تماسيح مصر.. كنوز «زاحفة» تنتظر المستثمرين

كتب: أحمد العميد

تماسيح مصر.. كنوز «زاحفة» تنتظر المستثمرين

تماسيح مصر.. كنوز «زاحفة» تنتظر المستثمرين

بقدمين ويدين قصيرة تجعل حركته على الأرض زحفاً بطيئاً، وطبقة غليظة من الجلد، وبطول يصل إلى 7 أمتار، تجعله وحشاً مخيفاً، يقبع التمساح بأعداد هائلة على شواطئ بحيرة ناصر الفسيحة خلف السد العالى بأسوان، وسط اتهامات عدة بأنه المتسبب الرئيسى فى نقص الثروة السمكية، وعرقلة الصيد فى أقصى جنوب مصر، حيث عشرات الآلاف من هذه الوحوش. على مدار سنوات طويلة، ظل مختبئاً داخل البيوت المصرية يُربى صغاره مع الهواة من مربى الزواحف، ويُباع ويُشترى فى الخفاء لعدم وجود قانون يسمح بتربيته أو تداوله، لكن كثيراً من الهواة يصبحون تجاراً بعد وقت قصير لحجم الأرباح الهائلة التى يجلبها لهم هذا الوحش الصغير. ظلت أحلامهم فى توسيع تجارتهم، مرهونة بصدور قرار أو قانون جديد يتيح لهم العمل فى النور، حتى صدر القرار منذ أيام حاملاً معه شروطاً ومواصفات للمزارع الواجب توافرها لتربية التماسيح وهو النشاط الذى يتيح استثمارات بملايين الجنيهات، وهو ما أكده مربون وخبراء لـ«الوطن» فى هذا الملف، إذ لا يقتصر الأمر على تربيتها وبيعها فحسب، بل يمتد إلى نشاط تصديرى لتلك الحيوانات المفترسة، وأيضاً استخدام جلودها فى صناعات عديدة.

تجار يرحبون بتقنين المزارع: نحتاج إلى دعم الدولة فى تملك الأراضى

فى منطقة «أبورواش»، التى ينحدر أغلب أبنائها من إحدى قبائل الجزيرة العربية، أسس صلاح مهدى طلبة، 50 عاماً، أحد أقدم مربى الزواحف فى القرية التابعة لمحافظة الجيزة، والمشهورة بتربية الزواحف والحيوانات البرية، حديقة حيوان صغيرة، أطلق عليها «أفريكانو طلبة».

الرجل الذى قضى كل حياته، فى بيت يعج بالحيوانات والزواحف، يروى قصته مع تربية الزواحف، المهنة التى ورثها عن أجداده، مؤكداً أنه يورد مناقصات لمراكز الأبحاث والجامعات، خاصة وحدة «النامرو»، وهى وحدة عسكرية للأبحاث فى الشرق الأوسط، تابعة لسلاح البحرية الأمريكية. وقال «الوحدة مقرها فى المعادى، وكنت أروح مع أبويا وجدى نودِّى لهم الفئران والسحالى وكل حاجة، ده مجالنا»، مشيراً إلى أنهم «بدأوا تربية التماسيح منذ 40 عاماً فقط، وكانت آخر صفقات التصدير للخارج فى عام 1995، قبل أن يصدر قانون يمنع تصدير التماسيح، أو إنشاء مزارع لتربيتها».

ويضيف طلبة أن «كثيراً من الناس يريدون العمل فى تربية التماسيح والتجارة فيها، فهى تبدأ كهواية أولاً ثم تتحول إلى بيزنس يدر ربحاً كثيراً، ما يشجع العاملين فيه على الاستمرار لكسب مزيد من المال»، لافتاً إلى أن كثيراً من المربين الآن بدأوا كهواة فى الماضى، وكانوا ينتظرون القرار الذى أصدرته وزارة الزراعة بالتصريح بإنشاء مزارع التماسيح، لأنه يمنحهم فرصة كبيرة لتحويل عملهم الصغير إلى بيزنس واستثمار ضخم.

وأكد «دلوقتى التربية والبيع بتبقى من خلال صيادين فى أسوان بيجيبوا التماسيح الصغيرة اللى بتبقى منتشرة فى كل مكان فى بحيرة ناصر فى شهر 6 أو 7 ويبيعوها بـ20 جنيه، على ما توصل هنا تبقى بـ70 أو 80 جنيه وانت طالع، وده للهواة بس، والناس تعمل له حوض زى حوض السمك، وفيه اللى بيموت منه وفيه اللى لما بيكبر شوية بيبيعه ويكسب فيه، ودول اللى بتشوفهم فى سوق السيدة عائشة وكدا».

"نجاح": مصر لديها فرصة كبيرة للتصدير لأن الشركات الأجنبية تطلب تماسيح التربية وترفض البرية لأنها وحشية.. و"طلبة": "المساحة المحددة كبيرة جداً ولذلك المزرعة تتكلف 4 ملايين جنيه"

ويشير «طلبة» إلى أن «قرار وزارة الزراعة بإقرار شروط إنشاء المزرعة يستلزم وضع كوتة للتصدير لأن التصدير ممنوع، لأنه لا يمكن أن نؤسس مزرعة كبيرة لا تقل عن 2.5 فدان، من دون أن يكون هناك منفذ لتصدير الكميات الهائلة من التماسيح، خاصة أنه يعمل فقط فى الإكثار وليس التربية للحوم والجلد»، موضحاً أنه لا بد من تشجيع الدولة لنا فى هذه المرحلة، لأن الشروط الموضوعة كبيرة وتحتاج لمستثمرين كبار، بينما المربون الصغار ليست لديهم هذه الإمكانيات.

وقال «أصلاً فى الصحراء هنا الفدانين ونص دول علشان تجيبهم هتحتاج أكتر من مليون جنيه، وعلشان تأهلها وتجيب التماسيح ليها محتاج زيهم، طيب اللى معاه 2 مليون ويكون ده كل ماله هيعمل مزرعة ليه، مايحطهم فى بنك ويعيش منهم»، مطالباً الدولة بتخصيص مساحات لصغار المستثمرين والشباب لتربية التماسيح، وأن تدعمهم بمنحهم الأراضى حق انتفاع أو تقسيط على سنوات طويلة.

ويوضح «طلبة» أن «أنثى التمساح تبيض حوالى 40 بيضة فى العام، مضروبة فى عدد 400 أنثى داخل المزرعة لو كانت بهذا الحجم الكبير، فهذا يعنى أنه سيكون لدينا 1600 تمساح صغير يمكن تصديرها فى عام واحد من مزرعة واحدة، وهذا باب كبير للتصدير ويدخل لمصر عملة صعبة، وكذلك مستحقات الجمارك والضرائب، التى ندفعها عن تصدير الحيوانات والزواحف»، مؤكداً «لو فتحوا باب التصدير من بكرة أبدأ أصدر، فى شركات فى الخارج واقفة على الباب مستنية التماسيح، وأنا باصدّر أساساً زواحف وحيوانات لشركات فى أوروبا بشكل مستمر، لكن التماسيح سوق جديد وكبير ويفيد مصر، وأرجو من الدولة التسهيل وتشجيعنا لأننا نفيد أنفسنا والبلد».

ويقول أحمد الخواجة، مدير حديقة «أفريكانو طلبة»، إن القرار الذى أصدرته وزارة الزراعة ينقصه التفاصيل وتحديد نشاط المزارع، هل التربية والتسمين أم الإكثار، مشيراً إلى أنهم لا يذبحون التماسيح، ونشاطهم يقتصر على التربية وبيع الصغار، بالإضافة إلى أنه لا بد من تحديد مصدر الحصول على التماسيح البالغة، لأن التماسيح الصغيرة تحتاج 7 سنوات لتصل إلى مرحلة التزاوج والتكاثر، مؤكداً «مين هيصرف 2 مليون جنيه على مزرعة ويستنى لما تجيب له الأرباح بعد 7 سنوات، لازم يكون فيه توفير للتماسيح البالغة، لأن الصيد ممنوع، طب إزاى هجيب التماسيح ومنين، فلازم القرار يشمل كل التفاصيل دى ويكونوا فاهمين ظروفنا».

ويضيف «الخواجة» أنه على وزارة الزراعة أن تحدد شروط المزرعة نفسها من الداخل، كيف يكون التصميم وفقاً لأسس علمية ومنهجية، وأنه إذا كان لدينا 2.5 فدان، هل نخصص فداناً بكامله عبارة عن بحيرة والبقية أراضٍ محيطة وشواطئ، والأسوار المحيطة كيف سيكون شكلها وتصميمها، وكم عدد الإناث وعدد الذكور وكم سعرها أيضاً؟!

ويرفض «الخواجة» أن يكون القرار هدفه استخدام لحوم وجلود التماسيح، مشيراً إلى أن «مدة دورة التفريخ لا تتجاوز عاماً، بينما تسمينها للحصول على الجلود يستلزم أن تصل إلى 6 أو 7 سنوات، بالإضافة إلى أن ذبح التماسيح غير آدمى لأن لحمها لا يؤكل».

وحول القانون الحالى الذى يسمح لهم بالبيع والشراء، يقول «الخواجة» إنه يسمح لهم بتربية التماسيح وبيعها إما لمؤسسة بحثية أو الجامعات ومراكز الأبحاث، أو حديقة حيوان، ولم يسمح لهم بالتصدير، وأنه فى حال إصدار قانون التصدير سيفتح الباب إلى دخول عملة أجنبية للبلد، منتقداً قرار وزارة الزراعة فيما يخص الشروط المفروضة بتعدد الجهات اللازمة لإصدار مزارع التماسيح، وأن تعدد الجهات الواجب حصول موافقتها يعرقل إنشاء المزارع، وأنه لا بد من أن يكون هناك شباك واحد يلجأ إليه المربون للحصول على تصاريحهم.

نجاح شعبان، 47 عاماً، صاحب شركة «النجاح» لاستيراد وتصدير الزواحف والحيوانات، قضى 30 عاماً فى صيد الزواحف والحيوانات البرية على طول خط الصحراء بين القاهرة والإسكندرية مع والده، حاول قبل أشهر قليلة إنشاء مزرعة للتماسيح بالتعاون مع أحد أبناء أسوان، لكنه لم يعرف الطريق إلى ترخيص المزرعة وإقامتها على بحيرة ناصر نفسها، مشيراً إلى أن الفرصة أمام مصر كبيرة، خاصة أن الكثير من الشركات الأجنبية فى الخارج تطلب التماسيح، التى تم تربيتها وليست التماسيح البرية حتى لا تكون وحشية.

وينتقد «نجاح» المساحة الكبيرة التى حددتها وزارة الزراعة فى شروطها معلقاً بقوله: «فدانين ونص مساحة كبيرة ومش أى حد معاه المساحة دى، وإحنا أهل المهنة ومتوارثينها عن جدودنا مانعرفش نجيب المساحة دى، لازم هما يقللوها أو يخصصوا لنا قطع أراضى»، مضيفاً أن «الشروط التى حددتها وزارة الزراعة تعيق تحقيق حلمه بسبب تعدد الجهات الواجب موافقتها لإنشاء المزرعة، مطالباً بشباك واحد وجهة واحدة، وأن يكون على الدولة التزامات بدعم هذا الاستثمار».

فارس الفيشاوى، 30 عاماً، من إحدى قرى مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، مارس هواية تربية الثعابين والتماسيح قبل 15 عاماً تقريباً، وأصبح الآن أحد أشهر مربى الزواحف والتماسيح فى محافظة الدقهلية، وحاول على مدار أعوام إنشاء مزرعة بعد أن زاد حجم تجارته، خاصة بيع التماسيح والثعابين فى القاهرة، لكن منعه عدم وجود قانون، يقول إنه فوجئ بشروط القرار الجديد، التى تقف عائقاً أمام هدفه فى إنشاء مزرعة للتماسيح.

وأضاف «الفيشاوى»، أن «الشروط الموضوعة شروط لرجال الأعمال مش للشباب والمربين اللى فى مصر اللى هما كلهم صغيرين»، مشيراً إلى أن هذه المساحة الكبيرة غير مبررة وأن أى شخص لديه نصف فدان فقط يمكنه إنشاء المزرعة، وأن بيت الزواحف فى حديقة الحيوان البركة الموجودة به صغيرة جداً ولكن به حوالى 20 تمساحاً كبيراً، مطالباً بأن يكون الشباب المصرى له الأولوية فى هذا المشروع، وألا يكون فقط لرؤوس الأموال ورجال الأعمال وأن يكون هناك مزارع خاصة بالدولة يدخل بها الشباب بنسب أو بالمجهود للقضاء على البطالة بعد وضع دراسات الجدوى اللازمة، وإيجاد مصنع لدبغ جلود التماسيح وتصنيع منتجاتها، خاصة أن الكثير من الشباب العاطلين من هواة تربية التماسيح وهذه فرصة لتشغيلهم.

ومثلما بدأ «الفيشاوى» تجارته فى التماسيح من هوايته، بدأ سيد نبيل، 43 عاماً، أحد سكان منطقة الهرم تجارته بذات الطريقة، فقد بدأ قبل 18 عاماً حيث اشترى تمساحاً صغيراً بـ20 جنيهاًً فقط خلال زيارته حديقة «أفريكانو بارك»، وقام بتربيته داخل حوض مياه، وبعد عام واحد ازداد حجمه فقرر بيعه فى سوق السيدة عائشة ليجد نفسه ربح 500 جنيه، ومنذ ذلك الحين بدأ فى جلب التماسيح وتربيتها وبيعها واستخدامها فى أغراض التصوير الفنى والدعاية والسيرك، حتى اشتهر باسم «سيد تمساح».

يؤيد «سيد» القرار من حيث مبدأ الموافقة والتصريح بإنشاء المزارع والتربية بعد أن كان ذلك محظوراً، لكنه يحتاج إلى دعم الدولة فى منح قطع الأراضى بالتمليك على أقساط طويلة المدى مثل وحدات الإسكان الاجتماعى أو بحق الانتفاع من الدولة، مشيراً إلى أن طوال السنوات الماضية كان العمل غير قانونى وأن أى شخص كان يتم ضبطه بتمساح يتم الحكم عليه بغرامة 3 أو 4 آلاف جنيه، ويؤخذ منه الحيوان، قائلاً: «والتربية كانت كويسة، كنت مربيه فى الشقة وكان عندى واحد متر و70 سنتيمتر، كان بياكل فرختين كل أسبوع، وكنت باجيب الفراخ الميتة من عند الفرارجى وكانت الواحدة بجنيه، يعنى ماكانش مكلف خالص ومش محتاج أماكن كبيرة زى اللى بيقولوا عليها فى شروطهم»، مشيراً إلى أن التجارة مربحة وخطوة الدولة مهمة ولابد من إكمالها، لأن التمساح تخرج منه الجلود والأنياب وهناك مادة تقع بين عينى التمساح يباع الجرام منها بـ30 أو 40 ألف جنيه، كما أن الأرجل والأيدى يتم عمل القفازات منها، وأن التجارة الحالية غير فعالة والتجار يبيعون التماسيح الصغيرة للأطفال وتموت منهم ويلقونها فى نهر النيل.


مواضيع متعلقة