السعودية والإخوان.. لماذا الطلاق البائن؟!

■ فى سابقة مفاجئة وغير متوقعة للكثيرين أدرجت الحكومة السعودية جماعة الإخوان بكل فروعها على قائمة المنظمات الإرهابية.. وهذا القرار يغلق صفحة العلاقات الودية بين المملكة وجماعة الإخوان، التى بدأت عام 1926، ووصلت فى السبعينات إلى مرحلة التحالف الاستراتيجى. ■ ولعل هذا القرار ينبه صانع القرار الاستراتيجى فى الإخوان، لأن يدرك أن معاركه الخاسرة قد انتقلت من مصر إلى الخليج.. خصوصاً بعد اتخاذ موريتانيا قراراً مماثلاً.. وأن يدركوا أن نظرية المؤامرة لم تعد كافية لتبرير النكبات المتلاحقة بعد الانتصارات والوصول إلى السلطة فى مصر.. مما يستلزم إعادة النظر فى سياسات كثيرة للإخوان أدت إلى هذه الخسائر الاستراتيجية المتلاحقة. ■ وفى البداية أود أن أطرح مختصراً لتاريخ العلاقة بين السعودية والإخوان كالتالى: ■ أولاً: مرحلة الاستكشاف: وبدأت بعمل الشيخ البنا مدرساً فى السعودية فى الثلاثينات، ووقتها رفضت مصر الاعتراف بالمملكة السعودية الوليدة نتيجة ضغوط الإنجليز.. ولما حج الشيخ البنا 1936 حجته الأولى استضافه الملك عبدالعزيز ضمن كبار ضيوف الحج، فألقى كلمة أمامه وقبّل يديه، ووقتها رحّبت جريدة «أم القرى» السعودية الرسمية بـ«البنا» باعتباره من كبار الحجاج. ■ وبعدها كان «البنا» يلقى الخطب والمواعظ على الحجاج ويستضيفه الملك عبدالعزيز.. وينزل ضيفاً على الحكومة السعودية.. ومن خلال زيارات الحج استطاع الشيخ البنا دعوة الجنسيات الأخرى محولاً دعوة وتنظيم الإخوان من المصرية إلى الإقليمية ويختار مرشدين فى سوريا والسودان والأردن وغيرها. ■ ثانياً: مرحلة التذبذب.. وبدأت بعد اغتيال «البنا» بما يملكه من ملكات دعوية وتنظيمية.. فقدم «الهضيبى» الأب، ضيفاً على السعودية، فأكرمت وفادته 1954.. ولكن العلاقة بينهما تدهورت بعد تأييد الإخوان ثورة اليمن، التى كانت تعتبرها السعودية حرباً عليها من الفناء الداخلى لها. ■ ثالثاً: مرحلة الاحتضان فى الستينات: وفيها ساءت العلاقة بين الرئيس ناصر والسعودية.. فلجأ الإخوان إلى السعودية فرحبت بهم وفتحت لهم أبوابها وجامعاتها وسهلت لهم السيطرة على مراكز الدعوة الإسلامية فى أوروبا وغيرها.. حيث كانت أوروبا مهتمة وقتها بمحاربة الشيوعية. ■ رابعاً: مرحلة التحالف فى السبعينات: وكانت نتاجاً لتوطد العلاقة وتوحد الأهداف فى الستينات.. واستطاع مدير المخابرات السعودية كمال أدهم أن يتوسط لدى السادات للإفراج عن الإخوان وفتح الأبواب المغلقة أمامهم فى مصر.. والاستعانة بهم وبغيرهم لخلق توازن مع المد الشيوعى. ■ وقوى هذا التحالف اجتماع السعودية ومصر والإخوان على محاربة الاتحاد السوفيتى المحتل لأفغانستان، خصوصاً مع الإجماع الغربى الأمريكى على هذا المشروع.. كل يحسب أيديولوجيته وأهدافه. ■ خامساً: مرحلة الهواجس المشتركة: وهذه المرحلة بدأت مع حرب الخليج الثانية، فعارض الإخوان والحركات الإسلامية استقدام القوات الأمريكية الأوروبية إلى السعودية لتحرير الكويت.. فرأته السعودية رضا من الإسلاميين باحتلال الكويت ثم بقية الخليج ومغازلة من الحركات لأبنائها وشبابها ضاربة بمصالح السعودية الحائط.. ثم تلا ذلك بزوغ نجم وتفجيرات «القاعدة» فى السعودية واتهام بعض المحسوبين على الإخوان فى مصر والسعودية بأنهم وراء نشأة الفكر التكفيرى فى السعودية. ■ سادساً: مرحلة الطلاق البائن: وبدأت هذه المرحلة باكتشاف تحرك تنظيمى نشط لتنظيم الإخوان فى السعودية والكويت والإمارات بعد أشهر من حكم د. مرسى.. وانتهت بهذا القرار. ■ وأعتقد أن أسباب هذا القرار ما يلى: 1 - التقارب الكبير بين الإخوان وإيران.. وهى العدو التقليدى للسعودية، خصوصاً بعد اقتراب امتلاكها للسلاح النووى وكذلك بعد تحسن علاقتها مع أمريكا.. وتكوين حلف تركى - إيرانى. 2 - التحالف بين الإخوان و«القاعدة»: والأخير تعتبره السعودية العدو الاستراتيجى.. خصوصاً بعد تغوّلها حول السعودية فى «سيناء مصر وداعش العراق وسوريا وفى ليبيا وفى اليمن».. مع الوفرة المالية والتسليحية التى حازتها «القاعدة» مؤخراً. 3 - دول الخليج بتركيبتها المعقدة لا تتحمل تعدد الولاءات.. وتحب أن يكون الولاء واحداً وللدولة السعودية.. وهذا ما قاله الإماراتيون للإخوان: «لا داعى للتنظيم، وخذوا كل شىء».. كما أن السعودية تحوى فى منظومتها القانونية أحكام الشريعة الإسلامية، فما الداعى لتنظيم إسلامى يغير نظام الحكم. 4 - التحالف الإخوانى القطرى الذى تعتبره السعودية مكمن خطر على الخليج كله.. لا سيما مع التحالفات القطرية الكثيرة الأخرى.. واعتقاد السعوديين أن قطر ترحب بتفكيك السعودية إلى 5 دول عن طريق «ربيع سعودى». 5 - الاعتقاد السعودى الجازم بأن مصر وجيشها هى الاحتياطى الاستراتيجى للسعودية والخليج فى معاركه القادمة مع إيران أو غيرها.. خصوصاً بعد أن خذلت أمريكا السعودية مؤخراً. 6 - صفحات «الفيس بوك» للإخوان السعوديين والمصريين وحلفائهم بعد عزل د. مرسى، تعج بالشتائم للسعودية وحكامها وتحرض على العنف فى مصر وتشجعه وتهلل له.. وهذا أخاف السعودية جداً. ■ وفى الختام ينبغى على صناع القرار الاستراتيجى فى الإخوان وغيرهم أن يقرأوا جيداً واقع الدول الملكية مثل السعودية والأردن والمغرب التى تصمت كثيراً ولا تحب الردح أو الهياج الإعلامى، ولكنها تضع آلاف السدود والخطوط الحمراء عند أى خطر يهدد أمنها القومى، ولا تتسامح مع أى أحد يقترب منها حتى لو كان حليفاً سابقاً.