الهند تصل إلى القمر والمريخ.. وكلمة السر "أنادوراي" الفقير

كتب: تسنيم حسن

الهند تصل إلى القمر والمريخ.. وكلمة السر "أنادوراي" الفقير

الهند تصل إلى القمر والمريخ.. وكلمة السر "أنادوراي" الفقير

استطاعت الهند مزاحمة الدول الكبرى المسيطرة على مجال الفضاء كالولايات المتحدة الأمريكية والصين، لتكون أول دولة تنجح في إرسال مسبار إلى المريخ في أولى محاولاتها على هذا الصعيد، والوصول للقمر، تحت قيادة الدكتور ميسلسوامي أنادوراى، الذي كان بمثابة كلمة السر في نجاح الهند في عالم الفضاء، وفقا لموقع "بي بي سي".

من ريفي فقير لعالم فضاء

"عندما كنت في العاشرة، أردتُ تعلّم السباحة، فأخذني أصدقائي لترعة زراعية كبيرة ونزلنا بها بكل بساطة ووجدت نفسي مضطرا لضرب الماء بيدي وساقي حتى أطفو على السطح.

"كانت تجربة مرعبة، لكنني تعلمت السباحة بسرعة، وجعلتني ظروفي الصعبة أعي أن التعليم هو السبيل الوحيدة لكسر حلقة الفقر المفرغة". بهذه الكلمات اختزل "أنادوراى" أحد أكبر علماء الفضاء في الهند، والرجل الذي يقف وراء بعثات الهند الناجحة إلى القمر والمريخ.

حياته كاملة

نشأ أنادوراي وترعرع في قرية كوذاوادي، في ولاية تاميل نادو جنوبي الهند، ومثل السواد الأعظم من الهنود في ذلك الوقت، عاش في عصر ما قبل الصناعة بإمكانيات صحية وتعليمية محدودة للغاية.

لم يتلقَ أنادوراي التعليم المناسب لمثله من العلماء منذ سنواته الأولى في المدرسة، التي كانت عبارة عن حضور حصص دراسية في أماكن غير اعتيادية - مثلا تحت ظل شجرة، أو في بهو معبد في إحدى القرى، أو في حظيرة أبقار، ولم يكن لديه حذاء يرتديه، لم تعرف الكهرباء طريقها للقرية بعد عندما كان في الثامنة، لكن الحرمان المادي لم يمنعه من التفوق في دراسته.

منحة تعليمية غيرت حياته

لم يكن الوالد يضمن حتى أن يواصل ابنه دراسته الثانوية، وبالمصادفة، عثر الفتى على فرصة كانت كفيلة بتغيير مسار حياته، يحكي: "عندما كنت في عامي الثاني عشر، سمعت عبر الراديو عن منحة دراسية حكومية للتلاميذ الريفيين، وقدّمتُ أوراقي للحصول عليها".

وساعدته هذه المنحة في التغلب على ما يواجه من صعاب اقتصادية ليدرس بمدرسة جيدة قريبة من قريته ويوضح مكملا: "في ذلك الوقت، كان أبي يكسب 120 روبية في الشهر، من عمله كمدرس بالإضافة لعمله بحرفة الحياكة لزيادة دخله ليفي بغذاء الأسرة، وكانت قيمة المنحة الدراسية ألف روبية في العام"، واجتاز أنادوراي سنوات الدراسة الثانوية بترتيب الأول في المنطقة، والـ39 في الولاية، ما أمّن له تمويلا إضافيا، ليكمل دراسته.

أوضاع الفضاء في الهند

قبيل التحاق أنادوراي بكلية الهندسة، في عام 1975، أطلقت وكالة الفضاء الهندية بمساعدة الروس أول أقمارها الصناعية، المسمى أريابهاتا، والذي مصمما ليظل في الفضاء لستة أشهر، لكنه لم يعمل بشكل سليم سوى أربعة أيام فقط.

وبعد أربعة أعوام، باءت بالفشل أيضا أولى محاولات الهند في إطلاق صاروخ محلي الصنع قادر على حمل قمر صناعي.

انضم أنادوراي إلى منظمة أبحاث الفضاء الهندية في أوائل حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، ويقول: "كنا نعمل في مبنىً مسقوف بألواح الحرير الصخري (الأسبستوس)، وكنا نطلق قمرا واحدا كل أربعة أعوام".

وكان أول قمر صناعي عمل فيه أنادوراي، مصمَما بحيث يصل إلى مدار على مسافة 400 كم فوق الأرض، لكن الأمور لم تسر على ما يرام وسقط القمر في خليج البنغال، ولأنه يتحدث لغة ولاية تاميل المحلية، كان أنادوراي يجد صعوبة في التواصل جراء عدم طلاقته في الإنجليزية والهندية، قائلا "أحيانا كان البعض يضحك من لغتي".

الإنطلاق إلى القمر

رغم تلك البداية غير الموفقة، واصل أنادوراي العمل في إدارة ثماني مهمات لإرسال أقمار صناعية عبر شركة السواتل الهندية، مركز برنامج الفضاء الهندي، والتي تُستخدم لكل المهام من التنبؤ بالطقس وحتى رسم خرائط الموارد والبثّ.

واختير في 2003 لقيادة أول بعثة هندية إلى القمر، بحثا عن مناطق جديدة لم تسبقهم إليها البعثات الأخرى، واستكشاف كمية المياه الموجودة على سطح القمر.

وفي يوم ملبد بالغيوم في منتصف فصل الرياح الموسمية في أكتوبر عام 2008، انطلق مسبار تشندريان-1 من منطقة سريهاريكوتا، على مسافة 100 كم شمالي تشيناي.

وفي هذه المهمة زُرع القمر الهندي فوق سطح القمر وتأكّد وجود الماء، واحتفلت وسائل الإعلام الهندية بذلك النجاح، لكن البعض تساءل عن حكمة إنفاق المال على مشروع كهذا، في ظل حرمان الملايين من احتياجات أساسية، ليجيب الدكتور أنادوراي موضحا: "أحد الأسباب الأساسية لفقرنا هو عدم مشاركتنا في الثورة الصناعية، وكأمة بهذا الحجم الضخم من التعداد السكاني، لا يمكننا الوقوف موقف المتفرج من غزو الفضاء بما يكتنفه من فُرَص".

الهند تصل إلى المريخ

وبعد بضع سنوات، وتحت قيادة أنادوراي، أصبحت الهند أول دولة تنجح في إرسال مسبار إلى المريخ في أولى محاولاتها على هذا الصعيد في عشرة أشهر ونصف، وبأقل تكلفة ممكنة وصلت لـ73 مليون دولار: "للوصول إلى القمر، يحتاج قمرنا الصناعي أن يقطع كيلومترا في الثانية، لكن للوصول إلى المريخ، نحتاج إلى قطْع 30 كم في الثانية، ما يتطلب قدرا هائلا من التخطيط والحسابات".

تطور مجال الفضاء

بعد مرور أحد عشر عاما من إطلاق أول بعثة هندية إلى القمر، تغيرت سوق الفضاء تماما، حيث تتيح شركة سبيس إكس لتقنيات الفضاء إمكانية إعادة استخدام منصات إطلاق الصواريخ الثقيلة، وبالتالي تراجعت التكلفة الرحلات بشكل كبير، ويقول أنادوراي: "نحن بحاجة إلى اللحاق بذلك القطار، ونحن نشتغل الآن على تطوير منصات إطلاق قابلة لإعادة الاستخدام". ويعتبر برنامج الفضاء الهندي، الذي يتلقى الآن دعما وطنيا واسعا، قصة نجاح نادرة.

أسهمت إنجازاته في إعادة تصنيف الهند باعتبارها قوة تقنية، ولا يزال الفخر الوطني أحد الدوافع الرئيسية لبرنامج الفضاء الهندي، ولا تزال مشاريع هذا البرنامج يذيعها القادة السياسيون، وليس منظمة أبحاث الفضاء الهندية، وبخلاف ما كان قائما في الماضي، أصبح العديد من كبار علماء منظمة أبحاث الفضاء الهندية -بما في ذلك رئيسها الحالي- ينتمون إلى مناطق ريفية أو مدن صغيرة، كما هي حال د. أنادوراي.

في يوليو الجاري، تطلق الهند بعثتها الثانية إلى القمر، "تشندريان-2"، بعد أحد عشر عاما على رحلتها الأولى، لدراسة سطح القمر وجمع البيانات عن المياه والمعادن والتكونات الصخرية، والتي تولى الدكتور أنادوراي رئاستها في سنواتها الأولى، والتي كانت من أكثر المهمات تعقيدا كما يصفها رئيسها، والتي أن نجحت، ستجعل الهند رابع دولة تنجز هبوطا سلسا على سطح القمر، بعد الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي السابق، والصين، وأول دولة تصل إلى القطب الجنوبي بالنسبة للدول المجاورة لها.

وتقاعد أنادوراي قبل رؤية ختام البعثة الثانية إلى القمر، في آخر يوم من شهر يوليو 2018، متوليا رئاسة لجنة الأمم المتحدة للاستخدام السلمي للفضاء الخارجي لمدة عامين، وحصد العديد من الجوائز المحلية والدولية، وبينها ثالث أرفع وسام مدني تمنحه الحكومة الهندية.

ويواظب أنادوراي على زيارة قريته ويساهم في ترميم مباني مدرسته القديمة، راضيا بسيارته البسيطة ومنزله المتواضع ينهي رحلته مرددا: "عندما كنت أعمل في مشروع تشندريان-1، اعتدت أن أقول لزملائي في فريق العمل، هذا ليس مشروعا آخر، إنما نحن نصنع تاريخا".


مواضيع متعلقة