ضحايا متلازمة داون.. طاقات جبارة تنتظر "الدمج"

كتب: أحمد ماهر أبوالنصر

ضحايا متلازمة داون.. طاقات جبارة تنتظر "الدمج"

ضحايا متلازمة داون.. طاقات جبارة تنتظر "الدمج"

«مجموعة من الصفات الجسدية والنفسية الناتجة عن مشكلة فى الجينات تحدث فى مرحلة مبكرة ما قبل الولادة» هذا هو تعريف «متلازمة داون» الذى قد يغير حياة أسرة بأكملها، فبعض الأسر تعتبر أن «طفل داون» لا يمثل عائقاً لها وأنه مثل الأصحاء، والبعض الآخر يخفيه عن أعين المجتمع ويعتبره «بركة» فى البيت، ويتجاهل تعليمه وتأهيله سلوكياً ومعرفياً. «الوطن» تفتح ملف «أطفال داون» فى الشهر العالمى للتوعية بخطورة تلك المتلازمة، وترصد من خلال الخبراء غياب الثقافة المجتمعية فى التعامل مع تلك الحالات، بجانب قيام بعض الأسر باستغلال هؤلاء الأطفال من أجل التسول، إضافة إلى أن تلك الحالات لا تنجح فى الدمج، حيث إنه يطبق فى كثير من الأحيان بشكل يشعر الطفل بأنه غير سوى، نظراً لوجوده بمفرده وسط عدد كبير من الأسوياء.

بعض الأسر طالبت بضرورة أن توفر الدولة سبل الحياة الكريمة لتلك الحالات، بجانب تخصيص بعض الفصول فى المدارس الحكومية لهم، أو التعاقد مع مدارس خاصة بأسعار مخفضة، بينما أكدت بعض الأسر أن أطفال داون يمتلكون مهارات فائقة وطاقات جبارة تمكنهم من الحصول على مراكز متقدمة فى النشاطات الفردية على مستوى العالم حال دعمهم.

معايشون للحالات: تعليم الأطفال أساس تغيير النظرة السلبية إليهم

حياة هادئة عاشها الزوجان، لمدة تقترب من 20 عاماً، وبعد زواج دام لسنوات عديدة وإنجاب 4 أطفال أصحاء، شاءت الأقدار أن تضع الزوجة مولوداً جديداً بعد أن تخطت حاجز الـ40 عاماً، لتكتشف الأسرة أن القدر كتب عليها أن تربى بين كنفها أحد أطفال متلازمة داون.

وبعد محاولات عديدة لعلاج الطفل، باءت جميعها بالفشل، أيقن الأب أن حالة طفله بلا علاج، وأنه لا يعانى من مرض بعينه أو وباء قد يشفى منه ولكنه يعانى من خلل فى الجينات سيلازمه طيلة حياته. وبدأ الجميع فى محاولة التأقلم مع الصغير، الأب يصطحبه كثيراً إلى الخارج رغبة منه فى عدم إخفائه عن أعين المجتمع التى طالما نظر لحالات «داون» على أنهم «بركة» ولا يجب أن يراهم أحد.

"كرم": أصررت على تعليم أخى وتدريبه على الكاراتيه والاستفادة من طاقته حتى حصد البطولات

ويتذكر كرم محمود، من الإسكندرية، تلك الأيام التى تلت ميلاد الشقيق الأصغر له «محمد»، ويقول: «كانت حاجة غريبة علينا، أول مرة العيلة يكون فيها طفل داون، مش عارفين إزاى نتعامل معاه ولا حتى نساعده إزاى، ومفيش حتى وسائل تثقيفية ممكن نستعين بيها علشان نعرف معلومات عن المتلازمة واللى من خلالها هنفهم ونعرف إزاى نتعامل مع محمد».

وتوفى الأب بعد ميلاد الطفل بـ3 أعوام ليكتب القدر على الصغير الذى يعانى منذ ولادته بثقب فى القلب، أن يكون يتيماً، ولكن تأبى الأم أن تترك صغيرها فريسة سهلة للوحدة التى يعانى منها أقرناء حالته، وتقرر أن تأخذه معها يومياً إلى المدرسة التى تعمل بها، ليكون مستمعاً بين الأسوياء، 7 سنوات مرت عليه مستمعاً متنقلاً بين الفصول الدراسية فى المدرسة، حتى أصبح غير قادر على الاعتماد فقط على مدرسة الأسوياء الذين تفوقوا عليه عقلياً، فتقرر الأم إلحاق صغيرها بإحدى المدارس الفكرية فى الإسكندرية: «كان لازم ييجى وقت ومحمد يقعد مع أطفال من نفس حالته، وفعلاً أمى قررت تدخله مدرسة فكرية علشان يتعلم حاجات جديدة وهو دلوقتى فى سنة تاسعة».

يؤكد الأخ الأكبر للطفل «محمد» أن الخجل من حالات «داون» يؤدى إلى أضرار جسيمة بالحالة، «ولازم يكون عندنا ثقافة مجتمعية ولازم نتقبل الأطفال دى، ونعتبرهم جزء أساسى ومحورى من الأسرة مش حاجة ملهاش لازمة».

واقترب «محمد» من الـ15 عاماً ولكنه ما زال غير قادر على التعامل مع الآخرين رغم اهتمام الأم به، فكان لزاماً على الأسرة إيجاد حلول حتى يتسنى لصغيرهم الاندماج مع المجتمع، فكان لتخصص «كرم» المتعلق بخدمة المجتمع دور فى محاولة تأهيل «محمد»: «وصل ١٥ سنة وعنده طاقة، وبياكل كويس، فكان لازم أستغل الطاقة دى، وديته يلعب حديد، واستغربت جداً من رد فعله، اللى صدم المدرب نفسه، لأنه لقى استجابة رهيبة منه، فقلت لنفسى ما دام هو يقدر يشارك فى الأنشطة فخلاص، أنا هوديه يتمرن كاراتيه كمان».

كان لـ«كرم» ما أراد وحقق أخوه الذى يعانى من متلازمة داون ما لم يكن فى الحسبان ذات يوم، فقد حصل على بطولة الإسكندرية فى الكاراتيه، بجانب التدرج فى الأحزمة المتعلقة باللعبة، فقد حصل على الحزام الأصفر والأزرق والبرتقالى، ليس، هذا فحسب وإنما أحب «محمد» كرة القدم والتحق بمنتخب الإسكندرية لحالات داون.. ويقول «كرم» إنه عندما وجد من أخيه استجابة عالية قرر أن يشركه أيضاً فى فريق المسرح بالمدرسة.

وتختلف ظروف ميلاد هؤلاء الأطفال باختلاف ظروف الآباء، ففى حالة الطفل عبدالرحمن صلاح، كانت الأم تعانى من التهابات بالغضروف ألزمها الفراش بعدما تقرر إجراء جراحة لها فى «قصر العينى»، وبعد عمل الفحوصات والتحاليل اللازمة وجد الأطباء جسماً غريباً فى الرحم ولكن نظراً لعامل السن لم يخطر بالبال أن تحمل تلك السيدة بين أحشائها جنيناً، وبعد إجراء الجراحة بتخدير كلى، اكتشف الأطباء أن السيدة الأربعينية «حامل»، فكر الأطباء فى التخلص من الجنين خشية أن يولد مشوهاً بعدما أخذت الأم «بنج» أثناء الجراحة، ولكنها رفضت هذا المقترح.

"منة": "مش لاقية مدرسة تقبل أخويا رغم حصولى على تأشيرة من وزارة التعليم بقبوله فى مدارس الدمج"

منة صلاح، ٢٢ سنة، أحد أبناء محافظة القاهرة، شقيقة الطفل «عبدالرحمن»، تروى لـ«الوطن» تلك اللحظات التى عاشتها الأسرة بعدما علمت أن المولود الصغير يعانى من خلل جينى وأنه من ضمن حالات داون: «كانت صدمة كبيرة بالنسبة لنا، مش عارفين إزاى هنتعامل معاه، جرينا كتير بيه رُحنا لدكاترة مخ وأعصاب وتعبنا، وفى الآخر الكل قال خلاص ده قدر ولازم نتعايش معاه ونعلمه كويس».

منذ ميلاد الطفل وهو يعانى من «كهرباء على المخ»: «كان بياخد الدوا وينام وكأنه مش معانا فقررنا نوقف العلاج ونكلم دكاترة تخاطب، بعد ما عرفنا إن الدوا مش هو الحل»، تقول «منة» إنها تعانى حالياً من أجل إلحاق أخيها بإحدى مدارس الدمج، فبعد محاولات عديدة وصلت إلى وزارة التربية والتعليم، التى أقرت فى خطاب رسمى أنه لا مانع لدى الوزارة من دخول الطفل مدارس الدمج، ولكن رفضت العديد من المدارس قبول الطفل بدعوى عدم توافر إمكانيات لحالته: «مش هسيبه من غير تعليم وقررت أدخله أكاديمية يتعلم فيها، بعد ما دُخت على كل المدارس اللى رفضت قبوله ولما كنت أوريهم طلب الوزارة كانوا يوافقوا، بس بيطفشونى بالذوق، أوقات أروح ألاقيه قاعد على الأرض».

ويختلف الأمر كثيراً فى حالة الطفل مصطفى أحمد، الذى كان يعتقد الأطباء أنه يعانى من متلازمة داون قبل أن يكتشف الجميع أنه مريض توحد، وتقول سما سيد، والدة الطفل، إن تجربتها مريرة مع نجلها الأصغر، الذى كان يشبه حالات داون وهو صغير: «كان عنده ٦ شهور ومفيش إدراك خالص، رُحنا كشفنا قالوا داون، وبعد ما بقى عنده سنة عرفنا إنه توحد مش داون، وإنه مش هينفع يتعمله جلسات غير بعد سن ٣ سنوات». ترى السيدة الثلاثينية أن حالات داون لا تحتاج سوى إلى الرعاية فقط، وأنها بعدما شخّص الأطباء حالة صغيرها بأنها داون قررت أن تعرف الكثير عن هؤلاء: «أياً كان نوع المرض لازم الأم تعرف كل حاجة عنه علشان تقدر تتعامل مع طفلها».

وتطالب «سما» بضرورة تطبيق الدمج فى حالات الإعاقة الذهنية وبشكل صحيح، إلى جانب توجيه حملات رسمية وشعبية للتوعية والتعريف بالأمراض الذهنية، إلى جانب تولى الدولة ملف داون والتوحد بشكل موسع وذلك لتقليل المشكلات التى تواجه الأطفال.


مواضيع متعلقة