"السراي الكبير".. مبنى أثري أدار سعد الحريري حكومة لبنان من داخله

كتب: عبدالرحمن قناوي

"السراي الكبير".. مبنى أثري أدار سعد الحريري حكومة لبنان من داخله

"السراي الكبير".. مبنى أثري أدار سعد الحريري حكومة لبنان من داخله

ولايتان قضاهما رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري في رئاسة الحكومة اللبنانية، قضى خلالهما قرابة السنوات الأربعة داخل "السراي الكبير"، مقر عمل الحكومة اللبنانية منذ 21 عامًا، إلا أن تاريخ المبنى يعود إلى حوالي 197 سنة، حين بناه العثمانيون واتخذوه مقرًا لحكم الوالي العثماني.

ووفقًا لكتاب "المعالم التاريخية والأثرية والسياحية في لبنان والعالم العربي" للمؤرخ اللبناني حسان حلاق، بني السراي عام 1840 عندما أعاد العثمانيون السيطرة على بلاد الشام، فأنشأوا بناء ليكون مقرا للأجهزة العسكرية والمدنية، وكان يطلق عليه حينذاك اسم "القشلة"، وهي كلمة تركية تعني "الثكنة".

وبعد أن أعلن العثمانيون ولاية بيروت عام 1888، وأصبحت مدينة بيروت عاصمة للولاية الممتدة من بيروت حتى اللاذقية شمالا، ومن بيروت حتى نابلس جنوبا، اتخذ والي بيروت "القشلة مقرًا رسميًا له، ومنذ ذلك التاريخ بدأ بتغير اسمها تباعا إلى "سراي الولاية"، وتكرس اسم "السراي" مع عصور الانتداب الفرنسي والاستقلال، وكان أول والي على ولاية بيروت علي باشا، وهو أول من سكن "السراي" حاكمًا.

السراي الكبير شهد إنهاء الحكم العثماني وإعلان عربية بيروت

وفقًا لـ حلاق، شهدت "السراي" أحداثًا تاريخية جسيمة، فعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 وانسحاب العثمانيين من الشام، تسلم عمر بك الداعوق برقية من الأمير سعيد الجزائري باسم الأمير فيصل بن الشريف حسين، كلفه بإعلان الحكومة العربية في بيروت، ليصل إلى سراي الولاية، واجتمع بالوالي العثماني إسماعيل حقي وأبلغوه ضرورة ترك السراي ومن ثم ولاية بيروت.

وخرج الوالي وكبار القادة مع الموظفين الأتراك من السراي، في حين بقي فيها أبناء بيروت المجندين، ثم أعلنت ولادة الحكومة العربية في بيروت داخل "السراي"، ورفع العلم العربي فوق سراي الولاية وفوق بلدية بيروت والأبنية الرسمية، وأصبح السراي الكبير مقراً لمجلس الوزراء في عهد الراحل رفيق الحريري، وشهد انعقاد أول جلسة لمجلس الوزراء برئاسته في 18 أغسطس 1998.

الحريري الأب أول رئيس حكومة يتخذ السراي الكبير مقرا لرئاسة الوزراء

وحسب الموقع الرسمي للرئاسة اللبنانية، للطبقة الأرضية أهمية كبرى في دورها الوظيفي بوجود قاعتين كبيرتين هما قاعة الاستقبال الرسمية وقاعة المآدب الرسمية؛ إضافةً إلى مكتب لرئيس مجلس الوزراء وآخر لزوجته ومكاتب للإعلام والمؤتمرات الصحفية، كما يتضمن قاعة مميزة بعقودها المقببة كانت مدفونة وسط عشوائية الغرف وعدم تنظيمها، فجرت إزالة الورق والدهان عن جدرانها وأسقفها وأعيد صقلُ حجارتها الرملية المميزة لتستخدم لاحقاً كمتحف أو كمعرض دائم.

أما الطابق الأول من السراي فهو مخصص، إضافة إلى جناح الضيوف، لأجنحة العمل الإداري من مصالح رسمية ومكاتب ملحقة بالإدارات، بينها ممرات الرخام والجرانيت، والجدران ذات الزخرفة البسيطة، أما الأبواب فجاءت بسيطة أو مشغولة، تنسجم مع الطابع الداخلي للزخرفة وصولا إلى أدق التفاصيل الجمالية.

أما قاعة جناج الضيوف فبها أرضية من الرخام والحجر الأبيض، وسقف مشغول عجمي وحفر تتدلى منها مشربيات خشبية دقيقة الصنع، وإلى جوار القاعة ديوانية عربية الطراز مسقوفة جزئيا بخشب الجوز المشغول والمزين برسومات شامية وعجمية.

يتكون الراي الكبير من 3 طوابق ويمتلك أصالة لبنانية رغم تشييده من العثمانيين

ويتسم الطابق الثاني من السراي بالطابع الرسمي، حيث توجد به قاعة مجلس الوزراء والمكاتب الملحقة والمراسم والأمانة العامة والمدراء العامون كما تتضمن هذه الطبقة الجناح المخصص لسكن رئيس مجلس الوزراء.

وعلى الرغم من انتماء السراي للعصر العثماني، إلا أن المواد المستعملة في جميع الأعمال الحجرية والخشبية والمعدنية كانت لبنانية المصدر، باستثناءات قليلة، كرخام الكارارا وبعض الخشب المستورد من كندا، بينما لم يستعمل الخشب القطراني إلا قليلاً لندرته، واستعيض عنه بخشب الجوز.

أما حجارة القرميد التي سُقف بها السراي الكبير فاستوردت من فرنسا، وتبلغ مساحة السطح القرميدي 8650 مترا مربعا وتعلوه فتحات تعرف في العمارة العربية والمحلية بـ"بيوت الحمام" التي تضفي على المشهد العام مزيداً من التنوع فضلاً عن وظائفها الفنية والبيئية، بحيث بدا السراي الكبير في نهاية الأمر بقرميده الأحمر وواجهاته الحجرية الرملية وقناطره المتنوعة وشرفاته وأبوابه الخشبية نموذجاً متجدداً لبيروت القديمة.


مواضيع متعلقة