بالفيديو.. قرية في البدرشين تطلق حملة لـ"تطهير المقابر"

كتب: سارة صلاح

بالفيديو.. قرية في البدرشين تطلق حملة لـ"تطهير المقابر"

بالفيديو.. قرية في البدرشين تطلق حملة لـ"تطهير المقابر"

تزايد المشكلات الاجتماعية بقرية أبو صير التابعة لمركز البدرشين وتعددها، ما بين خلافات أسرية، ومحاولات انتحار لشباب، وشكاوى بعض الأسر من «وقف حال بناتهم»، مظاهر عديدة لم يجد الأهالى تفسيراً لها، حسب حديثهم معنا، سوى ما تشهده المقابر من «أعمال سُفلية» هدفها الإيذاء وإيقاع الضرر، ما دفع بعض شباب القرية إلى التفكير فى تأسيس حملة شعبية لتنظيف المقابر وتطهير منطقة الجبَّانات.

الشباب بدأوا الالتفات إلى الظاهرة، بعدما لاحظوا تردد السيدات كثيراً عليها على غير عاداتهن، ورغم أن فكرتهم فى البداية لم تلق استحسان بعض الأهالى الذين ظنوا أن وجود «الأعمال» مجرد «تخاريف»، إلا أن هذه الأفكار تبددت بظهور فيديوهات بثها الشباب على «فيس بوك» لما عثروا عليه أثناء تنظيف المقابر، ما أسهم فى توسيع دائرة المشاركة فى تنظيف المقابر الذى بات يجرى أسبوعياً بمبادرة ذاتية من الأهالى.

أهالى "أبوصير" يواجهون مشاكل بناتهم وأولادهم بالبحث عن "سحر الجبّانات" والتخلص منه

«الوطن» رافقت أبناء القرية، أثناء إحدى حملاتهم لتنظيف المقابر وتطهيرها، ورصدت طرق بحثهم وتنقيبهم عن «الأحجبة» و«الأتر» المدفونة فيها، كما استمعت لحكايات بعض الأهالى الذين أشادوا بالمبادرة بعدما طالهم الأذى خلال السنوات الأخيرة دون أسباب واضحة.

حصيلة حملات التطهير: "طلاسم وقطع ملابس ممزقة وبقايا أظافر وشعر"

منذ 3 أعوام تعيش قرية أبوصير، التابعة لمركز البدرشين بالجيزة، سيرة رجل يمارس أعمال الدجل والشعوذة، متخذاً من مسكنه مكاناً لتحضير تلك الأعمال السحرية وتسليمها لطالبيها الذين يقصدونه من مختلف القرى والمراكز، معتقدين فى قدرته على تسخير الجن وتلبية رغباتهم أياً كانت، وفى المقابل يعتمد هو الآخر على جهلهم لتحقيق مكاسب مالية، وبعدما أن طال الأذى أهالى القرية فى البحث عن دليل يدينه، فما كان أمامهم سوى المقابر التى كانت وجهة كل زواره، حتى وجدوا فيها مرادهم، فهناك عشرات الأحجبة مدفونة داخلها ومدون عليها «طلاسم» غير مفهومة، وكانت دليلاً كافياً لإبلاغ الشرطة عنه لتلقى القبض عليه، حينها ظن الأهالى أنهم بعد حبس الدجال تخلصوا من شره، لكن فى الأشهر الأخيرة بدت الأوضاع داخل القرية غير مستقرة، وكثرت المشكلات بها، الأمر الذى دفع بعض شباب القرية إلى تدشين حملة لتنظيف مقابرهم مجدداً، وبشكل شبه دورى.

عقب صلاة العصر، تجمع بعض شباب ورجال القرية كعادتهم كل جمعة، أمام مسجد الشيخ «أبوعطية»، ومعهم أدواتهم البسيطة التى يستخدمونها للتنقيب عن الأعمال السحرية، وحينما أشارت عقارب الساعة للرابعة عصراً، تحرك نحو 30 شخصاً من رجال وشباب وأطفال القرية معاً ناحية الجبل، حيث تقع مقابرهم، ليبدأو مهمتهم الشاقة التى اعتادوها منذ 3 أسابيع، مقسمين العمل بينهم إلى مجموعات، كل مجموعة منهم مكونة من 3 لـ4 أفراد مسئولين عن تنظيف جزء من المقابر والتأكد من خلوه من أى عمل مدفون فيها.

بمجرد وصولهم للمقابر التى تبتعد أمتاراً قليلة عن مساكنهم، اتجه كل فريق منهم لهدفه، مرتدين «كمامات» تحميهم من الأتربة والرمال التى تتناثر من وقت إلى آخر، فعلى يمين إحدى المقابر التى تحمل اسم عائلة شهيرة بالقرية، جلس «حازم غنيم»، صاحب الحملة وأحد شباب القرية، القرفصاء، ممسكاً فى يده «مسطرين» يساعده فى الحفر، يحكى بداية فكرته التى لم تلق استحسان الأهالى فى بدايتها، ظناً منهم أنها مجرد «تخاريف»: «فيه ناس ما كانتش بتصدق إن فيه حاجة اسمها سحر، وفيه اللى كان خايف يطلع معانا ليلمسه جن، حتى شيوخ القرية لما اقترحنا عليهم فكرتنا قالوا لنا حرام عليكم هتؤذوا نفسكم»، لكن «غنيم» لم يبال حينها بما قاله شيوخ قريته، واتفق مع بعض جيرانه على تنظيفها بأنفسهم، فكان كلما مد يده ناحية أى مقبرة يعثر فيها على أعمال سحرية، وملابس مكتوب عليها أسماء أشخاص من القرية، ليجمع فى المرة الأولى أكثر من 40 عملاً مختلفاً: «كنا شايفين إننا بنعمل خير واللى معاه ربنا ما بيخافش، بقينا نحفر جنب أى مقبرة، لأننا ما كناش نعرف الأماكن فين بالظبط، لحد ما طلعنا أعمال كتيرة، وبدأنا نفكها بنفسنا فى ميه وملح».

بث "تنظيف المقابر" على "فيس بوك" وإفساد "الأعمال" بـ"تلاوة المعوذتين وآيات قرآنية" ورش "ماء ورد وشبة وماء بملح"

كان «غنيم» وزملاؤه أثناء عملهم يبثون فيديو مباشراً لما يعثرون عليه من أحجبة، على صفحة «الفيس بوك» الخاصة بالقرية، ليفاجأ بوجود تفاعل كبير من الأهالى، ورغبة بعضهم فى المشاركة معه، ما دفعه إلى تأسيس حملة ودعوتهم إلى تنظيف المقابر من «الأسحار» التى تلجأ إليها بعض سيدات القرية اعتقاداً منهن أنها السبيل الوحيد لحل مشكلاتهن: «كنت مبسوط من رد فعل الناس، ومن وقتها بدأنا نتجمع ونطلع كلنا كل جمعة ننضف المقابر من الأعمال اللى فيها».

"غنيم": التطهير لم يلق استحسان الأهالى فى البداية.. والبعض كان خائفاً من الجن

يقطع حديث «غنيم» نداء أحد الشباب عليه: «تعالى لقينا لبس مقطع مدفون جوه مقبرة»، لينتفض «غنيم» من مكانه، مسرعاً نحو الشباب الذين التفوا حول ما وجدوه، قائلاً لهم بصوت عال: «محدش يلمس حاجة»، ثم أخرج من جيبه «جوانتى» ليرتديه فى يديه وبدأ فى فحص ما عثروا عليه، ليكتشف أنها ملابس داخلية ممزقة لفتاة من بنات القرية مكتوب عليها باللون الأحمر طلاسم غير مفهومة هدفها الإبعاد بينها وبين زوجها، ما تسبب فى غضب واستياء الحاضرين، مرددين بنبرات حزينة: «حسبى الله ونعم الوكيل فى كل اللى بيحاول يؤذى الناس»، ثم عادوا مرة أخرى إلى عملهم.

لم تكن الحملة مقتصرة على رجال القرية وحدهم، وإنما حرص بعض الأطفال على الوجود مع أسرهم إما للعب وسط الجبال أو لتقديم المساعدات لهم، كما فعل «محمد» الذى كان يجوب بين طرقات المقابر، حاملاً فوق ظهره «كولمان» صغيراً، وفى يديه أكواب بلاستيكية، ليروى ظمأهم، دون أن يبالى بدرجات الحرارة المرتفعة، ومعه شقيقه الأصغر الذى لا يتعدى عمره الـ7 سنوات، يناديان بصوت مرتفع: «يلا اللى عايز يبل ريقه.. ميه ساقعة يا شباب»، حيث كان الطفل الصغير الذى يدرس بالمرحلة الابتدائية يرغب فى المشاركة فى الحملة منذ بدء تنفيذها، لكن بسبب صغر سنه رفض والده ذلك، وفقاً لكلامه: «كان نفسى أحفر معاهم وأخلص بلدنا من الشر اللى فيها، لكن أبويا قال لى انت لسه صغير وممكن تتأذى، فبقيت أخلى أمى تسقع ميه وآخدها لأعضاء الحملة يشربوا منها عشان أخفف عنهم».

وعلى بعد خطوات من أحد المدافن، وقف الشيخ «صابر»، معالج بالقرآن الكريم، ومن أهالى القرية مرتدياً عباءته البيضاء، يشرف على الخطوات التى يتبعها الشباب أثناء بحثهم عن الأحجبة و«الأتر» المدفونة، ويقدم لهم بعض النصائح من وقت لآخر، خوفاً أن يمسهم أى ضرر فيما بعد، يقول إن أغلب الأعمال الترابية تدفن على يمين المقبرة، إذ يقوم صاحب العمل بحفر بقعة صغيرة لا يتعدى عمقها 30 سنتيمتراً، ودفن الحجاب فيها ثم ردمها مرة أخرى، اعتقاداً منه أنها ستصبح بذلك أشد وأقوى تأثيراً، وفقاً لكلامه: «اللى بيعمل الأعمال دى معتقداتهم الدينية بتكون ضعيفة، فيلجأوا للدجالين لحل مشكلاتهم، أو ليلحقوا الأذى بغيرهم، وبييجوا هنا فى المقابر ويدفونها لأنها بتكون بعيدة عن أعين الناس ويصعب فكها».

«خلى بالك ما تمسكش الأحجبة فى إيدك.. اللى تطلعه حطه على طول فى الشنطة».. جملة وجهها «صابر» لأحد شباب القرية، بعدما مد يده إلى إحدى المقابر، فأخرج منها نحو 5 أعمال سحرية، من بينها عمل مدفون داخل عظام لأحد الموتى، مبرراً ذلك بأن: «الأعمال المفروض ما تلمسش اليد لمدة طويلة لأنها لو عرقت فى إيده ممكن يتأذى»، يصمت «صابر» ثوانى قبل أن يعود بالزمان إلى الخلف، متذكراً دوره فى علاج بعض الحالات التى كانت تأتى إليه بعدما ضاقت الدنيا عليهم دون أسباب واضحة، ليتلو عليهم بعض الآيات القرانية ويحصنهم بالرقية الشرعية، بجانب إعطائهم بعض النصائح التى تساعدهم على عودة حياتهم كما كانت من قبل: «عشان أبطل أى سحر لازم أعرف هو معمول إزاى، ولو ما وصلتش للعمل نفسه وأبطلته، بكتفى بالرقية الشرعية للمسحور، وبكتب له آيات يواظب عليها يومياً لحد ما حياته ترجع مستقرة».

أعمال عديدة عثر عليها «صابر» وشباب القرية خلال رحلة بحثهم، تعددت أغراضها وأنواعها، فمنها ما كان سحراً عادياً لجلب الحبيب أو لتعجيل زواج، ومنها أسحار سفلية أو «سحر أسود» كما يسمونه، الذى يعد أخطر أنواع السحر وأكثرها ضرراً، على حد قول «صابر»، حيث يقوم الدجال بأمر صاحب العمل بإحضار شىء من رائحة الشخص المراد سحره، مثل جزء من شعره أو أظافره أو قطعة من ملابسه، وبعد أن يُحضرها يقرأ عليها تعويذات لاستحضار جان يحدد له طابع المسحور، ثم يختار بعد ذلك مادة السحر سواء «الأتر» نفسه أو قطعة قماش عادية، ليكتب عليها بعض الطلاسم التى تساعده فى تسخير الجن لخدمته، فكلما كان «الساحر» متشدداً فى «كفره» وضلاله كان العمل أكثر تأثيراً: «الساحر قبل ما يبدأ فى تحضير العمل بيقيس طباع الشخص، من خلال اسمه واسم والدته، فكل حرف ليه رقم عنده بيجمعه وفى الآخر بيحدد طابع الشخص، ولو ترابى بيدفنه فى المقابر زى ما بيعملوا كده».

الوضوء وقراءة القرآن الكريم، هما السلاحان اللذان احتمى بهما شباب القرية أثناء إفسادهم الأعمال السحرية التى جمعوها طيلة يومهم، فقبل غروب الشمس بدقائق قليلة، جلس «صابر» ومن حوله أهالى القرية، ممسكاً فى يديه «جردلين» استعارهما من إحدى السيدات التى تسكن بالقرب من المقابر، خصص أحدهما للأعمال العادية، وآخر للسفلية التى يحتاج إفسادها «ماء ورد وشبة وماء بملح»، وبعدما انتهى من تلاوة المعوذتين وبعض الآيات القرآنية التى تبطل السحر، ارتدى صابر «جوانتى» وبدأ فى تفريغ الحقيبة التى كان بها نحو 35 عملاً عثروا عليها خلال رحلة بحثهم. «يا شباب ما حدش يفتح حاجة وابعدوا الأطفال».. كلمات رددها «صابر» كثيراً لأهالى القرية الذين كانوا يبثون فيديو مباشراً على صفحاتهم الخاصة، ثم بدأ فى فك كل عمل على حدة، وقراءة ما به بصوت عال ليحصن أصحابها أنفسهم، فكان العمل الأول الذى فتحه «صابر» مكتوباً على «قميص نوم» لزوجة من أهالى القرية، بهدف التفريق بينها وبين زوجها، وآخر فعله أحد أبناء القرية لنفسه لجذب الفتيات له وإيقاعهن فى حبه، بحسب ما رواه صابر، الذى أكد أنها المرة الثالثة التى يجد فيها العمل نفسه، وثالثاً كان الغرض منه إصابة إحدى سيدات القرية بالعقم، مدون به تاريخ تجهيزه، الذى يشير إلى حداثته، وغيرها من الأعمال التى عثروا عليها، ليوصى «صابر» قبل أن يلقى ما جمعه فى مياه الترعة بتحصين الأهالى لأنفسهم ولأبنائهم حتى لا تؤثر فيهم أفعال الشياطين التى كثرت مؤخراً فى قريتهم، على حد تعبيره.

أقرا أيضًا:

الأهالى: "بيوت كتير اتخربت.. وأملنا فى مبادرة تطهير المقابر"

أستاذ عقيدة: الشعوذة تُخرج المسلم من دائرة الإيمان


مواضيع متعلقة