في يوم العمل الإنساني.."ملوك الجدعنة" حاضرون من محطة مصر لمعهد الأورام

في يوم العمل الإنساني.."ملوك الجدعنة" حاضرون من محطة مصر لمعهد الأورام
- الأمم المتحدة
- السكك الحديدية
- اليوم العالمي
- معهد الأورام
- حريق
- محطة مصر
- العمل الإنساني
- الأمم المتحدة
- السكك الحديدية
- اليوم العالمي
- معهد الأورام
- حريق
- محطة مصر
- العمل الإنساني
لا يكتفون بالمشاهدة عن كثب، أو الدعاء لضحايا الحوادث، ولكن بدافع إنساني، خالص، قد لا تدفعهم وظائفهم إليه، يهرعون إلى مواقع الخطر ومراكز الأزمات، ينقذون المتضررين، ويقدمون خدمات إغاثة، يجازفون على هامشها بأرواحهم، يحتفل العالم بهم، اليوم، حيث تخصص الأمم المتحدة يوم 19 أغسطس من كل عام للاحتفال باليوم العالمي للعمل الإنساني.
حوادث غريبة ومشاهد نيران مروعة، شهدتها مصر، في العام الجاري، لعل أبرزها حريق جرار محطة مصر في مارس الماضي وصور الأجساد البشرية المتفحمة التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي، كما لا تزال حاضرة في الأذهان، مشاهد النيران التي اشتعلت بمحيط المعهد القومي للأورام، قبل أسبوعين، بفعل تفجير إرهابي، ورغم ما حملته هذه المشاهد من قسوة إلا أن العمل الإنساني متمثلا في تقديم الإغاثة بواسطة أشخاص حالفهم حظ النجاة، كان بطل المشاهد المؤلمة، وصاحب الكلمة المطمئنة وسط سيناريوهات النيران المرعبة.
مشهد متكرر وسط أصوات مرتفعة لمحركات القطارات وجراراتها، اعتاد عليه العمال بمحطة مصر، ولكنه كان مختلفا في يوم 27 فبراير الماضي، حتى دخل جرار القطار مسرعا، في تمام الساعة 9:39 صباحا ليحدث الاصطدام المروع، وتشتعل النيران في أجساد الركاب الأقرب للجرار المشتعل نتيجة انفجار "تنك الوقود".
وعلى رصيف نمرة 6، خيَّم مشهد الفرار على الناجين من عمال المحطة والمصابين ممن تشتعل النيران في أجسادهم، ولكن كان تسابق ثلاثة رجال من عمال المحطة مختلفا حيث لم يحاولوا الهرب، بل كان كل منهم يجري نحو النيران محتضنا المصابين بـ"بطاطين" ومحاولا إخماد نيرانهم، في بطولة جماعية، شكَّل عمال الأكشاك وهيئة سكة حديد مصر، أطرافها الثلاثة وهم: وليد مرضي، محمد عبد الرحمن، ومحمد رمضان.
ويروي محمد رمضان، أحد الأبطال، لـ"الوطن" أنه كان يقضي يومه بشكل طبيعي، حيث يعمل بأحد الـ"أكشاك" على أرصفة السكة الحديد بمحطة مصر إلى أن سمع صوت الجرار القادم أعلى من الصوت المعتاد، ما جعله يدعو ربه سريعا بكلمتي "يا رب خير"، ليجد نفسه، فجأة، محاطا بالنيران من كل اتجاه.
لم يفكر الشاب الثلاثيني للحظة قبل أن يخرج من "الكشك" الصغير الذي حماه من الحريق، ويحمل "بطانية" كان يستخدمها في تغطية بضائعه، ليجد مسنا يجري نحوه، وقد التهمت النيران ملابسه وفي طريقها إلى جسده الهزيل، فحرره "رمضان" من ملابسه، وتركه مسرعا نحو "الأكشاك" المتراصة على الرصيف ليجمع منها أكبر قدر ممكن من "البطاطين"، ويقف على الرصيف في الجهة المقابلة للهاربين من النيران، يحتضن كل منهم ببطانية حتى تخمد نيرانه ويخرج منها بأقل خسائر ممكنة.
رمضان: مش هنسى الطفل اللي كان بيتحرق على القضبان.. صراع الإنقاذ والوقت
"مش هنسى الطفل اللي كانت بيتحرق على القضبان"، قالها "رمضان" متأثرا بمشهد مر عليه أكثر من ستة أشهر إلا أنه لا يزال يذكره، فيروي أنه بينما كان يطفئ نيران أحد المصابين، رأى طفلا لا يتجاوز عمره العشر سنوات، يصارع النيران، وحيدا، على قضبان السكك الحديدية، ليقوم مسرعا ويقفز من فوق الرصيف محاولا إنقاذ الطفل، فيجد نفسه في صراع "الإنقاذ والوقت"، حيث كان الجميع خائفا من إنقاذ هذا الطفل والصعود به إلى أقرب رصيف في أقل وقت ممكن لتجنب خطر المنطقة.
رمضان: كل يوم في المحطة بدعي للمصابين وأترحم على الشهداء
مرت أيام وأسابيع على الحادث المؤلم، إلا أن "رمضان"، لا يزال يذكره بقلب منكسر وبعين لا ترى صاحبها بطل بل إنسان مارس ما دعته إنسانيته لفعله دون تردد، فلا يزال يمر كل يوم بموقع الحادث الأليم يدعو لمصابيه بالشفاء وشهدائه بالرحمة، فيما يصفه بـ"بترحم على صديقي وزميلي في الكشك اللي الشغل من غيره مختلف وبدعي لزميلنا التالت اللي لسا بيتعالج".
قبل أيام، كانت مصر على موعد مع حادث مؤلم، طالت فيه أيدي الإرهاب محيط المعهد القومي للأورام، وبالرغم من انتشار صور الضحايا ومرضى المعهد، إلا أن العمل الإنساني والإغاثة من ألسنة النيران، كان بطل المشهد، في صورة تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن وثقتها عدسة المصور "جوناثان رشاد".
الجوهري: كنت بوصل المرضى لأقرب نقطة أمان
أظهرت الصورة المتداولة، شابا ثلاثينيا يحمل طفلة ترتدي "كمامة"، حيث كان محمد الجوهري، في طريقه إلى منزله، حيث يسير كل يوم في طريق المعهد ولكن، على غير عادته، كان يسير، يوم الانفجار، في الطريق الموازي للمعهد، ما حماه من النيران، التي بمجرد أن رأى أول شراراتها حتى عبر الطريق وذهب إلى حيث يحاول الجميع الهرب من المعهد، ليحمل الأطفال والمسنين الذين يحتاجون للإنقاذ، خارج المعهد، إلى "أقرب نقطة أمان" ثم يتوجه إلى الداخل حيث يمكنه إنقاذ أكبر عدد من المرضى غير القادرين على الخروج من مسرح الحادث.
الجوهري: ما حدث في معهد الأورام لا يتطلب متخصص إنقاذ بل إنسانا
حوالي ساعتين، قضاها "الجوهري"، لا يفكر في شيء سوى إنقاذ أكبر قدر ممكن من المحتاجين إلى المساعدة، فيما يصفه بـ"وسط زحمة المتفرجين والمصورين مكنتش شايف غير مرضى إنسانيتي تجبرني على إنقاذهم"، فبالرغم من أنه درس ويعمل بمجال رقابة جودة الإنتاج، إلا أنه يروي أن ما حدث لا يتطلب متخصصا في الإنقاذ بل إنسانا.
يروي "الجوهري"، لـ"الوطن"، أنه بالرغم من مرور أسبوعين على ملحمة الإنقاذ التي خاضها وتحول بفعلها إلى بطل يفخر به كل المحيطين به، إلا أنه لا يزال متأثرا بما رأى، معبرا عن شعوره بـ"صعب أمارس حياتي بشكل طبيعي بعد اللي شوفته"، حيث لا يرى الشاب الثلاثيني فيما فعله سوى "الواجب" الذي لا يستحق مديحا عليه.