«الوطن» ترصد معركة المنتجين على جمهور الدرجة الثالثة

«الوطن» ترصد معركة المنتجين على جمهور الدرجة الثالثة
بعد تراجع كبار منتجى السينما المصرية فى أعقاب ثورة 25 يناير، بسبب خوفهم الهستيرى على أموالهم، وتوقعهم للخسارة الحتمية، لم تجد السينما مفرا وسط الظروف السياسية والاقتصادية العصيبة إلا الاستعانة بالمنتجين الصغار الذين يقدمون فى معظم الأحيان أفلاما منخفضة التكلفة تعتمد على الإفيه والرقصة والغنوة والبلطجة وكل ما له علاقة بجذب جمهور الدرجة الثالثة، وتدريجيا خلت الساحة تماما من الأفلام الكبيرة وعادت ظاهرة أفلام المقاولات، وهى ظاهرة قديمة ومعروفة ومتورطة فى ظهور أفلام قليلة التكلفة والمستوى فى فترات تدهور أحوال السينما التى مرت بها فى أعوام سابقة خاصة فى حقبة الثمانينات.
ومع ظهور أفلام مثل «جرسونيرة»، «عش البلبل»، «المهرجان»، «بوسى كات»، «القشاش»، «البرنسيسة»، «8%»، «عبده موتة»، «الألمانى»، «حصل خير»، «شارع الهرم»، «مهمة فى فيلم قديم»، «البار»، «ريكلام»، و«بون سواريه»، و«قلب الأسد» و«شمال يا دنيا».. صدرت صيحات شديدة اللهجة من صناع السينما للتحذير من عودة «أفلام المقاولات» بما تحمله من خطورة، خاصة أنها لم تعد تقدم فى موسم محدد كعيد الفطر أو الأضحى لكنها امتدت لتنتج طوال العام ويزداد إنتاجها يوماً بعد يوم، مما ينبئ بكارثة حقيقية تهدد السينما المصرية على المدى البعيد، وتؤثر سلباً على جيل سينمائى سيتهم بأنهم نشروا الفساد فى المجتمع وأعادوا استنساخ فترة زمنية تراجعت فيها صناعة السينما، وفشلوا فى صناعة تاريخ سينمائى مشرف، على الرغم من بعض الاجتهادات لنجوم هذا الجيل، مثل أحمد حلمى وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز، وفى هذا التحقيق تفتح «الوطن» ملف «عودة سينما المقاولات» ونرصد آراء صناع وخبراء السينما فى هذه القضية.
يقول الناقد طارق الشناوى فى البداية: «يجب أن نعلم أن وجود صناعة سينما فى أى مكان فى العالم يحتمل معه وجود ما هو ردىء وما هو جيد، فليس منطقيا أن تكون كل الأفلام المعروضة جيدة ومن الممكن أن يوجد بها ما هو سيئ ولا ينال إعجابنا، وفى الوقت نفسه يجب حين نقارن بين أفلام المقاولات ونوعية الأفلام التى تقدم فى الوقت الحالى أن نعلم معنى كلمة «مقاولات»، فهى ظاهرة انتشار الفيديو مطلع الثمانينات، وكان السبب فى ذلك وقتها هو إصدار أمر ملكى من المملكة العربية السعودية وقتها يفيد بغلق دور العرض، لذلك اتجه صناع السينما لتعبئة شرائط الفيديو بالأفلام التى يتم إنتاجها بتكلفة قليلة بممثلين لم يكونوا نجوم صف أول فى الأفلام عالية التكلفة، مثل أحمد بدير ويونس شلبى ونجاح الموجى، ثم يتم تصديرها للسعودية وعدد من دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك فلم تكن كل هذه الأفلام ظاهرة سيئة، فتوجد أفلام قدمها كبار النجوم مثل محمود حميدة، فما لم يعرفه البعض أنه قدم 20 فيلما مقاولات لم تكن سيئة».
ويتابع الشناوى: «أما الأفلام التى تقدم حالياً ويطلق عليها البعض اسم «مهرجانات» فتتشابه فقط مع «أفلام المقاولات» فى أنها قليلة التكلفة، لكنها انتشرت فى الفترة الأخيرة بسبب عدة عوامل، منها دفع النجوم لتقليل أجورهم بالإضافة إلى الأحداث السياسية والانفلات الأمنى وعدم تحديد اتجاه معين للسينما أدى إلى انتشار هذه الأفلام، إلى جانب أفلام تكلفتها محدودة لكنها تتمتع بقيمة فنية عالية مثل فيلم «لا مؤاخذة».
وحول التأثير السلبى لهذه الأفلام على كل الأفلام التى تنتج فى هذه الفترة يقول: «على عكس المتوقع فمن الممكن أن يكون تأثير هذه الأفلام إيجابياً على نجوم السينما الحقيقيين الحريصين عليها، وتجعلهم يعيدون التفكير فى تقليل أجورهم والتعامل بمرونة مع المنتجين حتى تعود السينما مرة أخرى».
أما المنتج عادل حسنى فيقول: «ليست كل الأفلام التى تقدم حالياً تعتبر أفلام مقاولات، لكن هذا لا ينفى وجود أفلام مقاولات كانت تقدم فى فترة الثمانينات مثل بعض الأفلام التى قدمت فى عيد الأضحى الماضى، وهى أفلام صغيرة ونلاحظ أنها لم تأخذ الفترة الكافية فى التصوير، وميزانيتها محدودة مثل فيلم «عش البلبل»، فنموذج هذا الفيلم يعتبر الشبيه بأفلام المقاولات، لكنى أرفض تماماً ما يقال إن الأفلام التى يقدمها محمد رمضان أفلام مقاولات، لأنها أفلام بها نجوم وتكلفتها ليست محدودة وتحقق إيرادات كبيرة، لكن من الممكن أن نقول عليها إنها أفلام دون المستوى تساعد على فساد أخلاق الشباب».
ويضيف: «فى السبعينات والثمانينات اعتمد المنتجون على إنتاج الكثير من الأفلام وعرضها فى أسبوع واحد، وبالتالى تحقق أرباحا تعوضهم عن التكلفة المرتفعة لأفلام النجوم، أما الآن فلا توجد أفلام جيدة بسبب توقف كبار المنتجين، والسبكى يقوم بإنتاج الأفلام التى يحبها الجمهور، وفى الوقت نفسه لا يستطيع أى منتج آخر إنتاجها.
ويرى المخرج مجدى أحمد على: «أنه فى أعقاب أى ثورات يجب أن تظهر هذه النوعية من الأفلام، وتعبر عن مجتمع يعانى من حالة سيولة سياسية، فالاضطرابات التى نعيش فيها لا تفرز فنونا، وحالة القلق وعدم الاستقرار الأمنى يجعلان السينما تتراجع بشكل مستمر، وأغلب المنتجين لا يريدون أن يدخلوا فى مغامرة».
وأكد مجدى أن هناك أفلاما جيدة تنتج لكن تحاربها السوق، حيث قال: «الأفلام المستقلة التى تنتج حالياً مستواها جيد، لكنها تتعرض لظلم بسبب محاربة السوق لها وعدم تحقيقها لإيرادات مرتفعة، والتمويل الخليجى أصبح منعدما والسينما أصبحت فى حالة سيئة بسبب التمويل الذاتى، فالمنتج يأتى بمخرج رخيص لأن دوره محدد والسيناريو والتفاهات التى يتم تقديمها معروفة، فى مقابل وضع اسمه على العمل، وهو ما اضطر كبار المخرجين للانسحاب والتراجع مثل محمد خان الذى لولا دعم الثقافة ما كان نفذ فيلم «فتاة المصنع»، وكذلك خيرى بشارة، ويسرى نصر الله وأى منتج حقيقى أصبح ليس له وجود».
ورفض مجدى أحمد على مقارنة الأفلام الحالية بأفلام المقاولات قائلاً: «أرى أن التاريخ لا يعيد نفسه، لأن الظرف السياسى الحالى الذى يمر بمصر لم يمر فى الثمانينات أو أى وقت آخر، ولا يمكن استدعاء الظواهر القديمة وتطبيقها حاليا، لكن الواقع يقول إننا لسنا فى ظرف نفسى للحد من الأفلام السيئة أو لمشاهدة الأفلام الجيدة بشكل أكثر جدية»
ويقول المخرج على عبدالخالق: «لا أريد أن أظلم الأفلام التى تقدم فى الوقت الحالى، فالأفلام التى كانت تقدم فى الثمانينات كانت أفلاما سيئة ولا يوجد بها أى نوع من الجودة وتقنيتها كانت ضعيفة وتعتمد على التوزيع الخارجى، أما الأفلام الموجودة حالياً فالقليل منها هو الجيد إنما يعيب بعضها الآخر الاعتماد على تركيبة الأفلام القديمة، من الأغانى غير الموظفة والتى تحتوى على ألفاظ بذيئة والراقصة والكباريهات، وهى بشكل واضح التركيبة الموجودة فى أفلام السبكى التى انتشرت فى الفترة الأخيرة لكنها حققت نجاحا، مع وجود حالة من الانحطاط فى الذوق العام، لأن الجميع يسعى لمشاهدة أفلام لا تشغل الذهن، وبالتالى فبقاء هذه الأفلام مرهون بفترة محددة، ومع قلق المنتجين من المغامرة، لأن هناك نوعية أفلام جيدة فشلت فى الاستمرار أمام نوعية الأفلام التى تلعب على غرائز ومشاعر الجمهور، ومن ناحية أخرى يجب أن نضع فى عين الاعتبار أن كل هذا يحدث عقب الثورات والحروب، فما حدث بالسينما نتيجة الحراك الفظيع فى المجتمع بشكل مفاجئ بعد حالة سكون استمرت لمدة 30 عاما، من المفترض أن تكون كل هذه الأحداث مادة درامية زاخرة لسنوات طويلة تخلق منها موضوعات كثيرة».