حلم غزو الصحراء.. "الجارديان" ترصد تجربة مصر في بناء المدن الجديدة

كتب: عبدالله إدريس

حلم غزو الصحراء.. "الجارديان" ترصد تجربة مصر في بناء المدن الجديدة

حلم غزو الصحراء.. "الجارديان" ترصد تجربة مصر في بناء المدن الجديدة

"نسخة مصرية مما فعلته الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر بالتحرك غربا"، هكذا رصدت صحيفة "ذا جارديان" البريطانية، في تقرير أمس، طموحات الحكومة المصرية في غزو الصحراء بإنشاء المدن الجديدة ومحاولة توزيع الكثافة السكانية بعيدا عن المناطق المزدحمة.

وقالت الصحيفة البريطانية، في تقريرها، "إن الكثافة السكانية في مصر تتركز على مناطق صغيرة مقارنةً بمساحة مصر الكبيرة، حيث يعيش ما يقرب من 95%  من السكان على وادي خصب يشكل 5% فقط من مساحة البلاد"، وأضافت: "كان هذا النمط من الاحتلال البشري قد ميز البلاد منذ آلاف السنين، ولكن في سبعينيات القرن الماضي، ونظرًا لتزايد النمو الحضري في الأراضي الخضراء الأكثر ثراءً، تم وضع فكرة بدأت تتشكل في الوعي القومي لعقود من الزمان في السياسة، حيث ستقوم مصر بغزو الصحراء وإعادة توزيع سكانها عبر رمال الصحراء البيضاء، وهي نسخة مصرية مما فعلته الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر للتحرك غربًا، بغض النظر عن العواقب".

الحكومة المصرية وضعت خططا لبناء المدن الجديدة لمواجهة الضغط السكاني

وتابعت الصحيفة البريطانية: "مع الانفجار السكاني في القاهرة، وضعت الحكومة المصرية خطط لبناء المدن الجديدة لمواجهة الضغط السكاني، بعد العديد من المحاولات الفاشلة في العاشر من رمضان، المدينة الصناعية ذات المباني الزرقاء، كانت أول مدينة تجريبية جديدة بدأت تأخذ شكلها في السبعينيات، وفي وقت لاحق، تحولت مدن جديدة مثل مدينة الشيخ زايد، وبدلاً أن تكون لأبناء الطبقة العاملة أصبحت مجتمعات مسورة للمجتمعات ذات الدخل المرتفع"، وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن برنامج المدن الجديدة ظل لمدة أربعة عقود هو الأداة الوحيدة للتنمية الحضرية في مصر، حيث يوجد اليوم 22 مدينة مصرية جديدة مبنية وتخطط هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لـ19 مدينة أخرى، حيث يمكن القول إنه من أكثر برامج المدن الجديدة طموحًا شهده العالم على الإطلاق، وهو حلم بناء المدن الصاخبة في منظر صحراوي، مما يجعله تقريبًا يفوق رؤى الصين والهند حتى الآن".

وترصد "جارديان" بداية هذه التحركات الحثيثة، فقالت إن "إنشاء مدينة العاشر من رمضان إلى الشمال الشرقي من القاهرة كان خطوة شعبية من قبل الرئيس الأسبق محمد أنور السادات جعلها كحل كبير لمعالجة البطالة المتفشية والفقر والتضخم بـ100000 وظيفة ونصف مليون منزل، وأثناء القيادة إلى هناك من القاهرة اليوم، سرعان ما تفسح الكثافة السكانية لوسط المدينة مسافة عدة أميال من المباني الخرسانية الشاهقة والطوبية التي تبدو صلبة، ولكنها تشتهر بالانهيار".

وأضافت: "وعلى الرغم من أن المخطط الرئيسي، الذي وضعته الشركات الهندسية المصرية والسويدية، والمستوحى من مبادئ الحداثة والقرى الفرنسية الجديدة، يصور المدينة على أنها ماسة في الصحراء، يبدو أن المدينة غير المكتملة في الواقع تتلاشى من الجنوب إلى شمال، حيث يبدو الأمر كما لو كانت الصحراء قد ربحت هذا الكفاح الذي دام 40 عاما، وتتركز الصناعات مثل البلاستيك والورق والأدوات الطبية ومصانع الملابس، في شريط طوله 10 أميال على طول الحافة الجنوبية الشرقية للمدينة".

وتابعت: "حيث توافد أصحاب المصانع المصريون هناك في أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما قدمت الحكومة حوافز جذابة وما زال هناك كثيرون منهم، ويعيش بعض العمال في المنازل التي يوفرها صاحب العمل أو في الشقق المشتركة، أو في الغرف داخل المصانع ذاتها، ولكن يتم جلب معظم الموظفين الصناعيين ذوي المستوى المنخفض يوميًا بواسطة حافلات خاصة من القرى المحيطة".

المدن الصحراوية تواجه تحديات واضحة.. والعاشر من رمضان ليس استثناء

وحول البنية التحتية لتلك المدن، قالت الصحيفة إن "تواجه المدن الصحراوية تحديات واضحة، والعاشر من رمضان ليس استثناء، فهناك خط سكة حديد قيد الإنشاء ولكن في الوقت الحالي لا يمكن الوصول إلى المدينة إلا بالسيارة أو الميني باص الخاص أو الحافلة العامة، كما تسد الاختناقات المرورية الطريق السريع المؤدي إلى القاهرة، وفي الوقت نفسه، تمنح طبقة المياه الجوفية استقلال العاشر من رمضان عن النيل، ولكنها تجعل المدينة عرضة للتلوث، حيث كشفت دراسة أجريت عام 2012 عن الملوثات الكيميائية غير العضوية والبيولوجية والعضوية والبكتريولوجية في جميع عينات المياه الجوفية الـ 31 التي تم اختبارها".

واستدركت الصحيفة: "ومع ذلك، فرحة الحياة العامة واضحة، حيث يتجول تلاميذ المدارس في الشوارع والساحات، ويتوقفون لتناول مشروب صودا أو كشري، وتنتقل النساء في مجموعات صغيرة أو ينتظرن الأطفال للخروج من المدرسة، وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، جاء الرجال للعمل وجلبوا عائلاتهم، لكن اليوم وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك صراع لجذب سكان جدد، فهناك أناساً يعيشون هنا، وعلى الرغم من أن وسط القاهرة لا يبعد سوى ساعة واحدة، إلا إنه بالنسبة لسكان العاشر من رمضان، قد تكون العاصمة كذلك على الجانب الآخر من الصحراء، وكانت المدينة التجريبية الجديدة ناجحة إلا حد ما".

وتحدثت الصحيفة أكثر عن مسار بناء المدن الجديدة في مصر، فقالت: "في حين أن مدينة العاشر من رمضان والجيل الأول من مدن مصر الجديدة كانت ذات طبيعة صناعية، فإن إعادة الهيكلة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في التسعينيات جلبت تحولًا جذريًا في السياسة، ففي عهد الرئيس حسني مبارك، بدأت هيئة المجتمعات العمرانية في بيع مساحات شاسعة من الأراضي لمطوري القطاع الخاص بأقل من القيمة السوقية".

وأضافت: "وأصبح الجيل الثاني من المدن الجديدة، المتمثلة في المجتمعات ذات الأسوار والبوابات مثل مدينة الشيخ زايد، مركزاً للأثرياء الذين يتوقون للهروب من فوضى العاصمة، وعلى الرغم من أن مدينة الشيخ زايد، التي تقع على بعد 25 ميلاً إلى الغرب من القاهرة والتي سميت باسم أمير أبو ظبي الذي ساعد في تمويلها في عام 1994، تم التخطيط لها في الأصل كمدينة ذات دخل مختلط، إلا أنها تحولت بسرعة بعد اكتشاف هيئة المجتمعات العمرانية لإمكانات جني الأرباح من الأراضي عبر المبيعات للمطورين، وأصبحت مدينة الشيخ زايد واحدة من أولى المدن الجديدة التي تملأ بفيلات مسورة، وشعبية بين الأثرياء الذين يبحثون عن الأمن والوضع المتميز".

الإسكان الفاخر يستوعب 71% من سكان المدينة في حين يمثل ذو الدخل المنخفض 15% فقط

قالت "جارديان" أيضا: "يستوعب الإسكان الفاخر 71% من سكان المدينة في حين يمثل الإسكان ذو الدخل المنخفض 15% فقط، وهناك ملاعب للجولف وحمامات سباحة وبحيرات صناعية، والتي يجب إعادة ملؤها بانتظام بسبب التبخر، ويتمتع سكان المجمعات العمرانية ببوابات الوصول إلى المتاجر والعيادات الداخلية، وكذلك مراكز التسوق الراقية التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالسيارة، ولكن يعتمد السكان ذوو الدخل المنخفض على خيارات محدودة للنقل العام للوصول إلى خيارات أرخص في المدن القريبة أو في وسط القاهرة".

وتتابع الصحيفة: "وعند الوصول إليها من القاهرة، فإن الانطباع الأول للشيخ زايد هو غياب ضوضاء المدنية، حيث لا يوجد مشاة، فلا أحد يمشي هناك، المسافات بعيدة، والاختلافات بين الفضاء العام والخاص لافتة للنظر، أثناء القيادة في أرجاء المدينة، تبدو المدينة أشبه بمجموعة من الجزر التي يتعذر الوصول إليها والتي تضم مجمعات ذات بوابات وساحات فاخرة أكثر من كونها متماسكة، ولا تقدم المجتمّعات داخل البوابات سوى لمحة من المساحات الخضراء خلف الأسوار المشددة الأمان، ويقوم الحراس المسلحون في مداخل أماكن التسوق بإبعاد مجموعات من أطفال الشوارع، مما يسمح بالوصول فقط إلى أولئك الذين يبدون وكأنهم ينتمون إلى هذه المساحات شبه الخاصة، حيث تنتشر ماركات الحصول على امتيازات دولية مثل ستاربكس وباسكن روبنز وكوستا كوفي وتكشف عن تطلعات عالمية المستوى، وعلى النقيض من ذلك، تبرز مناطق الإسكان العامة أجواء من الإهمال العام حيث تنتشر القمامة على جوانب الطرق".

وتابعت الصحيفة، أن "غالبية المساكن في الشيخ زايد مكلفة للغاية بالنسبة لمعظم المصريين، ومثل العاشر من رمضان، فقد كافحت المدينة لجذب أشخاص جدد، حيث يصل عدد سكانها الحالي إلى 330 ألف نسمة وهو أقل بقليل من نصف العدد المستهدف لها، وتتفاقم المشكلة من قبل المطورين الخاصين الذين يبنون عقارات راقية على الرغم من قلة الطلب، والعديد من الفيلات مهجورة أو لم تنته بعد".

وأضافت: وتشير الكتابة على الجدران وحراس الأمن المقيمين فيها إلى أن بعضهم ظل غير مأهول منذ سنوات، وأشادت سيدة أعمال في منتصف الثلاثينيات من عمرها بـ"مراكز التسوق اللائقة" في مدينة الشيخ زايد و"محلات السوبر ماركت الجيدة"، هذه المدن بعيدة عن أن تكون كاملة، لكن ازدهار بناء المدن الجديدة لا يظهر أي علامة على التوقف، فما الذي يحفز مصر على بناء المزيد والمزيد من المدن في الصحراء عندما يكون هناك القليل من الطلب العام؟ وفقًا للاقتصادي والمخطط الحضري ديفيد سيمز، فإن البرنامج بأكمله قد يكون أكبر من أن يفشل، فهناك الكثير من المشجعين من أجل التنمية الصحراوية، والكثير من المصالح متشابكة في هذا التطور، والعديد من مجموعات العملاء المتميزين".


مواضيع متعلقة