تضخم في الأطراف: معاناة أطول شقيقين في الحسينية

تضخم في الأطراف: معاناة أطول شقيقين في الحسينية
بعيون يملؤها الحزن، وضعف فى كل أجزاء الجسم، ينحنيان للمرض، وينعزلان بعيداً عن الناس، «محمد شحاتة عبدالجواد»، 33 سنة، وشقيقته «هدى»، 28 سنة، يعيشان معظم الوقت داخل منزلهما بعزبة «أمين باشا»، التابعة لقرية الجمالية بمركز الحسينية، فى محافظة الشرقية، بعد أن نهشت الأمراض جسديهما، بدأت بمعاناتهما من مرض «العملقة النخامية»، الذى غير الكثير من ملامحهما، وأصيبت أطرافهما بالتضخم، واكتسبت جبهتاهما حجماً عريضاً، بالإضافة لمعاناتهما من العديد من الأمراض الأخرى، منها هشاشة العظام، والكلى، والكبد، وغيرها.
«لقد منعنى مرض العملقة النخامية من ممارسة حياتى بشكل طبيعى، خاصةً بعدما فقدت قدرتى على العمل، فرغم ضخامة جسدى، إلا أنه هش ينخر فيه الألم»، بتلك الكلمات بدأ «محمد» حديثه لـ«الوطن»، وتابع قائلاً: «نشأت وشقيقتى، التى تعانى من نفس المرض، داخل أسرة بسيطة، توفر احتياجات الطعام والشراب بالكاد، ولم يهتم والدانا بأعراض زيادة الطول التى نعانى منها، حتى أصبحنا من العمالقة».
"محمد": أصحابى بيخافوا منى وأصبحت بلا دخل بسبب ضخامة جسمى
وبينما كان يتكئ على وسادة ليسند ظهره إلى الحائط داخل غرفة الاستقبال بمنزل أسرته، لعدم قدرته على الجلوس منحنياً، تابع الشاب بقوله: «بدأت أعانى من أعراض زيادة الطول منذ كان عمرى 10 سنوات، ولكن ليس بشكل كبير، فقط كنت أطول من أقرانى فى نفس السن، وبدأ الطول يزداد تدريجياً، واعتقد كثيرون عندما كنت أدرس بالمرحلة الإعدادية، أننى أحد المعلمين فى المدرسة»، ومضى قائلاً: «الطول الزائد سبب لى كثيراً من المشاكل، فتعرضت للتنمر والسخرية بشكل غير مباشر من جانب زملائى، وكنت أجلس وحيداً فى المقعد الأخير داخل الفصل، وكلما حاولت مخالطة أى من زملائى وتكوين صداقات معهم، كانوا يبتعدون عنى، وكأننى شخص منبوذ، ومنهم أيضاً من كان يشعر بالخوف إذا وقف بجانبى أو تعامل معى، وكانوا يرجعون سبب ذلك إلى أننى يمكن أن أعتدى عليهم بالضرب بقوة، إذا وقعت أى مشكلة، وأن حجم يدى وقدمى أكبر منهم وسيتضررون كثيراً»، وأردف: «أمضيت الـ3 سنوات بالمرحلة الإعدادية بصعوبة بالغة، ثم قررت التوقف عن الدراسة، حتى لا أتعرض لمزيد من السخرية والتجاهل، إلى أن أقنعنى أحد أقاربنا بالالتحاق بمعهد قراءات لتعلم وحفظ القرآن الكريم»، وعن كيفية ذهابه إلى المعهد فى قرية «منشأة أبوعمر»، قال «محمد» إنه كان يضطر إلى الوقوف خارج صندوق سيارة ربع نقل، ممسكاً بأسياخ من الأعلى عبارة عن «تندة» حديدية مثبتة أعلى السيارة، لافتاً إلى أنها الطريقة الوحيدة التى كان يستطيع من خلالها الذهاب إلى المعهد.
وتوقف الشاب عن الحديث للحظة، أخرج خلالها تنهيدة من بين جنبات صدره، قبل أن يستكمل حديثه قائلاً: «بعد أن انتهيت من مرحلة الدراسة بمعهد القراءات، حاولت التقديم عدة مرات للحصول على وظيفة بأى مسجد، ولكن دون جدوى، فتوجهت للعمل فى الزراعة كعامل باليومية، وكنت أعمل نحو 12 ساعة يومياً، تتخللها ساعة للراحة، ولكن مع استمرار طولى فى النمو، فقبل أن أصل إلى عمر 23 سنة، كان طولى 190 سنتيمتراً، وبعد مرور عامين، وصل طولى لأكثر من مترين و10 سم، وتبع ذلك معاناتى من أمراض عديدة، من أبرزها ضعف جسمى وعظمى، وفقدت القدرة على الوقوف أو الانحناء، ما دفعنى لترك العمل فى الزراعة».
وتابع أنه بعد فترة توجه للعمل فى أحد المصانع بمدينة العاشر من رمضان، والتحق بوظيفة «فرد أمن»، إلا أنه لم يستمر طويلاً وقرروا الاستغناء عنه بعد أقل من شهر، بدعوى عدم توافر زى له خاص بأفراد الأمن، بسبب ضخامة جسمه، وكذلك عدم توافر حذاء مناسب على مقاس قدميه، بالإضافة إلى ملاحظتهم ضعف قدرته البدنية، وأردف قائلاً: «اضطررت بعد ذلك إلى أن أجلس حبيس المنزل، ولم أجد أى أعمل أقوم به».
وعن كيفية تدبير احتياجاته المعيشية فى ظل عدم وجود مورد رزق ثابت له، قال إنه كان يتقاضى معاشاً شهرياً قيمته 360 جنيهاًً، ولكنه فوجئ قبل نحو 5 شهور بتوقف صرف المعاش الذى ظل يتقاضاه طيلة 3 سنوات، بحجة عدم وجود إعاقة ظاهرية، حتى أصبح بلا مصدر دخل، وبنبرات حزينة بدت على صوته أضاف قائلاً: «لا وظيفة ولا دخل ولا علاج، هو لازم الواحد يكون ذراعه ولا رجله مقطوعين علشان ياخد معاش ميكفيش عيش حاف، ولا الغلبان يروح يموت، أنا مش عارف أعمل إيه».
"هدى": أنتظر الموت ومش عايزة حاجة من حد
أما شقيقته «هدى»، التى يبلغ طولها مترين و23 سنتيمتراً، فلم تكن بأفضل حال من شقيقها، حيث قررت حبس نفسها داخل المنزل، تتوارى بعيداً عن أعين الناس ونظراتهم، التى يصعب عليها تفسيرها بين الشفقة والسخرية، وتحدثت بجملة وحيدة، قبل أن تتوقف عن الكلام، قالت فيها: «أنا منتظرة الموت، ومش عايزة حاجة من حد، أريد فقط الانتقال إلى عالم أفضل، لا ينظر فيه المجتمع لى كإنسانة بشعة».
أما والدة الشقيقين «روحية عبدالعزيز عبدالرحمن»، 60 سنة، فقالت: «نعيش فقط بمعاش زوجى، وقدره 720 جنيهاًً، هو مصدر دخلنا الوحيد»، إلى جانب مساعدات من بعض الأقارب، حيث يقيمون فى منزل ملك شقيق زوجها، لعدم وجود منزل لهم
وناشدت والدة أطول شقيقين محافظ الشرقية، الدكتور ممدوح غراب، مساعدة ابنها فى الحصول على وظيفة، خاصةً أنه حاصل على معهد قراءات، أو منحه وشقيقته معاشاً من التضامن الاجتماعى، أو معاش «تكافل وكرامة»، واختتمت بقولها: «خايفة أموت وأسيبهم لوحدهم، مش هيلاقوا مصدر رزق ولا رعاية».