«عمال التراحيل» يجوبون المحافظات.. «رأس مالهم فى صحتهم»

«عمال التراحيل» يجوبون المحافظات.. «رأس مالهم فى صحتهم»

«عمال التراحيل» يجوبون المحافظات.. «رأس مالهم فى صحتهم»

مع بزوغ فجر كل يوم، يحملون حقائبهم، بها بعض ملابسهم القديمة وما يستطيعون حمله من معدات، ويتوجهون إلى المدن القريبة من قراهم، يجلسون فى الميادين العامة والشوارع الرئيسية، تحت أشعة شمس الصيف الحارقة تارة، أو وسط برد الشتاء القارس تارة أخرى، ينتظرون من يأتى إليهم بفرصة عمل مؤقتة لعدة ساعات فى الزراعة، يعودون منها ببضعة جنيهات، يسدون بها رمقهم، وتساعدهم على قضاء احتياجات أسرهم، ورغم أن غالبيتهم قد يسعدهم حظهم بالعمل يوماً، فإنهم يضطرون للجلوس فى بيوتهم لأيام، فى انتظار فرصة أخرى، ولكنهم على أى حال يحمدون الله على نعمة «الصحة»، التى يعتبرونها كل رأس مالهم فى هذه الدنيا، التى اختارت لهم أن يعيشوا على هامشها، دون أن تمد الحكومات المتعاقبة يدها إليهم، أو تنظر إليهم بعين الرحمة، لتقنين أوضاعهم، وحماية مستقبل أبنائهم.

يقول مخلف بدر، من المنيا، إن «عمال التراحيل يتعبون ويشقون ويكدحون من أجل الإنفاق على أسرهم، ورأس مالهم الوحيد هو صحتهم»، مؤكداً أن عمل اليومية، ليس فى محافظة المنيا فقط، بل فى مختلف محافظات مصر، يمثلون قطاعاً كبيراً من الشعب، ويقومون بإنجاز الكثير من الأعمال، دون أن يتمتعوا بالمزايا الاجتماعية والصحية، كغيرهم من العاملين فى مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص، التى تجعلهم يعملون دون خوف أو قلق على أنفسهم أو على مستقبل أبنائهم.

وبنبرة يملؤها الحزن، تحدث محمد السيد، 32 سنة، عامل زراعى بمحافظة دمياط، قائلاً: «لقد توارثت هذه المهنة أباً عن جد منذ كان عمرى 5 سنوات، وللأسف يومية العامل منا ضعيفة لا تتخطى 50 جنيهاًً، مقابل عمل 10 أو 12 ساعة يومياً»، وعن طبيعة الأعمال التى يقوم بأدائها قال: «أحياناً أقوم بجمع محصول البطاطس والبطاطا فى الأراضى الزراعية، ودخلى ضعيف جداً، وهناك أسابيع لا أعمل فيها سوى 4 أو 5 أيام، وأنا متزوج وأب لثلاثة أطفال، وما أحصل عليه من أجر لا يكفى شيئاً، وعادةً ما أعمل فى قرية ميت أبوغالب، مسقط رأسى، أو فى القرى المجاورة بدائرة مركز كفر سعد».

"محمد": ورثت عملى أباً عن جد.. وبنشتغل 12 ساعة بـ50 جنيه و"عيد": نجلس تحت الشمس بالساعات فى انتظار فرصة

أما صبرى على، 25 سنة، من أبناء مركز الحامول بمحافظة كفر الشيخ، فقال إن الحظ لم يحالفه لاستكمال تعليمه بعد وفاة والده وزواج والدته من شخص آخر، وأضاف: «وجدت نفسى أمام خيار وحيد، وهو أن أتحمل مسئولية نفسى، مما دفعنى إلى العمل فى أى فرصة متاحة، حتى يمكننى تلبية احتياجات زوجتى وطفلى الصغير»، مشيراً إلى أنه يستيقظ قبل صلاة الفجر، ويجهز ملابس الشغل فى «كيس بلاستيك»، ويغادر منزله قاصداً باب الكريم، وعادةً ما يتوجه إلى مدينة بلطيم، التى تبعد عن قريته بحوالى 18 كيلومتراً، ويقف فى شارع «بورسعيد»، أمام موقف السيارات، وسط عشرات العمال الآخرين، الذين ينتظرون من يمن عليهم بفرصة عمل يوماً بيوم.

"صبرى": "بنخرج على باب الله من أجل بضعة جنيهات".. وحوادث الطرق "كابوس" عمال الفيوم.. و"عبدالنبى": "بنساعد بعض لو حد مننا حصل له مشكلة فى الشغل"

وتابع «صبرى» قائلاً لـ«الوطن»: «لا أعمل فى مهنة محددة، فأنا لم أستكمل تعليمى، أخرج يومياً على باب الله، أذهب مع عدد من أبناء قريتى إلى مدينة بلطيم، ننتظر كغيرنا من الشباب أمام الموقف، وهو مكان معروف بالنسبة لراغبى عمال اليومية، يأتى إلينا أشخاص يطلبون عمال بناء، وآخرين يحملون الطوب بأنواعه إلى الأدوار العليا، بالإضافة إلى عمال فى الخرسانة المسلحة للعمل على خلاطات، والبعض يطلب عمالاً يقومون برعاية ونظافة الأراضى الزراعية، سواء يعملون فى حصاد المزروعات المختلفة، ولا يكون أمامنا خيارات، وأحياناً يتم معاملتنا بصورة سيئة، مقابل الرجوع فى نهاية اليوم إلى بيوتنا ببضعة جنيهات، لا تتعدى 100جنيه أجر يوم كامل من العمل الشاق»، كما أشار إلى أنه فى كثير من الأحيان يضطر إلى المكوث خارج بيته ليومين أو ثلاثة، دون أن يجد فرصة عمل.

ولا يختلف حال مصطفى عيد، من مركز كفر الشيخ، كثيراً عن «صبرى»، حيث يضطر هو الآخر إلى الجلوس تحت أشعة الشمس بالساعات، انتظاراً لمن يوفر له فرصة عمل يومية، وقال: «أخرج من بيتى ومش عارف هارجع إمتى، وماينفعش أرجع آخر اليوم بدون فلوس، أنا أعول أسرة، ومعايا 3 أولاد فى مراحل التعليم المختلفة، وقدرنا إن الفقر يلازمنا، لا قرش ولا ملك ولا ورث، إحنا بنخرج على باب الله»، وتابع بقوله: «بنشتغل بدون أى ضمانات حقيقية نضمن بها حقوقنا المهضومة، بنشتغل فى أشغال شاقة بأجر ضعيف، بنشيل طوب أو رمل أو زلط على ظهورنا، وبنحصد المحاصيل الزراعية، بنعمل كل حاجة يطلبوها منا، ومفيش حد بيراعينا، لأننا ملناش أى حقوق، وليس لنا أى مظلات تحمينا».

أما محمود عبدالبارى، من مركز طامية فى محافظة الفيوم، فقد لفت إلى مشكلة كبيرة تمثل «كابوساً» لعمال التراحيل بالمحافظة، تتمثل فى حوادث الطرق التى يتعرضون لها أثناء نقلهم إلى الأماكن التى يعملون بها على متن سيارات نصف نقل أو جرارات زراعية، والتى أسفرت عن مصرع وإصابة عدد كبير منهم، أثناء بحثهم عن لقمة العيش، خاصةً على طريق «القاهرة - الإسكندرية» الصحراوى، أو على الطريق الدائرى الإقليمى، أثناء توجههم للعمل فى الأراضى الزراعية بمنطقة وادى النطرون بمحافظة البحيرة، بعد أن باءت جميع محاولاتهم للعثور على فرصة عمل باليومية فى الفيوم بالفشل.

بينما قال محمد عبدالنبى، عامل زراعى بمركز سنورس: «نلهث وراء لقمة العيش، ونسافر هنا وهناك، ولا ضمانة للحفاظ على حياتنا من مخاطر الطرق»، مشيراً إلى أنه فى حالة تعرض أحد العمال لحادث، لا يجدون أى مساعدة من صاحب المزرعة أو مقاول العمال، مما يضطر باقى العمال إلى اقتطاع أجزاء من يومياتهم لمساعدة زميلهم المصاب، أو مساعدة أسرة من يتوفى منهم.


مواضيع متعلقة