ثروت سرور: "نجيب" حارب نفسه أكثر مما حاربوه.. وحين قرأ لي "الأميات" لطمت على وجهي

كتب: إلهام زيدان

ثروت سرور: "نجيب" حارب نفسه أكثر مما حاربوه.. وحين قرأ لي "الأميات" لطمت على وجهي

ثروت سرور: "نجيب" حارب نفسه أكثر مما حاربوه.. وحين قرأ لي "الأميات" لطمت على وجهي

عن نشأة نجيب سرور ومسقط رأسه، تحدث ثروت، الشقيق الوحيد لنجيب، عن نشأة الشاعر فى إخطاب، وعلاقته بأفراد الأسرة، خاصة الوالد الذى تعلم منه الشعر والثورة، وكواليس التحاقه بمراحل التعليم المختلفة، كما تحدث شقيق الشاعر عن العلاقة الخاصة بين الأخوين، وتأثير البيئة المحيطة والمرحلة التاريخية على أعمال الشاعر الإبداعية، كما ذكر «ثروت» فى حواره لـ«الوطن»، أبرز مكونات ثقافة نجيب، وعلاقته بالحياة والموت، وموقفه من ثورة يوليو، والتحولات الاجتماعية التى جرت، وكشف عن أحداث الأيام الأخيرة فى حياة الشاعر الراحل، إلى نص الحوار:

قبل الحديث عن الشاعر نجيب سرور، هل تحدثنا عن الأجواء التى نشأ فيها، وأثرت فيه؟

- إذن فالحكاية ستعود إلى أربعينات القرن الماضى، فقرية إخطاب كانت تقطنها أسرة محمود باشا الأتربى، التى تنتمى إليها الإعلامية سهير الأتربى، وهى العائلة التى كانت تمتلك أغلب الأرض وتمتلك الفلاحين أيضاً، وكان الفلاحون المعدمون فى أيام الحصاد يرون شُوَن الباشا ممتلئة بجبال وتلال القمح والأرز، والحظائر عامرة بقطعان الماشية، والخيول العربية التى تشترك فى السباقات، لكنهم يتابعون العمل لخدمة هذه الطبقة، وكان العمل يعتمد على الجهد البشرى، فى ظل عدم وجود الميكنة، حتى إن هذا الباشا يبعد المدارس عن القرية، كى يضمن عدم بوار الأرض، فلم يكن بالقرية إلا المدرسة الإلزامية، وهى ما قبل الابتدائية، والمدرسة الإلزامية فى وجهة نظر الباشا لا تهدد الأرض بالبوار، ورغم هذا الذل الذى كان يعيش فيه أهل القرية، فقد كانوا يرون هذا الوضع مقبولاً وأرزاقاً وزّعها الله على عباده، والاعتراض عليها كفر وزندقة، كما أن الجامع نفسه كان يكرس لهذه المفاهيم، فكانت كل حاجة الفلاح وأمله هو الجنة، لأنه لم يعش، وهؤلاء الناس هم الذين قال عنهم نجيب: «موتى على قيد الحياة».

وكيف كانت تعيش أسرة الأب محمد سرور وسط هذه الأجواء؟

- رغم هذه الحالة العامة فإن هناك بعض العائلات التى منها (شيخ الغفر، وشيخ البلد، أو الصراف أو المدرس)، وهى بعض العائلات التى تمكنت من امتلاك قطعة أرض، كانت بعيدة عن سطوة الباشا، وقد كان أبى مدرساً فى المدرسة الإلزامية الموجودة فى القرية، وكان جدى «محمد هجرس» يعمل بناءً، ومبدعاً فى إنشاء العقارات، وكان جدى يحصل على أجره بالجنيهات الذهبية، فتمكن من امتلاك قطعة من الأرض كافية أن تعيش الأسرة مستورة.

اعتبر الاهتمام المبالغ فيه بالموت "أنانية" ووجهنى بالابتعاد عن "أدب التشاؤم" لأن الحياة فيها ما يستحق الاهتمام

ما أبرز ملامح طفولة نجيب، والتحاقه بمراحل التعليم؟

- أكبره بعام واحد، ودخلنا فى طفولتنا التعليم الإلزامى معاً، وهذا التعليم لم يكن مرتبطاً بسن معينة، والمدارس كانت بديلاً عن الكتاتيب، ومهمتها محو الأمية وتعليم بعض قواعد الحساب، فقد كانت مراحل التعليم (إلزامى، ابتدائى، ثانوى، جامعة) ونجيب كان وديعاً وناعماً كالحرير، بينما كنت خشناً كالمبرد، ففرح هو بالتعليم، بينما فرحت أنا باللهو، وانتهينا من التعليم الإلزامى، وأذكر أن جدى وقتها قال: «ثروت سيحافظ على الأرض وينميها، بينما نجيب سيبيع الأرض، فقد كان الجد يعتز بالأرض، فبقيت أنا فى فلاحة الأرض مع زوج عمتى، وقرر والدى إلحاق نجيب بمدرسة ابتدائية فى قرية مجاورة اسمها «دماص»، وحصل نجيب على الشهادة الابتدائية فى 4 سنوات، بينما كنت أنا أواصل فلاحة الأرض، وفى اليوم التالى لحصول نجيب على الابتدائية، والاحتفال بحصوله على الشهادة بتوزيع الشربات، أخذتنى الغيرة، فقررت الالتحاق بالمدرسة الابتدائية، وبالفعل دخلت الصف الثانى الابتدائى، وقتها التحق نجيب بالمدرسة الثانوية بالمنصورة، فكان بمثابة أستاذى، واستفدت منه فبدأ يوجهنى التوجيه الصحيح، خاصة أنى فى هذه الفترة انشغلت بقضية الموت، وبدأت فى قراءة الأدب المتشائم، قرأت من مكتبة والدى «آلام فرتر» لجوته، وتأثرت بها كثيراً، فأوقفنى نجيب عن هذا الاتجاه وقال إن الحياة فيها ما يستحق الاهتمام، فكان يرى أن الاهتمام المبالغ فيه بالموت من قبيل الأنانية، ووجهنى بالقراءة فى المجالات المتنوعة: السياسة والاجتماع والفلسفة وحتى الفيزياء.

والده رأى فيه حلمه مجسداً فعلّمه الشعر والثورة.. وبعدها نشبت معركة بينهما لأن "نجيب" انحاز للشعر الحديث

ما تأثير الوالد على نجيب فى مراحل تكوينه الأولى؟

- نجيب تعلم من والده الشعر والثورة، ووالده رأى فيه الحلم مجسداً، فقد كان والدنا «محمد سرور»، مثقفاً وثورياً، وشاعراً وكتب مسرحية «يوسف وزليخة»، وكانت لديه مكتبة عامرة بالكتب الحديثة والقديمة، ونجيب كان لديه رغبة شديدة فى المعرفة، وهو فى المرحلة الابتدائية وجد فى مكتبة الوالد ما يناسبه للقراءة، كما كان الأب مشتركاً فى مجلتى «الرسالة»، و«الثقافة»، وواصل نجيب القراءة فى المرحلة الثانوية، وقرأ «العقد الفريد» لابن عبدربه، وكان سابقاً لسنه فتعرف على عالم أبى العلاء المعرى مبكراً، وكان يظن أنه عالم مظلم، فاكتشف أنه عالم مشرق بعبقرية «المعرى»، ومضىء بعظمته، وأظن أن نجيب أكثر من فهم المعرى، وكتب عنه دراسة نقدية «تحت عباءة أبى العلاء»، ووالدى ترك التعليم الإلزامى، والتحق بمدرسة للصيارفة، فكان يتنقل حسب طبيعة عمله من محافظة لأخرى، لذلك حصل نجيب على الثانوية من مغاغة بالمنيا.

رأى عالماً مشرقاً فى "أبى العلاء"

وبداياته فى كتابة الشعر؟

- بدأ الكتابة فى المرحلة الثانوية، عقب المظاهرات ضد الاحتلال وفتح كوبرى عباس فى عام 1946، ونشبت معركة كبرى بينه وبين والده بسبب الشعر، فنجيب كان منحازاً لكتابة الشعر الحديث، والوالد ينظم الشعر بالطريقة التقليدية.

كيف كانت الدراسة الجامعية فى حياة نجيب سرور؟

- دخل كلية الحقوق، وخلال دراسته كون هو ومجموعة من الشباب، ما يشبه التنظيم السياسى لمقاومة ظلم الإقطاع للفلاحين، وكانوا متحمسين لأفكارهم ولمقاومة الظلم، حتى إن قاتلاً مأجوراً انضم إليهم فى ذلك الوقت، بل ونظموا انتفاضة ضد الباشا، وبالفعل كسروا السراى، وتم تلفيق تهمة حمل سلاح بدون ترخيص لوالدى، وخرج من القضية فى النهاية.

لماذا ترك نجيب الدراسة بكلية الحقوق؟

- لأنه شغف بالمسرح والتمثيل، هذا جانب، كما أنه تمرد على دراسة الحقوق، على الجانب الآخر، وقال إننا ندرس قوانين تكرس الظلم، وإن هذه القوانين ما زالت تنحاز للأغنياء، ورغم أنه استبشر خيراً بثورة يوليو 1952، لكنه كان يطمح إلى القضاء على الإقطاع تماماً، كان يرى أن الثورة «رحيمة» بالإقطاع، فتركت لهم ما يسمح بأن يعيشوا سادة، بينما كان طموحه أن يكون الوطن بلا طبقات، فجاء قرار تركه لكلية الحقوق فى السنة النهائية صدمة هائلة للوالد، لكن نجيب لم يتراجع والتحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية.

شقيق الشاعر الراحل: كان يحلم بـ"مجتمع بلا طبقات" ولم يسمعه أحد فلجأ إلى "قلة الأدب"

ما الذى كانت تمثله له الفنانة سميرة محسن؟

- بعد عودته من المجر، لم يُسمح لزوجته وابنه شهدى بالعودة إلى مصر فى ذلك الوقت، وخلال تجهيزه لمسرحية «وابور الطحين»، فى 1966، تزوج سميرة محسن، التى كانت تشارك معه فى المسرحية، كانت سميرة محسن شيئاً طارئاً وهامشياً فى حياته، بل كان شكل علاقتهما أقرب إلى الرفقة من الزواج، لأنه كان بالفعل ينتظر عودة زوجته وابنه من روسيا، ولا أعتبر سميرة أزمته على الإطلاق، فهو لم يكن راضياً عن تصرفاتها وطلقها فى النهاية، بعد زواج لم يتجاوز ثلاث سنوات، لكن أزمته الحقيقية كانت القضية العامة، فقد كان يحلم بمجتمع بلا طبقات، وأضيفت إليها نكسة 1967 التى تنبأ بها قبل حدوثها، ولجأ للتعبير عن رأيه بكل الوسائل، لكن لم يسمعه أحد، فلجأ إلى قلة الأدب، برغم عفة نجيب، وأصبحت قصيدة «الأميات» أشهر أعماله، كان يرى أنه دون كيخوته، لأنه كان يحمل أخلاق النبلاء، ويريد أن ينتصر للحق، كان يحارب طواحين الهواء، يبكى «ثروت» ثم يواصل: «مشى حافياً بملابس رثة فى شوارع القاهرة، ومعه ابنه شهدى، ووضعه أمام السيارات المتحركة فى الشارع، نجيب عبقرى لكنه أيضاً أجهز على نفسه أكثر مما أجهزوا عليه، أى إنه حارب نفسه أكثر مما حاربوه».

ما الذى قاله لك عن «الأميات»؟

- حين قرأها لى لأول مرة لطمت على وجهى، ثم بكيت لأجله، وأذكر أن رجاء النقاش كتب عنها مقالاً بعنوان «احذروا هذا الأدب البذىء»، وتناسى كل أعمال نجيب المهمة.


مواضيع متعلقة