مُحدثو التصوف
- الأسبوع الماضى
- التواصل الاجتماعى
- الحب الحقيقى
- جلال الدين الرومى
- جهاز الكمبيوتر
- حسن الشاذلى
- ساعة ذهب
- شبكة الإنترنت
- فى مصر
- قواعد العشق الأربعون
- الأسبوع الماضى
- التواصل الاجتماعى
- الحب الحقيقى
- جلال الدين الرومى
- جهاز الكمبيوتر
- حسن الشاذلى
- ساعة ذهب
- شبكة الإنترنت
- فى مصر
- قواعد العشق الأربعون
عرفت مولانا جلال الدين الرومى وشمسه التبريزى قبل أن تصدر أليف شافاك روايتها ذائعة الصيت «قواعد العشق الأربعون» بسنوات طويلة، لذا فلم تترك قراءة الرواية أثراً عظيماً فى نفسى كهذا الذى تركته فى نفوس كثير ممن كانت الرواية أولى تجاربهم فى معرفة الرجلين والاطلاع على قيم الحب الصوفى وآدابه.
وسلكت بخليط من الحب والرهبة دروب الحلاج وابن عربى وابن عطاء الله وابن الفارض، وتتبعت سيرة مولانا أبى الحسن الشاذلى وغيره من أقطاب التصوف رفقة شيخى المجدد زكى الدين إبراهيم الذى كان الجلوس فى حضرته ولوجاً لطيفاً فى آفاق الصوفية الرحبة، لذا فقد صدمتنى موجة المتصوفة الجدد أو «محدثى التصوف» التى ظهرت بعد ترجمة الرواية للعربية وشيوعها فى مصر.
أقول هذا ولا أزكى نفسى أبداً -لا سمح الله- فقد كنت وما زلت وسأبقى تلميذاً يتلمس طريقه، حاملاً على ظهره ما ينوء به من الخطايا والذنوب، لكنه فى الوقت ذاته يثق فى لطف الله ورحمته التى وسعت كل شىء.
غير أن ما دفعنى للكتابة على هذا النحو هو موجة «المتصوفين الجدد» أو «محدثى التصوف» كما قلت، الذين باتوا يزينون صفحاتهم على منصات التواصل الاجتماعى بعبارات أكاد أجزم بأنهم لا يستطيعون نطقها نطقاً صحيحاً ولا يعرفون كنهها على النحو السليم، وكأن التصوف أو ادعاء التصوف بالأحرى قد أصبح موضة يتسابقون فى إظهار مواكبتها.
فى الأسبوع الماضى جمعتنى الصدفة بثلاث شخصيات؛ رجل وامرأتين، لا يعرف أى منهم الآخر، وثلاثتهم أدخلونى رغما عنى فى حديث عن التصوف وجماله «آه والله وجماله».
فأما الرجل فلم يقطع حديثه عن التصوف الذى بدا وكأنه أحد أقطابه طوال جلستنا، وحرص حسب تعبيره على أن يأخذنى فى رحلة سريعة إلى عالم التصوف، وكان زاده فى تلك الرحلة هو ما قرأه فى الرواية وفقط.
حسناً لا بأس فقد علمنى شيخى ألا أستصغر أحداً «فرب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره»، لكنه لم يكن أشعث ولا أغبر، ولا هو من المدفوعين بالأبواب فهو رجل ثرى تزين معصمه ساعة ذهبية مرصعة بالألماس وبنصراه محشوران فى خاتمين يقول إنهما من الفضة مزينين بحجرين من العقيق الأحمر والأزرق.
مرة أخرى لا بأس فقد كان «الشاذلى» رجلاً أنيقاً لا يخفى ما أنعم الله عليه به من نعم، لكن الرجل كان يتحدث بمنتهى الحماس عن شىء لا يعرفه ولا يشعر به، فقط يتقدم على طريق الموضة ويردد ما يسمعه وينقل ما قرأه عن آخر صيحة ظهرت فى صفوف من يقدمون أنفسهم كمثقفين.
أما السيدتان فيكفينى مراجعة ما تكتبانه بانتظام على صفحاتهما لأدرك أنهما بعيدتان كل البعد عن روح التصوف والطريق الذى يعبده الحب ويضيئه التسامح وينزع الشوك منه التواضع والإيثار.
كتبت إحداهما ذات مرة عبارة غلفتها بقدر عظيم من التقدير وقالت إنها لأحد كبار المتصوفة وذكرت اسمه، أربكتنى صياغة العبارة فهى على الرغم من تماسكها النظرى بدت وكأنها غريبة عن مفردات من ذكرت أنها منسوبة له، فرحت أفتش فيما كتب الرجل فى كتابه الجامع، فعثرت على المعنى بصياغة مغايرة لكنها أكثر تماسكاً وتستقيم مع ما نحته الرجل من مفردات، وما أرساه من قواعد، فعدت إلى جهاز الكمبيوتر وكتبت العبارة بصياغتها الصحيحة فعثرت على نتائج قليلة، وعندما أعدت كتابتها بالصياغة التى نقلتها السيدة على صفحتها وجدتها الأكثر شيوعاً.
آه هنا بيت الداء فهؤلاء وكعادة كثيرين الآن لا يعرفون للقراءة طريقاً إلا أزرار لوحة المفاتيح، ولا يسلكون للمعرفة سبيلاً إلا «ويكيبيديا» وما تلقيه فى وجوهنا من معلومات مشوهة أو ناقصة أو غير دقيقة.
وقد نقلت العبارة كما شاعت على شبكة الإنترنت، ولأنها لا تبحث إلا عن مواكبة الموضة فقد نقلتها على صفحتها لتنال بعدها مئات التعليقات وعلامات الإعجاب والمشاركة لتدور تروس الجهل.
وأما السيدة الأخرى فقد بدت حريصة فى الشهور الأخيرة على أن تزين أصابعها بمسبحة زرقاء من الحجر، وتضع فى معصمها مسبحة خشبية تقول إنها اشترتها من مكة، ليكون الحديث عن المسبحتين بوابة الدخول إلى حديثها الساذج عن التصوف والمتصوفة والحب.
سامحونى إن أخذتكم معى فى تلك الجولة السريعة مع ثلاثة نماذج من محدثى التصوف، ولأننى تعلمت ألا أصدر أحكاماً على أحد ولا أقيِّم سلوك أحد، فإننى أتمنى أن تكون ملاحظاتى فى غير محلها وأرجو أن يأخذ الظاهر بسلوك الثلاثة إلى باطن الحب الحقيقى الذى به تستقيم الحياة وتصبح أفضل