مدينة أثرية تختفي تحت مياه سد تركي يعوق تدفق دجلة إلى سوريا والعراق

مدينة أثرية تختفي تحت مياه سد تركي يعوق تدفق دجلة إلى سوريا والعراق
قريبا، ستغمر بحيرة صناعية، مدينة حسن كيف التي تمتد جروفها على مئات الأمتار مثل جدار طبيعي في وجه السماء، ومعها ذكريات عشرات الآلاف من سكان هذه المدينة القديمة التي تعود إلى 12 ألف عام، وستغرق المدينة، كما العديد من القرى، بالمياه، وستنقلب حياة سكانها بسبب هذه البحيرة الصناعية التي ستنتج عن بناء سدّ إليسو المثير للجدل الذي سيحجز المياه المتدفقة في نهر دجلة إلى سوريا والعراق، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسة "فرانس برس".
ونظر "محمد" البالغ من العمر 73 عاماً، من حديقته إلى قلعة حسن كيف الرومانية، المحاطة حالياً بجدار من الحجارة البيضاء، كمن يشاهد جنازة قريب أنهكه المرض لسنوات. فقد عاش محمد كل حياته هنا وزرع أرضه على ضفاف نهر دجلة الذى يتدفق من تركيا إلى سوريا والعراق. وحصد هذا العام للمرة الأخيرة ثمار الكروم وأشجار التين، ففي أبريل المقبل، ستغرق أرضه بالكامل تحت المياه.
وفي قرية تشافوشلو المجاورة "زويك بالكردية"، تمسكت "ميسيها" البالغة 62 عاماً هي أيضاً بأراضيها. وقالت: "هذا العام، قال لنا مسؤولون لا تزرعوا أرضكم لأن المياه آتية، لكننا زرعناها على أية حال"، مؤكدةً "سنواصل الزراعة حتى النهاية".
وكل شيء يتغير أيضاً في وادي بوتان المحكوم عليه بالتحول إلى بحيرة، حيث شيدت جسور جديدة فيه فوق تلك القديمة، وأجبر خليل إرتان، 48 عاماً، على التحول من مهنة الصيد في الأنهر التي يمارسها مذ كان طفلاً إلى الصيد في البحيرة، وقال إن أسماك البحيرة أضخم، لكنها بلا طعم.
بدوره، روي "فرات"، 48 عاماً، الذي يدير فندق ساكلي بهجه "منذ سنوات، نسمع بالأمر، نشعر به لكن لا شيء يحدث. منذ سنوات، الأمر يقترب، يقولون لنا عليكم الرحيل، لكننا نعيش في حالة من عدم اليقين"، مضيفا: "لدينا حديقة قديمة هنا عمرها 60 عاماً، مليئة بالحياة والنضارة"، مؤكداً "بالنسبة لنا، هذا الشعور لا يساوي كل أموال الدنيا، لا يمكن لأي مبلغ من المال تعويضنا عن أشجار التين هذه".
ورفضت الحكومة التركية، أي انتقادات بهذا الصدد بحجة أن معظم آثار مدينة حسن كيف نقلت لمكان آمن، وأن مدينة جديدة شيدت في مكان قريب لينقل إليها سكان هذه المكان التاريخي البالغ عددهم ثلاثة آلاف نسمة. ونقلت رفات الموتى المدفونين أيضاً في مقبرة المدينة إلى المدينة الجديدة، شرط أن يطلب ذويهم ذلك.
وشاهد "فاتح" العمال وهم ينقلون رفات شقيقه الذي توفي عام 1997 عندما كان يبلغ 15 عاماً جراء سقوطه أُثناء مطاردته لطيور الحمام. ويعيش فاتح هذا الحدث كأنه مراسم دفن جديدة لشقيقه، أما "يونس"، 12 عاما، فيبحث عن رفات شقيقه الذي توفي بعد وقت قصير من ولادته عام 2016، اختفى قبره تحت الأرض لأنه لم يكن مرفقا بشاهد. ويطلب من العمال الذين جاؤوا لإخراج رفات الموتى من تحت الأرض مساعدته في العثور على قبر الرضيع. لكن يتبين بعد ذلك بقليل أن قبره سيغرق بالمياه لأن العائلة لم تقدم طلباً خاصاً بهذا الشأن، وفقا لما ذكرته "فرانس برس".