جمعهم سكن الأطباء.. أصدقاء الطبيب شهيد الواجب: كان طموح وشايل مسؤولية

كتب: نهال سليمان

جمعهم سكن الأطباء.. أصدقاء الطبيب شهيد الواجب: كان طموح وشايل مسؤولية

جمعهم سكن الأطباء.. أصدقاء الطبيب شهيد الواجب: كان طموح وشايل مسؤولية

عادة ما يعتبره كل من يقيم به هو سكنه الخاص حتى لو كان غرفة مشتركة مع آخر، فيدخله ويخرج منه وقتما شاء ويشعل إضاءته دون إذن شريكه، لكن أحمد برج، طبيب التخدير الذي سقط في غرفة العمليات وتدهورت حالته صحيا حتى الوفاة، كان له مبادؤه الخاصة وسلوكه الذي جعل محمد أبو الروس، الذي شاركه السكن طيلة 6 أعوام، يتعجب لأمره في أول يوم جمعتهما غرفة مستشفى بركة السبع قبل أن ينتقل من المستشفى منذ 3 أعوام ليبقى الود قائما.

صديق شهيد الواجب: دايما ياخد نبطشية العيد ومايرفضش لحد طلب

"لو هيصحى بالليل يعمل حاجة بيستأذن قبل ما يقوم من سريره ولازم يسألني إنت صاحي الأول؟".. بهذه الكلمات بدأ أبو الروس، طبيب قلب، حديثه لـ"الوطن" متذكرا أياما وليالي جمعته سويا مع صديقه، حتى بعد انتقاله إلى مشفى آخر، فاتفقا أن يتقابلا في أقرب مكان، فطبيب التخدير من إحدى قرى الغربية، وطبيب القلب من بركة السبع، فكان المستشفى في محل إقامة الثاني ومحل عمل الأول هو نقطة اللقاء، "عرفت إنه مغير نبطشية السبت بسبب دور برد شديد وجاي يوم الاثنين وجيت قابلته ربع ساعة وهزرنا وطلع يشوف حالاته في العمليات وفي المرة دي اتكلمنا في مشاكل تخصنا وإننا شايلين هم على طول ودايما كان بيقول ليه البشر مش بيرحموا بعض ونخفف عن بعض وكفاية الظروف الصعبة اللي كل واحد بيمر بيها"، وذلك بحسب حديث أبو الروس لـ"الوطن".

لسان لا يعرف الإساءة للغير وقلب يتمنى الخير للجميع رغم انطواء شخصيته على نفسها وحب العزلة حتى إن التخصص الذي اختاره يحمل نفس الصفات، فطبيب التخدير قليل التعامل مع المرضى ويقضي معظم أوقاته في غرف العمليات وغرف الإفاقة، لكن وقتما يتحدث لا يحمل كلامه سوى معاني البهجة، "أحمد كان محافظ دايما إنه يكون شخص خفيف وكلامه يكون لطيف وأي حد يقابله يقوله يا حبوب حتى لو ما يعرفوش ولا يحب يقول كلمه بعد ما يمشي تضايق حد".

كونه الأخ الأكبر يليه أخت تصغره بعمر قليل ثم شقيقين أصغر كثيرا بالنسبة له، جعله دائما يحمل هم أسرته، وفقا لصديقه محمد أبو الروس "أحمد سافر ألمانيا بعد التخرج وكان نفسه يكمل هناك لكنه رجع علشان هو الكبير وشايل المسئولية وولاد أخته بيربيهم كأنهم ولاده ولما خلف كان دايما بيتكلم معايا إزاي أربي آدم ابني إنه يكون محترم وعنده أخلاق عالية ويتعلم حلو وابنه أصلا عنده سنتين بس.. لما أكلمه وهو في البيت كان دايما شايل ابنه أو مع ولاد أخته يغني لهم ويفرحهم".

ويحكي محمد أبو الروس أن طبيب التخدير "شهيد الواجب" منذ عمله في مستشفى بركة السبع كان حريصا على راحة الجميع فإذا طلب منه أحد زملائه إبدال النبطشية لا يمانع "كان معروف بين التخدير إنه بياخد نبطشية العيد دايما ولما استفزني تكرار الموضوع ده حتى بعد زواجه قولت له مرة ليك ومرة عليك بس هو مش بيحب يقول لحد لأ وبيقول أنا فاضي في اليوم ده".

طموح وشغف في الوصول إلى كل ما هو أفضل على المستوى الإنساني قبل المستوى العلمي، جعل أحمد البرج يعد نفسه مؤخرا للحصول على الزمالة الأيرلندية، والمعروف أن مثل هذه الدراسات مكلفة بشكل كبير جدا، لكن حب معرفة الجديد جعلته يحاول الحصول عليها ليعوض عدم استطاعته السفر مرة أخرى إلى ألمانيا كما فعل في السابق، ليختتم ابن بركة السبع حديثه "كان شايف إنه هيتعلم حاجة جديدة وهو بيحب كده وده بيبسطه رغم إنها امتحاناتها غالية جدا".

"كائن لا تحتمل خفته".. كلمات وصفها به صديق جمعتهما ميول ثقافية وفكرية كثيرة منذ التحاقهما بكلية الطب جامعة بنها في عام 2000، فلم يجد محمد مناع وصفا لصديقه الراحل أحمد برج سوى عنوان لرواية فلسفية للكاتب ميلان كونديرا، لطالما تناقشاها سويا حتى أصبحت لقبه في حديثهما.

أحمد ومحمد يستقلان قطار بنها يوميا، الأول متجه إلى الغربية والثاني إلى المنوفية، حيث يقيم كل منهما، على مدار 4 أعوام، حتى أصبح الطريق شاقا على "برج" فقرر استكمال الدراسة بجامعة طنطا، لكن النقاش لا يزال قائما "محمد كان عايش في عمان ورجع على الجامعة وما كانش يعرف حد خالص واتعرفت عليه وقتها ولما راح طنطا بقيت دايما معاه بس أول مرة اتقابلنا كنا راجعين من الجامعة في القطر واستفزني صبره جدا وبدأ أهزر عليه زيادة وهو برضو مش بيرد لأنه خجول ومش بيحب يزعل حد وبعدها بقينا دايما مع بعض"، وذلك بحسب حديث مناع لـ"الوطن".

حاسة حفظ سريعة وحب استطلاع، جعلا أحمد مصدر المعلومات بين أصدقائه، فهو مطلع على كل جديد في الطب وفي الأدب الذي عشقه أكثر من الطب "عنده قدره يحفظ مسرحية مثلا وييجي يقولها زي الممثلين ونفضل نضحك وكان عامل زي الكوبري في نقل المعلومات لكل الناس علشان كل الناس تعرف كل حاجة أول بأول وكوبري يعرف الناس على بعض لأنه محبوب من الجميع".

منذ 3 أسابيع كانا قد اتفقا على اللقاء سويا لكن بعض الظروف أرجأت اللقاء الموعود كي يحدث الفترة القادمة، ليباغت الموت الفجأة "البرج" دون اللقاء "آخر مرة اتكلمنا قالي شكرا لنصايحك ليا في التعامل ونفذتها ونجحت.. كان كل واحد يحكي للتاني مشاكله واللي أغلبها عن إن الناس تتعامل بمبادئ وأخلاق حلوة ولأن كل واحد بيكون عاطفي مع المشاكل اللي بتواجه فكنا نحب نسمع رأي بعض.. بس مالحقناش نحكي تاني واتوفى المحترم وكان نفسه يلاقي الناس بتتعامل مع بعض باحترام زي ما شاف في ألمانيا وماكانش منبهر أوي بفكرة التطور الطبي قد التطور المجتمعي".


مواضيع متعلقة