"عبدالهادي": الدين لا يدعو إلى الإرهاب ويجب القضاء على التطرف بالثقافة

"عبدالهادي": الدين لا يدعو إلى الإرهاب ويجب القضاء على التطرف بالثقافة
- رئيس اتحاد كتاب مصر
- علاء عبد الهادى
- الإرهاب
- الدين
- التطرف
- كتاب مصر
- رئيس اتحاد كتاب مصر
- علاء عبد الهادى
- الإرهاب
- الدين
- التطرف
- كتاب مصر
قال الدكتور علاء عبدالهادي، رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، والأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب: يسعدني أن تكونوا بيننا اليوم فى المؤتمر الذى تنظمه شعبة السيناريو، وأوجه الشكر للكاتب الكبير بشير الديك على رئاسته لهذا المؤتمر الذى أرجو أن يكونَ فاتحةً جادةً لبدء حوار فاعل ومستمر بين المختصين حول هذا الموضوعِ الشائقِ والشائكِ في آن.
ودعا عبدالهادي قبل بدء أعمال مؤتمر "دراما الصورة والكلمة في مواجهة الإرهاب"، بالبدء بالوقوف دقيقةً حدادًا على شهدائنا الأبرار في معارك التطرف الفكري والعقدي كافة، مؤكدا أن مصر ستظل قويةً بنسيجها الوطني الواحد، وبتماسكِ عناصرِ الأمةِ بطيوفهما كافة.
وأوضح الدكتور علاء عبدالهادي، أن دراما الصورة والكلمة في مواجهة الإرهاب هو عنوان مؤتمرنا هذا، وهو عنوان دال ومهم يخرجنا مباشرة من العنوان إلى الدعوة إلى الرسالة والدور، إلى استحقاقات المكانة والمكان لمصر ومثقفيها.
وقال رئيس النقابة: دعونا نعترف أن العالمَ يستهلكُ الآن صورًا أكثر من استهلاكه للكلمات، فللصور قوة دلالية عظيمة، "تبدو الصورة وكأنها تؤكد أنطولوجية الموضوعات التي تصورها" إن كمالها الأنطولوجي يربطها بما تشير إليه، جاعلا من الصعب ردَّها إلى غرض اصطلاحي أو رمزي، على الرغم من الأبعاد المختلفة لمعانيها، والتي تشبهُ الأبعادَ الملازمة للكلمات والعبارات، فكيف يمكن ربط الصور ببعضها كي تنقل للمشاهد شيئا أكثر من مجموع دلالاتها؟ وذلك على أساس أن الكلَّ أكبرُ من مجموع أجزائه.
وأضاف عبد الهادى أن السيناريو شكل مختلف من أشكال قراء النص الدرامى المكتوب، لكن القراءة لا تخضع للنص بوصفه قانونًا لها، بل تخضع للقانون الذي يخضع له النص، "هذا القانون هو الذي يجبر المتلقى بعامة على أن يخون النص أو ينحرف بفعل القراءة عنه، "وعندما يُعرّف الشكل الدقيق لعلاقة النص مع سياقه يكون عمل التفسير قد بدأ"، وهذا أهم جزء من عمل كاتب السيناريو التفسير البصرى للمكتوب.
وتابع، تقدم الدراما العلاقاتِ الإنسانية، ما يفعله الناس، فقد يرى الروائي الأحداث عن طريق أذهان الآخرين، في حين يرى الدرامي أذهان الآخرين من خلالِ الأحداث. كما يذهب إلى ذلك الفيلسوف جورج سانتيانا، وهذا صميم عمل كاتب السيناريو. يقول إريك بنتلي ليست الأحداث في حد ذاتها درامية، فرؤية الدراما في شيء يعني أن نتبينَ عناصرَ الصراعِ فيه، وأن نستجيبَ عاطفيا لهذه العناصر، الدراما شيء إنساني. ومن هنا يكمن أثرُها الطيبُ وخطورتُها في آن. فالدراما تقدم العلاقاتِ الإنسانيةَ، ما يفعلُه الناسُ، وما يفْعلُونَه الآن يجعلُ الواقعَ مجاوزًا للمتخيَّل، وهذا ملتبسٌ إلا على صاحب بصيرة..
وقال الدكتور علاء عبد الهادى، نتكلم كثيرا عما تنقله الدراما التلفزيونية والسينمائية من قيم، ومع ذلك هناك، في تاريخ الدراما قاعدتان راسختان الأولى أنه إذا أردت أن تثير انتباه الجمهور كن عنيفًا، والثانية إذا أردتَ الاحتفاظ به، كن عنيفا مرة أخرى، أشير هنا إلى (التمتع اللامسئول بالأحداث الضاجة الصاخبة)، ربما قامت أردأ أنواع الدراماتِ المعروضةِ على هاتينِ القاعدتينِ، ولكن، ليس صحيحا أن الدراماتِ الجيدةَ قامت على تحديهِما أو مجافاتِهِما. لكن القضيةَ التي يدور حولها مؤتمرُ هذه الليلة هي دورُ الصورة المرئية بمصاحبة الكلمة في مقاومة التطرف والإرهاب، وهذا فعلٌ ثقافي دون منازع لا يقوم إلى حين يسودُ بيننا احترامُ فكرة الاختلاف، تعلمنا الدراما لماذا نختلف، وكيف؟
وأشار إلى أن عنوان المؤتمر يثير التساؤل حول محاور مضمونية ثلاثة: الأول: أسميه المسؤولية الدرامية في بعدها الاجتماعي بخاصة، وهي مسؤولية تقع بين الفرد والدولة، وتشتبك مع هذا المحور مفهوماتٌ مهمةٌ كفكرة الأنا والآخر، كالأخلاق والقيم، والقيم المضادة، والقدوة وخلافه، ويثير التعمق في هذا المحورِ مشكلاتٍ خلافيةً على المستويات الفلسفية والجمالية والإنتاجية.
الثاني: يعالج موضوعات الدراما المختلفة في كل من التليفزيون والسينما، ودورها في مقاومة فكر التطرف وثقافة الإرهاب.
الثالث: يرتبط باالسؤال عن الآليات الإناجية والإبداعية المطلوبة لتجديد السياق الثقافي من خلال الصورة، لتغذية الوعي الجمعي باحترام الاختلاف، وبرؤية جديدة لمفهومات الأنا والآخر.
وليس من شك أن تناول هذه المحاورِ سيثيرُ أسئلة مهمة حول:
1- خطورة الكثير مما يعرض على جهاز الشاشة المرئية على الوعي الجمعي، من خلال قدرته الهائلة على التأثير من جهة، ولأنه التسلية الوحيدة لعموم المواطنين المصريين من جهة أخرى، في ظل ابتعاد المواطن عن الزيارات الدورية لدور السينما والمسرح والأوبرا وغيرها، وتدني معدلات المطالعة الجادة بالنسبة إلى فئات الأطفال والشباب بخاصة، بعد سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي "مثل فيس بوك، وتويتر وغيرها" وأجهزة الهاتف المحمول على جانب كبير من عاداتنا السلوكية، وهذا موضوع مهم قد يحتاج إلى مؤتمر وحده يهتم بالبحث في أليات تشكيل الوعي الجمعي للمصريين من خلال الهاتف المحمول، وما به من إعلان وإعلام.
2- تغير مفهوم البطل في الوعي الجمعي، ومعالجاته الدرامية لمفهوم الأنا والآخر، ولاحنرام القانون، ولفهم العلائق بين الحق والواجب ...إلخ.
3- شيوع بنى تعبيرية ولغوية غريبة على العامية المصرية التي كانت قريبةً دائمًا من الفصحى، ولفترات طويلة، فضلاً عن سيطرةِ ما أسميه لغات المهن على نحو بات يشكل خطرًا هائلا على العامية المصرية الجميلة. وهذا أخطر ما يهدد أمننا القومي الآن. لأن تشويهَ العامية المحكية هو تشويهٌ لوجداننا ذاته.
4- تأثير الدرامات التركية والغربية وأثرُها الاجتماعي على تغيير منظومة القيم المصرية.
كل هذا وثيقُ الصلة بما نتصدى له في مؤتمرنا هذا وهو موضوع الإرهاب الذي يعد تعريفُه من أشد التعريفات صعوبة، لأنه مصطلحٌ محمل بحمولات نفسية، وقانونية، وسياسية، وفلسفية، كثيرةٍ ومتنوعة.
أرى أن الإرهابَ لا عقيدة له، هو عقيدةٌ في ذاته، وأن قضية الإرهاب هي قضية ثقافية في مقامها الأول، تتحمل جزءًا من مسئوليتها السياساتُ الثقافية والإعلامية والتربوية القائمة بعامة، والقادمة بخاصة، إن فكرَ القاعدة أو داعش على ضعفه وضيقه وتهافته، أخطرُ كثيرا من تنظيميهما، فالتنظيم يمكن محاصرتُه والقضاءُ عليه، أما الفكر، ولكن هل تنجحُ جميعُ أجهزة الأمن ومكافحة الإرهاب في العالم كله، من أن توقفه، إلا من خلال الثقافة؟ ثقافة الصورة بالذات، وهذا ما يرجعنا ثانية إلي ما أطلق عليه أمن مصر الثقافي، وإلي أهمية طرح مفهوم المواطنة للمصري في أرضه علي أوسع نطاق، بصرف النظر عن دينه، وجنسه، وعرقه، ولونه، وتعليمه، ومهنته.
تظل الثقافةُ الضلعَ الناقصةَ دائما في فهم المسئول عن مثل هذه الجرائم الشنعاء، بل إن أية مساءلة لن تكون ذات جدوي إذا نظرنا إليها من وجهة نظر أمنية فحسب، من أجل هذا يجب مساءلة السياسات الثقافية والإعلامية الحالية والآتية في آن. ذلك بعد أن ازداد تأثير الشاشة المرئية، ووسائل الإعلام الحديثة، وارتفعت مكانة الثقافة السلعية، بوصفها أدوات تسهم في خلق الهوية.
واستكمل قائلا: من هنا تأتي أهمية التعاون الفوري بين النقابات المهنية، والجمعيات الأدبية والثقافية، ومؤسسسات الدولة كافة، لوضع استراتيجية قومية شاملة لمواجهة الإرهاب والتصدي للأوضاع الثقافية والفكرية والإعلامية التي تفضي إليه، دعمًا لسياق ثقافي يمنع انتشاره، ويقضي على البيئات الصالحة لنموه..
وتابع، وهذا ما يؤكد رؤيتنا إلى ضرورة دعم البنية الثقافية للمواطن، بصفته رجل الأمن الأول للوطن، وإلى أهمية الثقافة في الحرب ضد الإرهاب، وتجفيف منابعه الفكرية، وأنها السبيل الوحيد لعزل هذه الجماعات الضالة اجتماعيا وفكريا، وفضحها، ودحض أفكارِها، ذلك لأن من نفذ هذه الجريمة الشنعاء ليست الأيدي الملطخة بدماء الأبرياء فحسب، بل نفذتها عقول أفسدها ضيق الأفق، وغياب الانتماء، عقول لطختها الجهالة، وملأها الحقد والضغينة.
من جانب آخر، لا صحة لمن يذهبون إلى وجود إرهاب أو تطرف في أية عقيدة يكون هدفها الدعوة، فلا يوجد إرهاب إسلامي أو مسيحي، ولكن يوجد إرهابيون مسلحون بفكر اقتطعت مبادؤه من سياقاتها، كل عمل إرهابي منظم هو عمل سياسي في الأساس، يثير السؤال مباشرة عن المستفيد منه، حينها نعرف أهدافه ومراميه، وكل عمل إرهابي منظم يتكئ ضرورة على نص، عقدي أو أيديولوجي، يعاد استخدامه، واستقطاعه من سياقه التاريخي، وتوظيفه سياسيًّا بعد ذلك لمجموعة من الغافلين. الإرهاب عقيدة في ذاته لأن الإرهاب فعل سياسي دون منازع، وحين نصفه بأنه سياسي يكون السؤال الآتي مباشرة هو من المستفيد؟ إنهم يعتمدون على نصوص عقدية يتم صرف معناها من معناها السياقي المرجوح إلى معان أخرى لها قيمة مادية أو معنوية في أسواق التداول الأيديولوجي.
نحن في أشد الحاجة إلى تجديد السياق الثقافي، من رسالة ومرسل ووسيط، وهذا يحتاج في حد ذاته إلى سنوات طويلة من إعادة الاعتبار إلى العقل النظري العربي مرة أخرى بعد أن غاب عن المشاركة كثيرا، وهو العقل الثقافي الجمعي الذي شكل غيابه عن وضع التصورات الثقافية الملائمة للمرحلة المعيشة عيبا بنيويا مطردا أسهم في تراجعنا العلمي والمعرفي إلى حد بعيد. فدون مشروع قومي للثقافة لا يمكن أن يكتب النجاح لأية مشروعات تكتفي بمفهوم الربحية. لو استطعنا في مصر إعادة هيكلة ما أطلق عليه الوزارات الثقافية السبع لتعمل من خلال رؤية قومية واحدة يمكننا وقتها فحسب أن نبدأ بتجديد الرسالة الثقافية، ومن ثم تغيير منتج الرسالة في مقاصد إنتاجه لرأسماله الرمزي، وأخيرا إفادة المحتاجين الحقيقيين إلى المعرفة، حينها فحسب يمكننا أن نقول إن هناك خطابًا ثقافيًّا قابلاً للتجديد.
وأخيرا نقول إن دولةَ العدلِ والحريةِ وسيادةِ القانون، هي الضامنُ الأساسُ لمواجهةِ الإرهاب على المدى الطويل، ورأيي أنه ليس هناك من تعارض بين الحربِ ضد الإرهاب، والمحافظةِ على الحقوقِ الدستوريةِ للمواطن، بل إن أيَّ اعتداءٍ على حقوق المواطن وحرياتِه سيشكل أكبرَ دعمٍ للإرهابيين ولأهدافهِم الخسيسة.
إن أي تقاعس الآن عن دعم الدولة في محاربة الإرهاب هو محضرة للخذلان، فالاعتداءات الإرهابيةُ على مصلين في مساجدهم، وسائحين في أوقات فراغهم، وعمالٍ في مصانعهم، ومستشارين يكدحون من أجل دولة يسود فيها القانون، وجنودٍ يصونون الشرعية، ويحمون الوطن، لدليل على أن العالم قد دخل مرحلة أصبح فيها تعاونُ الجماعة الدولية كلِّها ضرورة لازمة لمحاصرة إرهاب بات يهدد سكانَ القارات جميعًا، بصرف النظر عن اللون والعقيدة والجنس والمكان، تقوم الصورة بهذه الرسالة التي تتخطى الحدود الجغرافية والثقافية بكفاءة هائلة، ومن هنا تأتي أهميتها..
واختتم كلمته "ستظل مصر بشعبها المعلم، وبجيشها الباسل، وبمثقفيها وفنانيها العظماء صامدةً في حربها ضد إرهاب يستشري كلَّ يوم، ويمثل تحدّيًا حضاريًّا للإنسانيةِ جمعاء، وستظلُّ الحركةُ الثقافية المصرية الواعية بصنوفها كافة تزدري الكائدين لمصرَ، والمرجفينَ بها، والمؤلبينَ عليها، وسنبقى دائما الحاضنَ الاجتماعيَّ الداعم لحربِ الدولة على الإرهاب، أسكنَ الله شهداءَ الواجبِ فسيحَ جناته، وحمى الله مصرَ والعالمَ العربيَّ من كل سوء".