إبراهيم حجازي: الشعب المصري "أبو الجيش" وكل أسرة كان لها مقاتل في حرب "73"

كتب: هدى رشوان

إبراهيم حجازي: الشعب المصري "أبو الجيش" وكل أسرة كان لها مقاتل في حرب "73"

إبراهيم حجازي: الشعب المصري "أبو الجيش" وكل أسرة كان لها مقاتل في حرب "73"

قال الكاتب الصحفى والناقد الرياضى إبراهيم حجازى، إن الفترة التى قضاها فى القوات المسلحة المصرية والتى تمتد من 1968 حتى 1974 من أجمل وأصعب فترات حياته لأنها فتّحت وعيه على أن الجيش ابن شعب مصر.

وأكد «حجازى» فى حوار لـ«الوطن» أنه كان ضابطاً فى القوات الخاصة المصرية وشهد العديد من البطولات التى قام بها أبطال مصر خلال فترة حرب الاستنزاف حتى الوصول إلى نصر أكتوبر العظيم، وإلى نص الحوار:

ما الدرس الأول الذى تعلمته كضابط فى القوات المسلحة عشت أجواء هزيمة 67 وانتصار 73؟

- تخرجت فى كلية التربية الرياضية عام 67 وفى 9 يناير 68 دخلت القوات المسلحة فى فرقة القوات الخاصة لسلاح المظلات، والدرس الذى تعلمته طوال هذه الفترة أن الشعب المصرى هو من أنجب الجيش المصرى، يعنى أن الشعب والجيش ليسا فقط «إيد واحدة».. بل إن «الشعب هو أبو جيش مصر» ففى عام 67 كان عدد جيش مصر 300 ألف، وأثناء حرب أكتوبر وصل عدد أفراد الجيش إلى مليون و300 ألف، وكان تعداد مصر وقتها 5 ملايين، أى لم تكن هناك أسرة ليس من بين أفرادها واحد من أبناء الجيش وهذا يعنى أن الشعب كله قرر أن يحرر الأرض بدماء أبنائه.

صف لنا أجواء هزيمة 67 على مستوى الجنود؟

- الهزيمة كانت من أصعب المواقف على أبناء الجيش لأنه فعلاً لم يكن يستحقها، لأنه لم يحارب وتم احتسابها على مصر هزيمة والسلام، فمصر فقدت 30 ألف متر مربع، فى 4 ساعات، وكان تقدير الخبراء أن مصر تحتاج لـ30 عاماً لجمع قواها مرة أخرى، ولم يحدث من قبل فى حرب لمصر أن يكون بيننا وبين العدو 170 كيلو مواجهة، مع عرض مائى يصل إلى 200 متر، علاوة على أن التيار المائى لمصر متغير طوال الوقت من مد وجزر يرفع المياه مترين وتعود مرة أخرى، وكان الصعوبة الكبرى فى استفزاز الصهاينة لمصر والرئيس عبدالناصر والمصريين بفكرة تقسيم القناة بين مصر وإسرائيل.

ما الهدف الذى كان نصب أعينكم خلال هذه الفترة؟

- فى عام 68 كان أهم شىء هو الحفاظ على مدينة بورسعيد دون اشتباك، لأنه بعد الهزيمة فى 67 اكتشف الصهاينة أن بورفؤاد البنت البكر لبورسعيد لم تحتل، فقررت جولدا مائير، رئيس وزراء إسرائيل أن تحتلها لتقيم مؤتمراً صحفياً من هناك كنوع من الاستفزاز للرئيس العظيم جمال عبدالناصر.

كيف عاد الجيش المصرى لترتيب البيت من الداخل؟

- عاد من خلال العمليات الفدائية المتكررة التى بدأت فى إرهاب العدو، وإشعارهم أن وجودهم فى سيناء يعنى موتهم كل يوم، كانت القوات الخاصة من الصاعقة، أكثر القوات التى لم تخسر أفراداً ولا معدات فى 67، فبدأت الكتيبة 43 صاعقة بقيادة اللواء زغلول فتحى فى منطقة رأس العش بإرسال فصيلة صاعقة 30 فرداً ورشاش واحد استطاعوا أن يعبروا إلى شرق القناة ويحتلوا منطقة رأس العش رغم وعورتها لأنها منطقة فى مدق بسبب الردم لحفر خط بارليف، وكانت هناك طائرة تمر مع أول ضوء كل يوم، وتبين لها أن هناك جنوداً مصريين فى هذه المنطقة، وكان الاشتباك فى 1 يوليو وهو اليوم الذى تم اختياره عيداً للصاعقة المصرية، بعد أن استطاع 30 جندياً السيطرة على طابور المدرعات والدبابات والسيارات المدفعية، ودارت معركة انتصرت فيها الصاعقة المصرية، بعد اشتباك دام 7 ساعات لم يستطع العدو أن يتقدم متراً واحداً وكانت ملحمة فدائية يتابعها الرئيس عبدالناصر لحظة بلحظة مع اللواء زغلول فتحى.

وكانت العملية الثانية فى 21 أكتوبر 67، وهى إغراق المدمرة إيلات، وكانت واحدة من مدمرتين للبحرية الإسرائيلية تم شراؤهما من إنجلترا وأحضرهما طاقم إسرائيلى وهما «إيلات» و«يافو»، وغرقت المدمرة التى شكلت نصف قوة المدمرات فى البحرية الإسرائيلية وعليها طاقمها الذى يتكون من 100 فرد إضافة إلى دفعة من طلبة الكلية البحرية كانت على ظهرها فى رحلة تدريبية ماتوا جميعهم، بلنش صواريخ مصرى، وهى قصة تدرس فى علم الحروب البحرية، أما العملية الثالثة فكانت بكاسحة الألغام أسيوط، التى دمرت الغواصة دكار عندما كانت تمر فى بحر الإسكندرية وكأنه «بحر ملوش رجالة».

الكاتب الصحفى: كنت ضابط مظلات.. وقضيت أجمل وأصعب 6 سنوات فى الخدمة العسكرية

كيف عاش الجنود المصريون فترة حرب الاستنزاف؟

- حرب الاستنزاف قصة نجاح لمصر فى كيفية زراعة بذرة الانتصار فى رحم الهزيمة، 6 سنوات من أصعب وأجمل الأيام التى عشتها فى حياتى، التدريبات كانت قاسية جداً، لدرجة أن الحرب كانت أسهل من تدريبات هذا المرحلة، وكان الدرس هو الإتقان والإجادة والصبر هو سر النجاح، الضغط العصبى والبدنى بفلسفة محمد فوزى الذى أعاد الانضباط للجيش المصرى، ولذلك هم خير أجناد الأرض إلى يوم الدين.

أتذكر فى ديسمبر 69 كانت كل وحدات الجيش فى تدريبات رهيبة، الجميع يعمل بقوة، وكان لدينا فقرة ليلية فى غرب القاهرة فى دهشور، استيقظنا فى الفجر لنرتب المظلة ونستعد ونتحرك إلى مطار ألماظة وكنا نرتدى الزى المموه، وكان من ألياف صناعية شديدة التوصيل للحرارة فى الصيف والبرودة فى الشتاء، أحياناً كنا نظل أكثر من 24 ساعة دون نوم، و30 ساعة تحت ضغط عصبى شديد، حتى إننا كان لدينا بدل 9 جنيهات للقوات الخاصة علاوة خطر، وكنا مميزين فى إضافة علبة لبن لنا فى وجبة الفطار.

كيف كان شعور الشعب تجاه للجيش؟

- الشعب كان يعيش مرحلة من القلق الرهيب فى ظل الدعاية السلبية للصهاينة، ورغم ذلك كان كل الشعب يشارك بكافة الطرق، فالسيدة المصرية البسيطة التى لم يكن لديها إلا حلق فى أذنها كانت تخلعه برضاء تام وتتبرع به للمجهود الحربى لشراء أسلحة، فالسلاح المصرى كان من تبرعات الشعب، وكان من النادر أن نجد سيدة بسيطة ترتدى دبلة فى يدها فقد تبرعن بذهبهن، الشعب ربط على بطنه حزام حديد، وموظفو الحكومة كانوا يتبرعون شهرياً بيوم من رواتبهم كل شهر للمجهود الحربى، وفى هذا الوقت مات أباطرة الاستيراد، فالجندى كان قيمة وقامة.

ما الدور الذى لعبه الإعلام فى هذه الفترة؟

- الإذاعة البريطانية والدعاية الإسرائيلية كانت تبث سموماً، لكن كان هناك التليفزيون المصرى وجيش القوى الناعمة من الكتاب والفنانين، مرسى جميل عزيز، عبدالحليم، عمار الشريعى وواجهوا ذلك بشراسة وأعادوا تشكيل الوعى المصرى من جديد.

2000 مدفع أطلقت 3000 طن ذخيرة خلال 53 دقيقة والمدفعية كانت تضرب 175 دانة فى الثانية الواحدة

كيف كان الاستعداد على الجبهة ليوم الحرب؟

- جميع الوحدات كانت تعمل بالصبر، بعد حرب الاستنزاف كان التخطيط، وكان التخطيط من كل ضابط داخل وحدة على درجة رائد مقدم وعقيد، حتى جاء وقت التنفيذ، واختيار التوقيت عيد الغفران «عيد الشكر للصهاينة»، والجميع فى إجازة، وإعادة التعبئة والعودة للكتائب من الإجازة للعدو تحتاج إلى ما يزيد على 36 ساعة، ونحن فى حاجة إلى 24 ساعة فقط للهجوم المضاد.

اختيار شهر رمضان، كان ذكياً، لأنه كان هناك اعتقاد أن المصريين مستحيل أن يحاربوا خلال رمضان أثناء الصيام، وحتى اختيار الساعة 2 الظهر كان اختياراً موفقاً لأن الشمس حينها تكون فى ظهر قواتنا الجوية، ووجه طيران الصهاينة، ساعة الصفر لم تكن محددة إلا من قبل القيادة العليا فقط.

أتذكر أنه فى يوم 2 أكتوبر دخل حائط الصواريخ المصرى على الجبهة، رغم الأقمار الصناعية الأمريكية للتجسس، وجاءت إخبارية لموشى ديان قائد القوات الإسرائيلية وقتها أن هناك حرباً يوم 6 أكتوبر، وقام بجولة على الجبهة الساعة 12 ظهراً، لكنه وجد الجنود يغسلون ملابسهم، وكان هناك 80 ألف جندى فى الخنادق يجهزون للانطلاق لعبور القناة، حتى إن «كسينجر» كتب أن موشى ديان شاهد الشجر ولم يشاهد الغابات، نجاح منقطع النظير تحقق مع أول ضربة جوية كانت خسائر مصر 2% فقط، ملحمة أسطورية للمدفعية المصرية لم تحدث فى تاريخ الحروب 2000 مدفع، أطلقت 3000 طن ذخيرة على مدار 53 دقيقة، كان هناك 100 قرار يتم تنفيذها خلف غطاء المدفعية وضرب مباشر على بعد 3 كيلو من أهداف غير مرئية، و8000 جندى عبروا القناة، ولم تتحرك دبابة واحدة من فوق 100 مصطبة للدبابات، وكانت ضربة المدفعية 175 دانة فى الثانية الواحدة، سيمفونية تكتمل بجميع أجزائها.

8 أكتوبر كان هناك 180 ألف جندى شرق القناة، ورغم خطة أمريكا للدفاع المضاد، فإنها باءت بالفشل، وخرجت جولدا مائير تصرخ لأمريكا أنقذوا إسرائيل.

ماذا عن الثغرة؟

- أقسم بالله أن معركة الثغرة كانت ستنتهى بتخليص مصر على إسرائيل نهائياً، القوات كانت متداخلة بـ300 و400 متر، لا طيران ولا دبابات، كانت معركة رجل لرجل.

ولقد لقنت مصر إسرائيل درساً محا غرورها لأنهم اعتادوا على أنهم إذا احتلوا متراً واحداً ألا يتركوه بعدها.

وماذا عن عقيدة الجنود فى هذا الوقت؟

- كانت لدينا عقيدة ثابتة هى أن الموت هو الحقيقة الوحيدة، فلم يكن بيننا جبان، كان هناك حذر، وكان الشعار لو هموت أموت بطل باستبسال، لو هموت أموت ومعى 20 صهيونى، لذا فإن مرحلة الجيش كانت من أصعب وأجمل أيام حياتى، وهى ما جعلتنى بنى آدم عشت وعايشت أصدق وأنبل الرجال، لم يفكر أحدنا فى زوجته ولا أمه ولا ابنه، كان التفكير الأساسى فى تحرير الأرض لأنها هى العرض.


مواضيع متعلقة