تركيا تصطاد بالماء العكر وتنقب على غاز المتوسط في المنطقة القبرصية

كتب: محمد علي حسن

تركيا تصطاد بالماء العكر وتنقب على غاز المتوسط في المنطقة القبرصية

تركيا تصطاد بالماء العكر وتنقب على غاز المتوسط في المنطقة القبرصية

كشفت صور نشرها موقع "إميدج سات إنترناشيونال"، سفنا تركية وهي تقوم بالتنقيب عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لقبرص، لتستمر بذلك أنقرة في خرقها للقوانين الدولية، وتعديها على حقوق الجيران.

وأظهرت صورة نشرها الموقع على حسابه في تويتر، سفينة "فاتح" التركية للتنقيب عن الغاز، وهي تجري عمليات التنقيب في 16 من مايو، على بعد 80 كلم غرب مدينة بافوس القبرصية، وهي المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص.

وبعد 4 أيام من تلك الصورة، كشفت صور جديدة، سفينة ثانية هي "بربروس" التركية، لترافق "فاتح" في التنقيب عن الغاز.

وبعد مرور شهر على التقاط تلك الصور، كشفت صور جديدة أن السفينتين لا تزالان تعملان في نفس المنطقة التابعة لقبرص.

وتأتي أهمية الغاز الطبيعي المكتشف بسبب وجوده في موقع ذو إحداثيات حساسة بين مصر، ولبنان، وإسرائيل، وقبرص، وتركيا، وفلسطين وجميع الدول بحاجة لمصادر للطاقة.

الدكتور صحبت كاربوز، مدير شعبة الهيدروكربونات بالمرصد المتوسطي للطاقة، رأى في دراسة نشرها عام 2012 إن منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، دون شك، موطن لكمية هائلة من الموارد الهيدروكربونية، رغم أن بلدان المنطقة، فيما عدا مصر، كانت متباطئة في العثور عليه.

وفي حين كانت مصر هي الرائدة في اكتشاف الغاز بحقل أبو قير البحري عام 1969، ولم يبدأ الحفر في أعماق المياه تحت آفاق جديدة في شرق البحر إلا عام 2000.

وحتى اليوم، تم اكتشاف أكثر من 2000 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي قبالة الساحل المصري في البحر المتوسط، غير أن منطقة شرق البحر المتوسط لم تستكشف، بعد ولديها إمكانيات جيدة الاحتياطيات الإضافية.

وفي مارس 2010، أجرت الولايات المتحدة مسحًا أسفر عن تقييم يتعلق بإمكانية وجود مورد غير مكتشف للنفط والغاز في منطقة حوض بلاد الشام شرقي البحر المتوسط.

وتغطي المنطقة أراضي في البحر، بما فيها التي تنتمي لقطاع غزة وإسرائيل ولبنان وسوريا وقبرص.

وحسب دراسة أخرى بعنوان "موارد الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسط: التحديات والفرص"، فتقدر موارد النفط وسوائل الغاز الطبيعي في حوض "NGLs" غير المكتشفة القابلة لاستخلاص تقنيًا بحوض بلاد الشام بحوالي 3.5 مليار برميل، والأهم في الأمر الكميات الهائلة غير المكتشفة من موارد الغاز الطبيعي المقدرة بحوالي 450.3 مليار متر مكعب.

وفي مايو 2010 أصدرت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي تقييما آخر، وكان لمنطقة حوض دلتا النيل، التي تشمل دلتا النيل وقبالة السواحل المصرية في البحر المتوسط.

وحسب إحدى الدراسات "المتوسطية"، يحتوي حوض دلتا النيل على ما يقدر بنحو 320.6 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي غير المكتشف القابل للاستخلاص تقنيا و6.7 مليار برميل من النفط وسوائل الغاز الطبيعي، وهذا أكثر بكثير من الاحتياطي الحالي المؤكد من النفط والغاز في مصر، رغم أنه حتى الآن، يقدر بكونه أضخم مورد في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وعلى الرغم من أن بعض الاستكشافات القليلة المتواضعة للغاز على أعماق ضحلة قبالة ساحل إسرائيل وقطاع غزة "نوا، ماري - ب وغزة البحري".

زاد الاهتمام بالصناعة ما بين 1999 و2000، فإن اكتشافين على نطاق واسع منذ عام 2009، الأول "تمار" في عام 2009 والثاني "ليفياثان" في عام 2010، ويحتويان بما يقدر بنحو 260 مليار متر مكعب و480 مليار متر مكعب من الغاز القابل للاستخلاص على التوالي.

تركيا بدأت بالتنقيب عن الهيدروكربون في البحر المتوسط منذ عدة عقود، بالتركيز على حوض الإسكندرون، إلا أن جهودها المتقطعة لم تثبت أي نجاح، غير أن تجدد الاهتمام بالتنقيب في مناطق البحر المتوسط التي ما زالت غير مكتشقةً وذلك كردة فعل إزاء جوالات بدأت بالتبلور في البلاد جزئيًا إزاء ترخيص التنقيب البحري الذي تقوم به الجمهورية القبرصية.

وينبغي النظر إلى الوضع بين تركيا والبلدانُ الأخرى كمسألة قانونية بشكل أقل فيما ينظر إليها كمسألة سياسية واقتصادية بشكل أكبر، والواقع أن الوضع يتمحور حول الأزمة القبرصية، التي تحتاج إلى حل بشكل مَلح.

وصعد ترسيم الحدود البحرية العالق الذي يعود إلى عام 1948 من الخلاف الدبلوماسي بين إسرائيل ولبنان منذ اكتشاف حقل تمار عام 2009، وفي عام 2010، سلم لبنان للأمم المتحدة حدوده البحرية الجنوبية مع إسرائيل وحدوده البحرية الجنوبية الغربية مع قبرص، والتي اختلفت عن الحدود المقررة في اتفاق لبنان مع قبرص عام 2007، وتمت المصادقة على اتفاق 2007 من قبل قبرص إلا أن لبنان لم يصادق.

وفي يوليو 2011، أرسلت إسرائيل رسالة إلى الأمم المتحدة تعين فيها حدودها البحرية مع لبنان، ويسير الحد الإسرائيلي شمال الحد الذي اقترحه لبنان عام 2010، وبالتالي حدث تداخل مع ما يطالب به لبنان، ويتعلق بالخلاف.

وتتطلب تسويةً مربعًا بمنطقة مساحتها 850 كيلو مترًا، هذه المسألة مفاوضات بين الدول الثلاثة، ورغم أن قبرصً في مرحلة محادثات، إلا أن المحادثات متوقفة الآن بسبب غياب لبنان حاليًا باعتبارها في حالة حرب مع إسرائيل، مما يعقد الأمور.

وثمة مشكلة أكثر تعقيدًا، في المنطقة هي الخلاف بين تركيا والجمهورية القبرصية، حيث تزعم تركيا أن اتفاقات الحدود البحرية الموقعة من قبل القبارصة اليونان مع دول المنطقة لاغية وباطلة، وبالتالي، عارضت تركيا برنامج الحفر جنوب قبرص ودعت كل من الحكومة القبرصية وشركة "إكسون موبيل" لوقف التنقيب، وعندما تم تجاهل الدعوة، أبرمت تركيا اتفاقا في سبتمبر 2011 مع  شمال قبرص التركية حول الجرف القاري والتنقيب عن النفط والغاز في البحر، ولم يتضح بعد ما إذا كان الإجراء يعرض محادثات توحيد الجزيرة المقسمة أو محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي للخطر.

وتشير التنقيبات الرئيسية الأخيرة في البحر شرقي المتوسط، بأن المنطقة تملك مقومات الظهور كمنطقة غنية باحتياطيات الهيدروكربون، إلا أن المقومات تكون ذات شأن فقط إذا أصبحت التنقيبات ذات قدرة إنتاجية.

وحتى الآن، ينبغي تجاوز العديد من التحديات، أما بالنسبة للقاسم المشترك في المنطقة، فقد أصبحت الطاقةً من الصراع الجيوسياسي الأساسي حاليًا.

وتعتبر الصراعات بشأن ترسيم الحدود البحرية العالقة بعد اكتشاف الغاز من قبل إسرائيل وقبرص، التحدي الأكثر حساسية في منطقة شرق البحر المتوسط، إحدى أكثر مناطق العالم المعقدة سياسيا.


مواضيع متعلقة