خيرى شلبى فيلسوف البسطاء.. وجبرتى القرية المصرية

كتب: أعدت الملف: إلهام زيدان

خيرى شلبى فيلسوف البسطاء.. وجبرتى القرية المصرية

خيرى شلبى فيلسوف البسطاء.. وجبرتى القرية المصرية

«بوست صغير» على موقع «فيس بوك» كتبته منذ أيام ريم خيرى شلبى، تعاتب فيه وزارة الثقافة واتحاد الكتاب، وترصد غفلة الجهتين، عن الاحتفاء اللائق بوالدها الكاتب الكبير خيرى شلبى، وهو الذى قدم على مدار حياته عشرات الأعمال المطبوعة بخلاف عمله فى عدة مؤسسات صحفية، وإلى آخر يوم من حياته، ورئاسته لتحرير سلسلة «الدراسات الشعبية» بالهيئة العامة لقصور الثقافة. «الوطن» تضم صوتها إلى صوت «ريم»، ومن خلال هذا الملف تحتفى بالمثقف الموسوعى خيرى شلبى، فى الذكرى الثامنة لرحيله، وهو الذى تمكن خلال تجربته الحياتية وثقافته المتنوعة من فهم الشخصية المصرية فى القرية وأطراف المدينة وحتى سكان القبور، ليبدع نحو 80 مؤلفاً متنوعاً بين الرواية والقصة والبورتريه، والكتابات النقدية، ومن أشهرها رواية «الوتد»، و«وكالة عطية» و«بغلة العرش» وكتابه الشهير «محاكمة طه حسين»، و«الأوباش»، بخلاف المسلسلات الإذاعية والمقالات والموضوعات الصحفية، حتى حصل على لقب «فيلسوف المهمشين»."

"الوطن" تحتفى بـ"وتد الرواية" فى الذكرى الثامنة لرحيله

 

 أكاديميون ونقاد: مثقف موسوعى.. وروائى استطاع نقل روح الريف المصرى الخالصة

أشاد أكاديميون ونقاد بأعمال الكاتب خيرى شلبى الغزيرة، التى تنوعت بين الرواية والقصة والبورتريه، والدراسات النقدية، فى المسرح والشعر وغيرها، وأكدوا أنه كان مثقفاً موسوعياً واسع الاطلاع، يتمتع بذاكرة حديدية، وأنه بذل كل حياته للكتابة والقراءة.

"عبدالحميد" يطالب "الثقافة" بمؤتمر موسع عن الكاتب الراحل

ودعا الدكتور شاكر عبدالحميد، أستاذ النقد بأكاديمية الفنون، وزير الثقافة الأسبق، وزارة الثقافة إلى تنظيم مؤتمر ثقافى كبير عن خيرى شلبى، وقال: «أرى أنه جدير بمؤتمر كبير فهو مثقف كبير ومتنوع وثرى، ولم تتم الإحاطة بإبداعاته بشكل واف من الناحية النقدية»، وأضاف «عبدالحميد»: خيرى شلبى نموذج يستحق الاحتفاء فهو من أكثر الكتاب المصريين إحاطة ومعرفة بشكل دقيق بالشخصية المصرية وبالشارع المصرى، فقدم إلينا عمال التراحيل والبسطاء بشكل تفصيلى، وبقايا المدينة وتفاصيل القرية، فقد شغله الهامش سواء الجغرافى أو الاجتماعى أو حتى الهامش الفنى، وله كتابات فى نقد المسرح، متابعاً: كما أنه متعدد الاهتمامات فى المسرح والنقد والقصة والرواية، لافتاً إلى أن «شلبى» على مستوى البورتريهات الأدبية أو الروايات والدراسات النقدية والثقافية، كان ينتقد دقائق التفاصيل.

"يوسف": تأخرت شهرته بسبب رشاد رشدى

وقال الناقد والشاعر شعبان يوسف، صاحب كتاب «خيرى شلبى فيلسوف المهمشين» الصادر عن المجلس الأعلى للثقافة: الكتاب مجموعة من البورتريهات التى كتبها خيرى شلبى فى مجلة «المسرح»، التى كان يرأس تحريرها الدكتور رشاد رشدى، رئيس أكاديمية الفنون فيما بعد، كما يضم الكتاب دراسة لى بعنوان الكتاب نفسه، ولفت «شعبان» إلى أن خيرى شلبى بدأ حياته كاتباً صحفياً، يكتب موضوعات صغيرة فى مجلة «الشهر» التى كان يرأس تحريرها سعد الدين وهبة، ثم بدأ يكتب بشكل منتظم فى مجلة «المسرح»، كما عالج عدداً من المسرحيات، وكتب عدداً كبيراً من المسلسلات للإذاعة، وذلك قبل أول رواية بكثير فقد صدرت روايته الأولى «السنيورة» عام 1971، ولم يسطع اسمه إلا فى الثمانينات، وله حديث منشور فى مجلة «فصول» يتكلم فيه بمرارة عن تأخر هذا الموضوع، وربما يرجع ذلك إلى ارتباط اسمه باسم رشاد رشدى لفترة طويلة، والأخير كان منبوذاً من الحياة الثقافية، ولذلك ظُلم فى البداية، لافتاً إلى أن خيرى شلبى مثقف وكاتب موسوعى كان يقرأ فى التاريخ والجغرافيا والفلك والفلسفة، ولذلك تمكن من كتابة البورتريهات فائقة الجمال، مشيراً إلى أن خيرى شلبى كان يكتب البورتريه كحكاية، وكان ذلك بمثابة الورشة الحكائية التى خرج منها إلى القصة والرواية، فهو معروف أنه كاتب نفسه طويل، حتى كتابته للقصة القصيرة كأنها «رواية مضغوطة»، وأضاف أيضاً، كان شلبى مثقفاً رفيع المستوى فى الشعر، ولذلك فقد أولوا له رئاسة تحرير مجلة «الشعر» وهو الروائى الوحيد الذى حدث معه ذلك، وقد كان حافظاً لأشعار فؤاد حداد عن ظهر قلب وله كتاب عنه، وآخر عن الأبنودى، وثالث عن مرسى جميل عزيز، متابعاً: وقبل أشهر من رحيله أخبرنى أنه يحتفظ لى بكرتونة من الكتب لأعمال كتاب مجهولين لم تنشر أعمالهم مرة ثانية، وهو كان محققاً للكتب القديمة، وقد اكتشف وجود نص مسرحى لمصطفى كامل مثلاً، وغيرها من النصوص التى لم يسلط عليها الضوء.

الدكتورة أمانى فؤاد، أستاذة النقد بأكاديمية الفنون، اعتبرت أن خيرى شلبى استطاع بعصامية شديدة أن يعلم نفسه ويثقفها فى مجالات فنية متنوعة، وليس فقط السرد والكتابة، لكن أيضاً الموسيقى، خاصة الشرقية، وله قراءات متنوعة للأدب العالمى، وهذا أعطاه فرصة للعب فى تقنيات الرواية والسرد، يكون مواكباً لتقنيات الرواية والواقعية السحرية، لكن بالثقافة والموروث المصرى، فهو قدم السرد على لسان حمار أو كلب أو سمكة، وأعطاه نوعاً من الفنتازيا، التى اطلع عليها فى الكتابات العالمية لكنها صبغها بالتراث المصرى، وهذا إجادة للروائى تؤكد إحساسه بالابتكار، كما استطاع مثلاً فى رواية مثل «اسطاسية» أن يعمل تضفيراً للموروثات المصرية الفرعونية والقبطية والإسلامية معاً، فى دراما لبشر يعيشون فى بقعة جغرافية واحدة هى الريف المصرى، لكن بينهم كل الصراعات البشرية التى تحمل دلالات عنصرية وعصبية، وأشارت «فؤاد»: على المستوى الشخصى كان خيرى شلبى إنساناً شديد العذوبة، وعفيف النفس، وغزير الإنتاج ولديه قدرة كبيرة على الملاحظة، ولديه القدرة على تخزين تفاصيل كثيرة عن الشخصيات، كما كان يمنح الشخصيات بروائح، ويربطها أحياناً بالموسيقى فكان عنده نوع من المنظومة، أو يمكن أن نسميه «تراسل الحواس فى وصف البشر»، يستطيع أن يخلق نماذج مصرية أقرب ما تكون إلى الهوية المصرية، مثلما رأينا شخصية فاطمة تعلبة فى «الوتد».

ولفت الدكتور عزوز إسماعيل، أستاذ النقد الأدبى، إلى أن خيرى مبدع كبير وإنسان مصرى جميل، وهو من ساردى مصر الكبار «نجيب محفوظ نقل عالم المدينة وحوارى وأزقة ومقاهى القاهرة، وخيرى شلبى نقل هامش المدينة وأطرافها والقرى وتفاصيلها، فهناك مجموعة من السمات التى يختص بها أدبه، فهو من أفضل الكتاب الذين استطاعوا أن يلتقطوا روح الريف المصرى الخالصة، بكل معاناتها، وإحساسها بضيق الحال وبكل موروثاتها الفولكلورية، وصبرها واحتمالها لمتغيرات الحياة وكذلك بكل أساطيرها، كما نجد فى أعماله المهن بمسمياتها، فتظهر شخصياته النمطية من أصحاب المهن والحرف كالخياط، والجزمجى، والطرشجى، الحلوجى وغيرها».

وتحدث نقاد فنيون عن أعمال الكاتب الكبير خيرى شلبى، التى قدمت للسينما والدراما، مؤكدين أنها عدد قليل قياساً لمجمل الأعمال الإبداعية للكاتب الكبير، وأن الدراما لم توظف أعماله الأدبية بشكل كبير إلى الآن، رغم ثراء معظم هذه الأعمال بالأحداث والشخصيات والموضوعات الدرامية وقابليتها للتقديم بمعالجات مختلفة.

وقال الناقد محمود عبدالشكور: خيرى شلبى روائى كبير ولديه الكثير مما يمكن أن تقدمه السينما، وإن كانت قد قدمت له بعض الأعمال، مثل فيلم «سارق الفرح» لداوود عبدالسيد، وهى تجربة جديدة ومهمة، لافتاً إلى أن الكثير من رواياته المهمة مثل «وكالة عطية» وغيرها، من الممكن أن تتحول إلى أعمال سينمائية جيدة، وتابع «عبدالشكور»: وتليفزيونياً تم تقديم «وكالة عطية» للمخرج رأفت الميهى، وكان مسلسلاً مهماً، لكنه ليس الأفضل، و«الوتد» للمخرج أحمد النحاس كان مسلسلاً مهماً وجيداً، وهدى سلطان قدمت أحد أفضل أدوارها، وهذا أيضاً يؤكد أن أعمال خيرى شلبى غنية بالشخصيات وبالأماكن والأحداث التى تصلح للسينما والدراما.

"الروبى": أعماله تصلح للسينما والتليفزيون والإذاعة فى أى وقت.. وجميعها ثرية بالتفاصيل

واعتبر الناقد محمد الروبى أن أعمال خيرى شلبى من أفضل الأعمال التى يصلح تقديمها للسينما أو الدراما أو التليفزيون أو الإذاعة، وبلا استثناء، خاصة أنها أعمال ثرية بالتفاصيل سواء من ناحية الشخصيات، وموضوعاتها درامية وأحداثها متتالية، وأرجع «الروبى» الأمر إلى ما سماه بتراخى و«كسل» صناع الدراما. 

ابنة الروائى: والدى لم ينقطع عن الكتابة حتى آخر يوم فى عمره ويستحق قلادة النيل

فى ذكرى رحيله الثامنة وجهت ريم، ابنة الكاتب الكبير خيرى شلبى، نداء إلى وزارة الثقافة، عبرت فيها عن استيائها مما سمته بـ«تجاهل خيرى شلبى»، مؤكدة أنه على مدار السنوات الماضية وتعاقب الوزراء على الوزارة لم يتم تنظيم احتفاء لائق للكاتب الراحل، الذى لم يتوقف عن العطاء إلى آخر يوم فى عمره. وكشفت «ريم» فى حوارها مع «الوطن» عن ملامح من حياة خيرى شلبى الأب، وميراث الأشقاء من الأب المبدع، كما تحدثت عن الكاتب كزوج وعلاقته الخاصة بالأم وعلاقته بالأصدقاء، كما ذكرت أبرز الطقوس الخاصة بخيرى شلبى فى القراءة والكتابة.

 

كيف تحتفى الأسرة بالوالد خيرى شلبى؟

- كانت والدتى والأسرة مواظبة لعدة سنوات على إحياء ذكرى والدى فى البلد بكفر الشيخ، إلا أنها مؤخراً أجرت عملية جراحية، فأصبحت تكلف أحد أخوالى بالقيام بالمهمة نيابة عنها، أما نحن فلا تغيب عنا ذكراه طوال الوقت، وعند تنظيم أى احتفالية من أى جهة نشارك فيها سواء كانت فى مكتبة أو مؤسسة ثقافية.

ماذا يوجد لدى الأسرة من تراث الكاتب الكبير؟

- المكتبة موجودة كما هى كجزء من أثاث البيت، الذى ما زالت تقيم فيه والدتى، والمكتبة ممتدة بعرض جدران الحوائط، وجميعنا (زين وإسلام وإيمان وأنا) أبناء خيرى شلبى فى مجال الكتابة والثقافة والإعلام، فهى ليست مجرد زينة، بل نحن طوال عمرنا نرى المكتبة كجزء من جدران البيت، وحتى عندما انتقلنا معه للشقة الأخيرة بالمعادى كان عامل حسابه أن يكون للمكتبة مكانها الخاص الممتد بطول الجدران، فحوائط البيت بأكمله أرفف وعليها كتب، فمن الصعب وجود حائط بلا أرفف فى بيت بابا، ولذلك ليس فى نيتنا الاستغناء عنها، وما زالت كل أوراق بابا والكرسى الذى كان يجلس عليه، كما تركها، وسنحاول الإبقاء عليها بهذا الشكل طوال العمر.

ألم يوص الأستاذ خيرى بالتصرف بأى شكل فى هذه الكتب؟

- لم يحدث، وأذكر أنه فى إحدى المرات فرز الكتب وأخرج منها كمية كبيرة (نحو سيارة من الكتب) تم نقلها وتوزيعها على أهل البلد.

هل فى نية الأسرة تحويل البيت إلى متحف؟

- فكرة المتحف للمبدع ليست مسئولية أسرته، خاصة أن لديه زوجة وأولاداً وأحفاداً، والحياة مستمرة فى البيت، فمن العيب على وزارة الثقافة أن تقوم بذلك أسرة الكاتب أو الفنان، كون وزارة الثقافة من المفترض أنها الجهة المختصة بذلك، وفى حال تفكير الوزارة فى تفعيل هذه الخطوة فإننا سنرحب ونبادر بالتبرع بمقتنيات خيرى شلبى.

قلت إن وزارة الثقافة واتحاد الكتاب يتجاهلان كل عام ذكرى خيرى شلبى.. ألم يحدث على مدار السنوات الماضية أى احتفاء من الجهتين بالكاتب؟

- منذ رحيل والدى فى 2011، كنت أنا وأشقائى نتواصل مع جهات ثقافية بعيدة عن الجهتين المذكورتين للاحتفاء بالوالد، وحتى فى ندوات معرض الكتاب لم يتم تخصيص ندوة من هيئة الكتاب، رغم أن ذكرى ميلاد بابا فى 31 يناير، أى وقت تنظيم المعرض، فقط فى العام الذى توفى فيه بابا نظمت ندوة بمبادرة شخصية منى وبالتواصل مع الكاتب شعبان يوسف، لكن لم تبادر الهيئة أيضاً بطباعة أى من أعماله، ولا حتى إطلاق اسمه على قاعات المعرض، أو أى شىء من هذا القبيل، وكأن خيرى شلبى لم يكن موجوداً من قبل، رغم أنه كتب نحو 80 كتاباً متنوعاً بين التأريخ والنقد والأدب والمسرح، وكان عضواً بلجان المجلس الأعلى للثقافة، وظل إلى آخر أيام حياته يعمل فى الهيئة العامة لقصور الثقافة، ويكتب فى الصحف إلى آخر يوم من عمره، وكان من المفترض أن يكون هناك إدارة مختصة للاحتفاء بكبار الكتاب أمثال خيرى شلبى، والأغرب أن اتحاد الكتاب أيضاً لم يبادر بتنظيم أى فعالية لها علاقة باسم بابا، رغم أنه كان عضواً بعدد من اللجان وبلجان جوائز الدولة، يحدث هذا رغم أن عدداً كبيراً من الجهات فى البلاد الأجنبية تتواصل معنا من أجل ترجمة أعماله، فقط دار الشروق تلتزم بطباعة أعماله حيث ما زلنا نجدد العقد المبرم مع والدى.

"التنسيق الحضارى" لم يهتم بوضع لافتة «عاش هنا» على بيتنا الذى يعرفه الجميع

ألم يضع جهاز التنسيق الحضارى لافتة «عاش هنا» على بيتكم؟

- لا لم يحدث، وتحدثت فى ذلك عدة مرات، رغم أن بيت خيرى شلبى معروف للكثيرين، خاصة أن بيتنا فى السنوات العشر السابقة لرحيل بابا كان يستقبل فيه كل الناس، وأنا وإخوتى نعمل فى مجال الثقافة والفنون.

ما تفسيرك لما يحدث؟

- تقصير من القائمين على هذه الجهات، وتقصير من كل كاتب عاصر خيرى شلبى ولم يذكر الناس به، ولم يطالب بالاحتفاء به، فهو الذى لم يكن يفوته الاحتفاء بالكبار والصغار بل كان يوفى كل كاتب حقه، ويكتب نداءات للمسئولين للاهتمام بأى كاتب لم يحصل على حقه، وللعلم فنحن كأسرة فى غنى عن مثل هذه الاحتفاءات، لكنه حق الناس أن تعرف من هؤلاء الذى كتبوا وبحثوا وأفنوا أعمارهم فى الإبداع، وما أتحدث عنه هو مقاومة كارثة الإهمال، فأنا أبذل جهداً كبيراً للاحتفاء بوالدى فى ذكرى رحيله أو ميلاده، فى عدة مكتبات، منها مكتبة مصر العامة، وقبلها أدعو أبناء الوسط الثقافى، لكن معظمهم يخذلنى ويفضل الجلوس على مقهى فى وسط البلد، مع أن معظمهم كانوا تلامذة له فى يوم من الأيام.

هل تم تناول أعماله نقدياً بشكل لائق؟

- من حين لآخر أجد جهوداً مبذولة من الدارسين فى عمل دراسات علمية متخصصة، لكن لا يتم طبعها ونشرها، فلا يعرفها أحد، وأنا أساعد من يستعين بى بكل جهدى، سواء من يطلب معلومات أو كتباً أو خلافه، لكن البعض فعلاً تقابله مشكلة عدم توافر الأعمال بشكل كامل فى المكتبات، وأحياناً يكون عندى نسخة واحدة من بعض الكتب فأصورها للناس بالموبايل، أما ما استطعت عمله مؤخراً فهو إعداد كتاب جديد عنه بمشاركة الكاتب وفيق صفوت مختار «خيرى شلبى الكاتب والإنسان» سيصدر عن دار أطلس، فى معرض الكتاب 2020.

ما التكريم اللائق فى رأيك بأستاذنا؟

- جائزة قلادة النيل يستحقها والدى ولم يحصل عليها، وأرى أنه من اللائق أن يطلق اسمه على أى موقع ثقافى تابع للوزارة، أو على الشارع الذى عاش فيه، ويتم عمل فيلم تسجيلى لائق عنه، والتكريم الأكبر بإعادة طباعة أعماله وتقديمها للأجيال الحالية، وأن يتم تدريسها فى المدارس والجامعات، وأن تتاح بأسعار رمزية.

كيف كانت علاقة خيرى شلبى الأب بك؟

- كنا نجاهد فى البداية لتقبل بعضنا البعض! بسبب أن والدى اتفق مع ماما أن تؤخر الإنجاب، إلا أن ماما لم تلتزم بهذا الاتفاق، وأخفت عنه متاعبها من تبعات الحمل، وحتى بعد مجيئى إلى الدنيا، كانت أمى تبعدنى عنه، حتى لا تعطله عن الكتابة، وفى سنى طفولتى الأولى، ورغم أن بابا كان وقتها صحفياً، وهى مهنة تأخذ الأب، إلا أنى حاولت إيجاد مداخل إليه وكونت علاقتى الخاصة به، وبالفعل تعرفت على مواعيد عودته من الشغل، خاصة بعد أن تعلمت تدليك قدميه اللتين تؤلمانه بسبب الأملاح طوال الوقت، وهكذا أصبح لى دور مهم فى حياتى، ومن هنا بدأ ارتباطه الحميم بى، وأصبحنا أصدقاء فكنت أقلده فى القراءة والكتابة ومع الوقت لأنى الكبرى، أصبحت كأنى أخت صغرى لأمى وأبى، لقد كان أبى طفلاً كبيراً لا يحمل ضغينة لأحد.

كان طفلاً كبيراً ولم يحمل ضغينة لأحد وأمى كرست كل وقتها له

كيف كانت علاقته بوالدتك؟

- أمى قريبة لأبى، وكانا فى البداية كأى زوجين تقليديين، وكانت أمى الزوجة الوحيدة فى حياته، واستمر زواجهما نحو 40 سنة، وكان لديها إصرار على نجاح هذه الأسرة، فكانت تعتبر بابا أحد أبنائها، بل أهم أولادها فكانت تنظم له حياته بشكل خرافى، فوق قدرات أى امرأة، على مدار الـ24 ساعة، فكانت مثلاً تصلى الفجر ثم تعد له كوب اللبن مع ملعقة العسل، وتنتقى له أفضل ثمرات الفاكهة، وتحرص على تجهيز كل ما يخصه من طقوس، سواء المرتبط بالكتابة أو بحياته الخاصة، حتى إنها كانت تشجعه على الكتابة عندما يتكاسل، وفى الفترة الأخيرة كانت ترسل المقال بنفسها بالفاكس لجهة النشر، وهو كان مقدراً لهذا المجهود، حتى إنها حين أصابتها أزمة صحية كان مرعوباً على حياتها، وكان يقول لها: إوعى تعمليها قبلى!.

ماذا ورثت؟ وماذا تعلمت من الأستاذ؟

- علمنا جميعاً الغيرة على البلد وتراثها، وأنا أكتب شعراً وقصة وعضو اتحاد الكتاب وأقوم بإعداد برامج، لكن لا أمتلك ربع موهبته، زين شقيقى صحفى فى الأهرام، وهو موهبة فذة فى الشعر ويكتب القصة والسيناريو، وهو امتداد لوالدى، لكنه غير اجتماعى، وإسلام مخرج سينما ودراما، وإيمان ممثلة ومخرجة فى التليفزيون.

ما الطقوس الخاصة به خلال الكتابة والقراءة؟

- يقرأ على مدار اليوم وفى كل مكان، حتى وهو فى الحمام، وساعة الكتابة ينعزل، وهى عزلة لا تعنى إغلاق الباب على نفسه، بل تعنى الانفصال عن المحيطين به، وكأنه لا يشعر بوجودهم، وحين ينتهى من كتابة نص أو مقال نجده يخرج علينا يغنى أو يقول لنا نكتة، ولم يكن له موعد معين فى الكتابة، كان يحمل باستمرار حقيبة بها أوراق وأقلام ووقتما تلح الكتابة يكتب فى أى مكان، وعرفت عنه حكاية الكتابة فى المقابر، كتب أكثر من رواية هناك.

ريم خيرى: أشعر بتقصير تلاميذه.. وهذه قصته مع المقابر وعم أحمد السماك 

كيف بدأ معه هذا الموضوع؟

- فى إحدى المرات تعطلت سيارته بالمقابر الموجودة بالقرب من منشية ناصر، ودله البعض على ميكانيكى، فترك السيارة لدى الورشة وجلس على كرسى بقهوة هناك فى انتظار إصلاحها، وواتته أفكار للكتابة، فبدأ وانهمك فى الكتابة، ولم يقاطعه أحد من المحيطين إلى أن انتهى، وكان راضياً عما كتب يومها، وشجعوه على زيارتهم، وعرف الناس وقتها أنه صحفى، فبدأوا يحكون له حكاياتهم، وتعرف على عالمهم، وبعدها استأجر مكاناً بالمقابر للكتابة، حتى إن بعض الأصدقاء زاروه فى هذا المكان، واستلهم من المكان شخصية «عم أحمد السماك» واستوحى من قصة حياته ثلاثية الأمالى، وكتاب «ناس فى الأدمغة».


مواضيع متعلقة