القافلة السادسة للأزهر و"الأوقاف" بالقاهرة تؤكد أهمية النفع العام

كتب: سعيد حجازي وعبدالوهاب عيسي

القافلة السادسة للأزهر و"الأوقاف" بالقاهرة تؤكد أهمية النفع العام

القافلة السادسة للأزهر و"الأوقاف" بالقاهرة تؤكد أهمية النفع العام

انطلقت اليوم الجمعة سادس القوافل الدعوية المشتركة بين علماء الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف إلى مدينة السلام بمحافظة القاهرة لأداء خطبة الجمعة تحت عنوان "النفع العام في ميزان الشرع الشريف"، وذلك في إطار التعاون المشترك والمثمر بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف من أجل تصحيح المفاهيم الخاطئة، ونشر الفكر الوسطي المستنير، وبيان يسر وسماحة الإسلام، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، وترسيخ أسس التعايش السلمي بين الناس جميعًا.

العشماوي: الإسلام لا يَعْرِف الفردية أو الأنانية أو السلبية

فمن على منبر مسجد "أم المؤمنين" بمدينة السلام أكد الدكتور محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر الشريف‎، أن الدين الإسلامي الحنيف لا يَعْرِف الفردية أو الأنانية أو السلبية، ولا ينادي بتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وإنما يدعو إلى النفع العام، والعطاء الصادق، وينادي بالتعاون على البِرِّ والتقوى في إطار من المحبة والإيثار، حتى يحقق المجتمع الرقي المنشود، والتكافل المحمود، ويكون سعي الفرد فيه من أجل المجموع، فيتحقق الخير للفرد والمجموع معًا ، ويتعمق في قلوب أبناء الوطن إحساس الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

عويس: تحقيق النفع العام هو منهج الرسل والأنبياء جميعا

 ومن على منبر مسجد "الطاهرة" بمدينة السلام أكد الدكتور محمد محمد عويس عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن المتدبر لكتاب الله يدرك يقينًا أن المقصد العام والكلي من تشريع الأحكام للناس هو تحقيق مصالحهم بجلب النفع والخير لهم، ودفع الضر والشر عنهم، فلقد أكد القرآن الكريم أن الحفاظ على المصلحة وتحقيق النفع العام هو منهج الرسل والأنبياء جميعًا، فما أرسل الله نبيًّا ولا رسولًا إلا لإسعاد قومه وتحقيق الخير لهم دون انتظار لمقابل أو منفعة دنيوية، قال تعالى على لسان نبيه نوح : "وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ"، وقال سبحانه على لسان نبيه هود: "يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ"، وهذا خليل الرحمن إبراهيم يتضرع إلى ربه بدعاء يبين مدى حرصه على نفع الناس ودوام الخير لهم قائلًا: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"، فمن المعلوم أن المقصود من البلد هنا أهلها، كما دعا لهم بالرزق الذي يغنيهم عن غيرهم، لأن البلد إذا كان آمنا، ومطالب الناس الحياتية متوفرة فيه، ساعد ذلك أهله على طاعة الله بنفوس مستقرة، وقلوب مطمئنة، تسعى لتحقيق مراد الله (عز وجل) من الخلق بعمارة الأرض وإصلاحها.

عطية: تقديم الأعم نفعًا على الأخص أساس في استقرار المجتمع ورقيه

ومن على منبر مسجد "عمر بن الخطاب" بمدينة السلام أكد الشيخ أحمد سمير عطية عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الشريعة المحمدية جاءت لتُرسي قواعد الحفاظ على استقرار المجتمع والعمل على رقيه وتقدمه من خلال تقديم الأعم نفعًا على الأخص، وترتيب الأولويات حتى تنتظم الحياة وتستقر، والسيرة النبوية المطهرة، وحياة الصحابة الكرام زاخرة بالمواقف العظيمة التي تدل على ذلك،  فعن أم المؤمنين عائشة قالت: (لَوْ شِئْنَا أَنْ نَشْبَعَ شَبِعْنَا، وَلَكِنَّ مُحَمَّدًا كَانَ يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ)، فكان يُؤثِرُ غيره علَى نفسِهِ وعلَى أهْلِ بيتِهِ معَ شدةِ حاجتِهِمْ، وعن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ)، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ) .

حسن: من يؤثر الضعيف والمحتاج والمسكين جزاؤه عظيم وفضله كبير

 ومن على منبر مسجد "فاطمة الزهراء" بمدينة السلام أكد الشيخ سلامة جمعة حسن عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن جزاء من يؤثر الضعيف والمحتاج والمسكين عظيم، وفضله كبير، مستشهدًا بالمرأة التي آثرت ابنتيها على نفسها فعن عائشة قالت: جَاءَتني مِسْكِينَةٌ تَحْمِل ابْنْتَيْن لَهَا، فَأَطعمتهَا ثَلاثَ تَمْرَاتٍ، فَأَعطتْ كُلَّ وَاحدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرفعتْ إِلى فِيها تَمْرةً لتَأَكُلهَا، فَاسْتَطعَمَتهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّت التَّمْرَةَ الَّتي كَانَتْ تُريدُ أَنْ تأْكُلهَا بيْنهُمَا، فأَعْجبني شَأْنَها، فَذَكرْتُ الَّذي صنعَتْ لرسولِ اللَّه فَقَالَ: (إنَّ اللَّه قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الجنَّةَ، أَو أَعْتقَها بِهَا مَن النَّارِ).

علي: تلبية حاجات المجتمع الضرورية والملحة من أعظم صور النفع العام

ومن على منبر مسجد "التوحيد" بمدينة السلام أكد الشيخ أحمد علي عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن الفهم الصحيح للدين يقتضي أن من صور النفع العام التي حث عليها ديننا الحنيف، ورغب فيها مراعاة حال الناس وواقعهم، وترتيب الأولويات تلبية لحاجات المجتمع الضرورية والملحة، فإن كانت حاجة المجتمع إلى بناء المستشفيات وتجهيزها لعلاج الفقراء ورعايتهم فالأولوية لذلك، وإن كانت حاجة المجتمع لبناء المدارس والمعاهد وصيانتها وتجهيزها والإنفاق على طلاب العلم ورعايتهم فالأولوية لذلك، وإن كانت الحاجة ماسة لتيسير زواج المعسرين، وسدِّ الدَّين عن المدينين، وتفريج كروب الغارمين.

الصغير: صور النفع العام كثيرة ومتعددة

ومن على منبر مسجد "خالد بن الوليد" بمدينة السلام أكد الدكتور محمد الصغير بديوان عام الوزارة، أن صور النفع العام كثيرة ومتعددة، منها أن سيدنا عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في عام الرمادة حينما اشتد بالمسلمين الفقر والجوع وحضرت تجارته من الشام فإذا هي ألف بعير محملة بُرًّا وزيتًا وزبيبًا فجاءه تجار المدينة، فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: إنك لتعلم ما نريد، بعنا هذا الذي وصل إليك ، فإنك تعلم ضرورة الناس إليه، قال: حبًّا وكرامة، كم تربحونني على شرائي؟ قالوا: نزيدك الدرهم درهمين؟ فقال لهم: أُعطيت زيادة على هذا، قالوا: أربعة، قال: أُعطيت زيادة على هذا، قالوا خمسة، قال: أُعطيت زيادة على هذا، فقالوا له: يا أبا عمرو ما بقي في المدينة تجار غيرنا، وما سبقنا إليك أحد، فمن ذا الذي أعطاك؟ فقال: إن الله أعطاني بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: لا، قال: فإني أشهد الله أني جعلت ما حملت هذه العير صدقة لله على المساكين وفقراء المسلمين.

إسماعيل: الإسلام راعى ترتيب الأولويات حتى في الأعمال الصالحة

ومن على منبر مسجد "الرحمن علم القرآن" بمدينة السلام محافظة القاهرة أوضح الشيخ حاتم أحمد محمد إسماعيل بديوان عام وزارة الأوقاف أن الإسلام راعى ترتيب الأولويات حتى في الأعمال الصالحة، فأمر عند المفاضلة بين عملين كلاهما خير بتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة أو الشخصية، ذلك أن المصلحة العامة نفعها مُتعدٍّ، أما المصلحة الشخصية فنفعها لا يتجاوز صاحبها، فلو أن رجلًا يعمل في مؤسسة ما ويتقاضى على عمله هذا أجرًا فيقضي ليله في الصلاة والقيام، ثم إذا جاء النهار ذهب إلى عمله متعبًا مرهقًا ولم يقم بواجبه المنوط به، وتعطلت بسببه مصالح هذه المؤسسة، ومصالح من تقوم المؤسسة بخدمتهم، أليس ذلك تضييعًا للأمانة، وأكلًا لأموال الناس بالباطل، وتفريطًا في المسؤولية التي كُلف بها؟ وهو بذلك قد أضاع الواجبات من أجل أداء النوافل.

إبراهيم: ما كان من باب النفع العام أولى من تكرار الحج والعمرة

ومن على منبر مسجد "أبو بكر الصديق" بمدينة السلام بمحافظة القاهرة أكد الشيخ إبراهيم محمد إبراهيم بديوان عام وزارة الأوقاف، أن الفهم الصحيح لدين الله (عز وجل) بما يتناسب مع واقع هذا الزمان، ويراعي أحوال الناس وحاجاتهم يقتضي أن لا تقف حدود الفهم عند بعض مسائل فقه الأحكام على سبيل التلقين أو التلقي دون غوص أو إدراك لفقه المقاصد، أو الأولويات، أو الواقع، أو المتاح  مما تغيب معه الغاية الأسمى لمقاصد التشريع، كما أن تقديم قضاء حوائج الناس والمجتمع، وكل ما كان من باب النفع العام أولى من تكرار الحج والعمرة، لأن قضاء حوائج الناس كالتيسير على معسرٍ وقضاء حاجته، أو الصدقة على فقير وكفايته، أو فك أسر سجينٍ مدينٍ بدينٍ من فروض الكفايات، ومعلوم أن الوفاء بفروض الكفايات مقدم على جميع النوافل بما فيها تكرار الحج والعمرة.

المهيمن: حياة الصحابة زاخرة بتحقيق النفع العامد

ومن على منبر مسجد "الحق" بمدينة السلام بمحافظة القاهرة، أوضح الدكتور منتصف محمود عبدالمهيمن بمديرية أوقاف القاهرة، أن حياة الصحابة زاخرة بتحقيق النفع العام، منها: أن النبي أشار على الصحابة بشراء بئر رومة وَكَانَت تحت يد رجل يهودي وكان يغالي في ثمن مائها، فقال: (مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَكُونُ دَلْوُهُ فِيهَا كَدِلاَءِ الْمُسْلِمِينَ) فأتى عثمان اليهودي وساومه عليها، فأبى أن يبيعها كلها، فاشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، فجعله للمسلمين، وكان لسيدنا عثمان يوما ولليهودي يوم.

فكان إذا جاء يَوْم عثمان استقى المسلمون مَا يكفيهم يومين، فلما رأى ذَلِكَ اليهودي قَالَ: أفسدت علي بئري، فاشترِ النصف الآخر، فاشتراه عثمان استجابة لأمر رسول الله فاشتراها ؛ وحرصًا على المصلحة العامة للمسلمين، وتحقيق النفع العام للمسلمين.

عبداللاه: فهم الدين فهما صحيحا يقتضي تقديم النفع العام على النفع الخاص 

 ومن على منبر مسجد "الفاروق عمر" بمدينة السلام محافظة القاهرة أوضح الدكتور حمدي أمين عبد اللاه بمديرية أوقاف القاهرة، أننا نحتاج إلى فهم ديننا فهما صحيحا، وإدراكنا لواقعنا إدراكا واعيا يجعلنا نقدر حجم المخاطر التي تحيط بنا، ويحملنا على تقديم النفع العام والمصلحة العامة على المصلحة الشخصية بكل إخلاص وتجرد، امتثالًا لتعاليم ديننا الحنيف، ورغبة في تقدم وطننا ورفعته والنهوض والرقي به إلى المكانة التي تليق به وبأبنائه.


مواضيع متعلقة