة؛ إيران بره بره".

إيران لم تدرك الدرس

وفي تقرير بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قال الباحث حسن منيمنة في مقال بعنوان: "هبوط الإمبراطورية الفارسية الرابعة.. وسقوطها؟"، "رغم  استفحال المظاهرات في العراق، جوار إيران المباشر، وما تحمله من صرخات مدوية رافضة للتدخل والنفوذ الإيرانيين في بلاد الرافدين، رغم من ثورة شعبية غير مسبوقة في لبنان تعيد رسم معالم الحياة السياسية في بلاد الأرز، وتشكل تحدياً عميقاً للقبضة الإيرانية على الطائفة الشيعية، تصرّف حكام طهران على ما يبدو بكامل الاطمئنان إلى ثبات سلطانهم ودون اعتبار لاحتمال انتقال عدوى الاحتجاج إلى جمهورهم الداخلي. وهذا الحساب، والذي كشفت ردة فعل الجمهور الإيراني عن خطئه، يستدعي المزيد من الحيرة لأن الدافع الأولي للحراك الاعتراضي في كل من العراق ولبنان كان فجور الحكم واستباحة موارد جمهور فقد للتوّ ثقته بالطبقة السياسية في بلاده."

وتابع التقرير: "في العراق، ربط المتظاهرون صراحة وبالصوت المرفوع بين الفساد والتبعية لإيران بل في فعل تحدٍ، جرى إحراق صور للمرشد الأعلى الإيراني. وقد أشعلت هذه الأفعال رداً فورياً، فعمدت أجهزة الدولة العراقية الخاضعة للنفوذ الإيراني والفصائل المسلحة الموالية لطهران إلى قمع وحشي للمتظاهرين، صاحبه إطلاق الاتهامات لسائر أجهزة الدولة ومؤسساتها، المصابة بقدر أقل من الاختراق الإيراني، بتنفيذ انقلاب يستهدف الحكومة الشرعية (المدجّنة إيرانياً)، وإذ اضطرت الحكومة العراقية، نتيجة الضغوط الدولية، إلى إصدار التقارير الاستقصائية حول الممارسات القمعية، فإن ذلك لا يشكل أي وازع لمنع تكرارها، بل تبدو بغداد مقعدة نتيجة العجز أمام استمرار القناصين والتشكيلات المسلحة الموالية لإيران بتعريض المتظاهرين بشكل شبه يومي للقتل والأذى. أما في لبنان، حيث استقرّ الزعم (والمخالف بحقيقته للواقع) بأن حزب الله هو الاستثناء بترفعه عن الفساد المشتري في مفاصل الدولة اللبنانية، فردة الفعل الأولى على الاحتجاجات مالت إلى محاولة تجييرها للمزيد من وضع اليد على الطبقة السياسية والنظام السياسي القائم على المحاصصة، غير أنه سرعان ما تبدّى أن الاحتجاجات ليست تنفيساً عابراً عن مشاعر مكبوتة، بل مطالبة مثابرة للتغيير الحقيقي".


مواضيع متعلقة