مخاوف عالمية من حملة عقوبات متبادلة بين روسيا والغرب بسبب أزمة أوكرانيا
تفاقمت، اليوم، المخاوف من حملة عقوبات اقتصادية متبادلة بين روسيا والقوى الغربية بشأن أوكرانيا، مع تمركز المخاوف بدرجة كبيرة على الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي لأوروبا.
ومع استمرار سيولة الوضع في أوكرانيا، فمن غير الواضح إلى أي مدى يرغب أي من الطرفين في المضي قدما في حملة العقوبات، فبينما يعد الاتحاد الأوروبي، حتى هذه اللحظة، المستهلك الأكبر للغاز الطبيعي الروسي، فإن أي اضطراب سيأتي بتكلفة مالية ضخمة على موسكو.
جين فولي، المحلل في رابو بنك إنترناشيونال، قال: "العالم يواجه حاليا جولة جديدة من التوتر الجيوسياسي مع مخاطر محتملة بشدة."
وخلال اليومين الماضيين، تفاقمت الأزمة بحدة، مع اتهام أوكرانيا لروسيا بإعلان الحرب عبر السيطرة على منطقة شبه جزيرة القرم، وهو ما أثار مخاوف المستثمرين في جميع أنحاء العالم اليوم، وهوى بمؤشرات البورصات العالمية مقابل صعود في أسعار الأغذية والطاقة.
وحذر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن يجد نفسه أمام تجميد أصول شركات روسية، فيما يدرس وزراء الخارجية الأوروبيون خلال اجتماع في بروكسل فرض عقوبات اقتصادية، لكنهم لم يلتزموا حتى الآن بأي شيء ملموس.
الخطر الاقتصادي الأكبر يدور حول إمدادات روسيا من الغاز الطبيعي، فالكثير من دول شرق أوروبا تعتمد بالكامل تقريبا على هذه الواردات، حتى ألمانيا، أكبر اقتصادات أوروبا، حيث تحصل على خمسة وثلاثين بالمائة من إمداداتها من روسيا.
شركة غازبروم، عملاق الطاقة الروسي، هددت بإنهاء صفقة رخيصة الثمن على الغاز الذي تبيعه لأوكرانيا، التي زعمت أنها مدينة لها بنحو 1.55 مليار دولار.
كاثيلين بروكس، محلل أسواق المالي في فوريكس دوت كوم، قالت "لا عجب أن استجابة أوروبا للمشكلات الجارية لا تعدو أن تكون مجرد تلويح.. سيتوجب علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيغض الطرف حينما يتعلق الأمر بالمشكلات الروسية ويترك الرد الدبلوماسي للولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بينما يحاول حماية إمداداته من الطاقة."
لكن قطع إمدادات الغاز أو ارتفاع أسعاره سيكون بمثابة لعبة خطرة على روسيا أيضا، التي يعتمد اقتصادها بقوة على صادرات الطاقة. جدير بالذكر أن سعر أسهم غازبروم تراجع بنسبة أربعة عشر بالمائة اليوم الاثنين.
انخفاض سعر أسهم غازبروم كان سببا رئيسيا في تراجع مؤشر بورصة آر تي إس الروسية بنسبة اثنى عشر بالمائة بينما قفز الدولار إلى أعلى مستوى لتصل قيمته إلى 37 روبل. هذا الوضع دفع البنك المركزي الروسي إلى إعلان زيادة عاجلة في معدل الفائدة، حيث رفعه بما يعادل 1.5 نقطة مئوية ليصل إلى سبعة بالمائة. ورغم أن الإعلان لم يشر إلى أوكرانيا كسبب وراء هذه الزيادة، إلا أن الخطوة تعد محاولة واضحة من قبل السلطات الروسية لوقف التدفقات المالية ودعم العملة.
ويشير مسؤولون أوروبيون إلى أن روسيا لديها الكثير لتخسره في حالة وجود تبادل في فرض عقوبات اقتصادية، وقال وزير الخارجية الهولندي فرانس تيمرمانس :"تلك العواقب ستكون سيئة على الجميع لكن فيما يتعلق بروسيا ستكون تلك العقوبات أكثر سوءا من الاتحاد الأوروبي"، مضيفا: أن التهديد الآن بفرض عقوبات ليس بالأمر الحكيم.
أوروبا هي الشريك التجاري الأكبر لروسيا، فيما تعد روسيا ثالت أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بوارداتها من المواد الخام مثل الغاز والنفط، حسبما أفادت مفوضية الاتحاد الاوروبي.
وبلغت الصادرات الروسية إلى الاتحاد الأوروبي إجمالا 213 مليار يورو (293 مليار دولار وفقا للأسعار الحالية) في 2012 فيما وصلت واردات الاتحاد الأوروبي إلى حوالي 123 مليار يورو، وروسيا هي أكبر مصدر للغاز والنفط واليورانيوم والفحم للاتحاد الأوروبي.
وصدرت غازبورم 133 مليار متر مكعب من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2013 ونصف هذه الكمية - 65 مليار متر مكعب - نقلت عبر خطوط أنابيب تمر بالأراضي الأوكرانية.
وألمانيا تعد أكبر مستورد أوروبي للغاز الروسي، حيث تستورد ما يقرب من أربعين مليار متر مكعب وحدها، وفقا لإحصائيات غازبروم.
ونظرا لاعتماد روسيا على الأسواق الأوروبية، فإن هناك الكثير من الآمال بعدم تصعيد الأمر.
وقال هولجر شمايدينج، كبير الاقتصاديين في "بنك بيرنبرغ"- "من المحتمل أن تعمل روسيا على إبقاء هذه الاضطرابات في حدها الأدنى في جميع الظروف"، وتضاعفت مؤخرا المخاوف من تأثر تجارة المنتجات الزراعية الأولية على وقع هذه الأزمة، فعلى سبيل المثال ارتفعت أسعار العقود الآجلة للقمح بنسبة تجاوزت 5 بالمائة فيما ارتفعت أسعار العقود الآجلة للذرة إلى أكثر من اثنين في المائة، ويرى بعض الخبراء أن القوة الغربية ستلجأ إلى التركيز على الأفراد بدلا من فرض عقوبات واسعة النطاق على الصناعات.
الروس هم من أكبر المستثمرين خارج بلادهم حيث يودعون أموالهم في بنوك في قبرص ويستحوذون على شركات في هولندا، ويمتلكون الكثير من العقارات في العديد من العواصم الغربية خاصة في العاصمة البريطانية لندن، ولذا في حالة فرض عقوبات على تلك الانشطة سيكون لذلك تأثير كبير وفعال.
وقال لويز كوبر، المحلل لدى كوبر سيتي،" سيثير هذا غضب الكثير من وكالات العقارات في لندن"، وأوكرانيا المحاصرة تمثل أحد أجزاء القارة الأوروبية التي من المحتمل أن تعاني بأي حال من الأحوال.
وتراجع سعر عملة أوكرانيا في الأيام الأخيرة إلى أدنى مستوى له فيما تشير التقديرات إلى انزلاق الاقتصاد الاوكراني إلى حالة من الركود،
وتقدر الحكومة أنها بحاجة إلى 35 مليار دولار في صورة قروض إنقاذ دولية خلال العامين القادمين.
وساند رينات أحمدوف - أغنى رجل في أوكرانيا- الحكومة الجديدة في بلاده التي تريد من روسيا إنهاء سيطرتها على شبه جزيرة القرم،
وقال أحمدوف "أدعو أبناء بلادي إلى التوحد من أجل أوكرانيا غير مقسمة وكاملة... وحدتنا في تضامن الشركات والحكومة والمجتمع".