"من ذاق عرف".. ما معنى محبة العبد لخالقه؟ وهل هناك علامات لها؟

"من ذاق عرف".. ما معنى محبة العبد لخالقه؟ وهل هناك علامات لها؟
- مفتي الجمهورية
- هيئة كبار العلماء
- علي جمعة
- درجة الأنس
- مفتي الجمهورية
- هيئة كبار العلماء
- علي جمعة
- درجة الأنس
«من ذاق عرف ومن عرف اغترف ومن اغترف اعترف ومن اعترف أدمن ما عرف» تعبير مشهور عند أهل التصوف يرتبط بالحالة الروحية والقلبية والوجدانية التي يصل لها العبد في محبة خالقه. فمما منّ الله به على الإنسان أن جعل له شعور بحب خالقه، وهذا الشعور يسبب له الراحة، ويجعل المخلوق متعلق بالخالق، فالحب في حقيقته ميل القلب.
يقول الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء والقطب الصوفي الكبير، في تقرير عبر صفحته الرسمية عن «حب الله»: «حب الإنسان متعدد، فهو يحب ذاته ولكن حب الذات إذا زاد عن حده أصبح أنانية، كذلك يحب سلامة أعضائه، ويحب ماله، وولده وأهله، ويحب عشيرته وأصدقائه، يحب أشياء كثيرة له حظ في التعلق بها، ولكن لو تعلق بالمال تعلقا زائدا لا يريد إنفاقه فهذا بخل وشح، ولو تعلق بولده وعشيرته بحيث إنهم يدفعونه لارتكاب الحرام فهذه فتنة، ولو تعلق بمنصبه وجاهه بحيث إنه لا يريد تركه ولا مشاركة الناس في سلطانه، فهذا حب الجاه، أو وحب السلطان».
يضيف «جمعة»: المنجى من كل تلك الأمور هو أن نجعل حب الله هو الغالب على القلب، فلو أن حب الله كان غالبا على القلب ما أصبح هناك مشكلة في بقية الحب، فلا مانع أن نحب الولد، ولا مانع أن نحب الزوجة، ولا مانع أن نحب الأشياء؛ وإنما من خلال حب الله، الذي سيوصلنا إلى مرحلة الأمان، أما لو تعلق القلب وانشغل بالأكوان، وخلى القلب من حب الرحمن، وما يترتب على حب الرحمن، من حب شرعه، وحب رسوله، فهو أمر مخزي، فلابد من ضبط حب الأكوان بحب الرحمن، حب الرحمن هو الأساس.
وحول وجود علامات لحب الله سبحانه وتعالى، قال مفتي الجمهورية السابق: العبد يكون مؤثرا ما أحبه الله تعالى، فمثلا سيدنا نوح حب الولد، وراه وهو يغرق فقال له: ﴿يا بني اركب معنا﴾ فهذا حب، لكن حبه لله أشد، فالله يقول ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ فهذا مقياس الحب الصحيح، وهو أن يعلو حب الله على حب الكائنات، فهذه علامة من علامات حب الإنسان لله، وهو العلو، علو حب الله على سائر أنواع الحب.
وكان سيدنا أبو بكر كما أورد صاحب «الإحياء» رضي الله تعالى عنه يقول: من ذاق من خالص محبة الله تعالى، شغله ذلك عن طلب الدنيا، وأوحشه عن جميع البشر.
وهذه الدرجة يطلقوا عليها "درجة الأنس"، شرب وتناول محبة الله، فدخلت وتخللت في جسمه، فحصل له أنس بالله، حصل له ري بحب الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك كانوا السلف يقولون: «من عرف ربه أحبه ، ومن عرف الدنيا زهد فيها»، لأنك عندما تعرف إن الدنيا إلى فناء، وإن الدنيا مليئة مشاغل، وشواغل، وكدورات، ومصايب، وتعب، وجهد، تزهد فيها، لكن عندما تعرف ربك بأنه هو الباقي، الكريم، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، تحبه ، فمن يعرف حقيقة الإله، وأنه متصف بهذه الصفات العلى يحبه، «المؤمن إذا عرف ربه عز وجل أحبه ، وإذا أحبه أقبل إليه، وإذا وجد حلاوة الإقبال إليه، لم ينظر إلى الدنيا بعين الشهوة، ولم ينظر إلى الاخرة بعين الفترة، وهي تحسره في الدنيا، وتروحه في الاخرة».
هناك سؤال أخر حول وجود علامات لمحبة الله للعبد، ويجيبه «جمعة» بقوله: ذكرها في القران ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ فالله يكره العصيان، والاستمرار في المعصية، كذلك يحب المتطهرين، وهذا هو برنامج الحب عند ربنا، فحب الله سبحانه وتعالى يتفرع منه حب الإسلام، وحب الشريعة، وحب الجنة، وحب النبي ﷺ ، وحب التكليف الذي كلفنا إياه، ونحن نعمله بشوق، فحب الله تعالى أمر عظيم جدا، والحب هذا يؤثر في النفس «إذا أحب الله تعالى عبدا جعل له واعظا من نفسه، وزاجرا من قلبه يأمره وينهاه»، فالحب هنا يضع له شيء في قلبه يوجهه، فيكون رقابة داخلية ذاتية.