«المركز النموذجى للرعاية والتوجيه».. منارة «المعرفة العربية».. يعانى

«المركز النموذجى للرعاية والتوجيه».. منارة «المعرفة العربية».. يعانى
- أساتذة الجامعة
- أسعار رمزية
- أنشطة رياضية
- إدارة أعمال
- الأمر المباشر
- التأهيل المهنى
- التربية والتعليم
- الثانوية العامة
- الجامعة الأمريكية
- المكفوفين
- أساتذة الجامعة
- أسعار رمزية
- أنشطة رياضية
- إدارة أعمال
- الأمر المباشر
- التأهيل المهنى
- التربية والتعليم
- الثانوية العامة
- الجامعة الأمريكية
- المكفوفين
مساحة شاسعة من الأبنية والأشجار تتقاطع مع شارع جسر السويس، جدران تحمل بين طياتها مطابع وتجهيزات كانت حتى وقت قريب نوراً للمعرفة ليس فقط للمكفوفين فى مصر، وإنما فى كل الدول العربية تحت اسم «المركز النموذجى لرعاية وتوجيه المكفوفين»، الذى كان أول وأكبر مطبعة فى الشرق الأوسط لإخراج الكتب بطريقة «برايل».
منذ خمسينات القرن الماضى، يقدم المركز الكتب الدراسية لجميع طلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، إضافة إلى مجلتين شهريتين للكبار والصغار، هما «دنيا الأطفال» و«المصباح»، فضلاً عن مكتبة المركز أو كما يسمونه «معرض الكتاب»، الذى يقدم كتباً متنوعة بين الأدب والفلسفة والكتب الدينية والتاريخية بأسعار مدعمة، وخدمات تعليمية كالتدريب الحرفى وتعليم الكمبيوتر بطريقة قارئ الشاشة وأنشطة رياضية والتعليم الدراسى والرعاية الطبية، وتوريد خبراء الطباعة للدول العربية، كل هذه الخدمات قدمها المركز النموذجى قبل أن تتعثر العديد منها قبل عامين، حيث توقفت خدمات الكفالة المادية للطلاب المكفوفين، وكذلك تشغيل الكثير منهم فى ورش المركز بعد تدريبهم، وفقاً لفتوح قاسم، مسئول بالمركز.
إحدى ماكينات الطباعة
«الوطن» تجولت بين أرجاء المركز، بصحبة «قاسم»، بحثاً عن سُبل تيسير القراءة المدرسية والتثقيفية لذوى الاحتياجات البصرية، لنفاجأ بتوقف العديد من الأنشطة جراء إسناد وزارة التربية والتعليم طبع كتب «برايل» إلى المطابع الأميرية، التى أسندتها بدورها العام الماضى إلى جمعيات صغيرة لم تستطع أن تقوم بالمهمة فى الوقت المناسب فتأخر وصول الكتاب المدرسى للطلاب عن موعده، ثم حاولت المطابع الأميرية تدارك الأمر هذا العام لتوجه طباعة الكتب لمطابع مركز المكفوفين، على أن تقوم «الأميرية» بوضع الخطوات النهائية، فكان التغليف على طريقة «الكشكول السلك» وهو ما يراه المكفوفون وموظفو المركز طريقة جيدة الشكل، ولكنها غير عملية، فالكتاب لن يتحمل استخدام ترم واحد «نصف العام».
"قاسم": سحب طباعة الكتب لصالح المطابع الأميرية أصاب ميزانية المركز فى مقتل
بين مبصر وكفيف يتم طباعة الكتاب بطريقة برايل، حيث يأتى الكتاب بنسخة ورقية بطباعة عادية ليتسلمه فتوح قاسم، الموظف الخمسينى، خريج الجامعة الأمريكية قسم علوم الحاسب، ويقوم بكتابته على ملف «word» عادى، ثم يدخله إلى ملف كتابة «برايل» العادية إذا كان من سيقرأه صغير السن، أما إذا كان فى سن الثانوية العامة يختار «برايل» المختصرة، فيتضاعف عدد ورق الكتاب، حيث إن الصفحة من الكتاب العادى تعادل صفحتين برايل، ليقوم موظف آخر كفيف بالتأكد من ترتيب الصفحات، ثم يأتى دور «أسامة، 45 عاماً، كفيف» يقوم بمراجعة الكتاب وإعادة إرساله لـ«قاسم» لإدخال التعديلات اللازمة، التى يجريها الأخير على لوحات صفيح يتم إرسالها إلى المكابس ليتداول مراحل الطباعة الأخرى أشخاص معظمهم من المكفوفين، حيث كبس العديد من النسخ على لوحات الصفيح، ثم ترتيب الصفحات وربطها معاً بالخيوط، ثم التجليد باستخدام الغراء.
دورة التشغيل تلك كانت تُدِر دخلاً، يُمكن المركز من توزيع نفقاته على من يرعاهم من مكفوفين فى مدارسه أو من طلاب يتعلمون الحرفة لديه، ويدخل المركز فى دورة عمل دائم متنوع تجعله يستأجر موظفين بالقطعة من مبصرين وغير مبصرين، ما كان سبباً فى طباعة كتب ثقافية متنوعة، كان ذلك كله قبل أن يتم سحب طباعة الكتب بالأمر المباشر من المركز، بحسب «قاسم» وآخرين، «الصفحة الإلكترونى على الصفيح بتاخد 3 دقايق بس فى الطباعة، وكتب التربية والتعليم كانت بتصرف على المركز كله إنما دلوقتى بقى فيه وسيط هو المطابع الأميرية وده أثر على إنتاجنا».
شعلة العمل الدائم للمركز جعلت موظفيه يفتتحون مركزاً لتعليم الكمبيوتر لفاقدى البصر، الذين لم يتمكنوا من التعليم ولمن يريد منهم إتقان مهارة جديدة، وكذلك طباعة الكتب لطلاب الجامعات بشكل مدعم إذا ما تمكن الطلاب من الحصول على كتبهم فى شكل إلكترونى من أساتذة الجامعة.
فى كتابة البرايل، حرف الظاء على سبيل المثال عبارة عن ست نقاط بارزة فى مستطيل طولى مكون من ثلاث نقاط بجانب ثلاث نقاط، إذا اختفت أى نقطة يتغير الحرف لحرف آخر، ولأن المصحف كان مطبوعاً طباعة يدوية منذ الثمانينات، فطوال الفترة الماضية تتم الطباعة باستخدام لوحات صفائح الطباعة اليدوية، فإذا اختفت إحدى نقاط أى حرف من صفيحة يتغير الحرف فتصبح الكلمة خاطئة، فيقومون بإعادة طبع الصفيحة يدوياً ما يستغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً، ولما كان المركز يمتاز بالرواج المالى زاد شغف الموظفين لإعادة طبع لوحات الصفيح الخاصة بالمصحف بشكل إلكترونى، وذلك منذ 3 أعوام، وذلك ضمن العديد من الكتب الثقافية التى تزخر بها مكتبة المركز، مثل مؤلفات كل من يحيى حقى ومصطفى محمود ونجيب محفوظ والعقاد وتوفيق الحكيم بأسعار رمزية، فمثلاً المجموعة القصصية «حكاية بلا بداية ولا نهاية» على طريقة برايل تجدها لديهم فى ستة أجزاء، ويباع الجزء فقط بـ2 جنيه، إلا أنه بسبب تدهور الأحوال المادية للمركز أصبح المصحف يباع بـ200 جنيه لحاملى كارنيه الإعاقة البصرية و400 جنيه لغير حاملى الكارنيه.
"د. نثيلة": "زياد ويوسف" يراجعان دروسهما على طريقة برايل بعد فقد الإبصار
زياد ويوسف، من حلوان، يجلسان معاً فى أحد مكاتب المركز، الأول فى الصف الخامس الابتدائى والثانى فى الصف الثالث، إلا أنهما يراجعان دروسهما من نفس الكتاب، بعد أن قرر ولى أمر كل منهما أن يكون هذا العام هو عام دراسة لغة البرايل بعد أن فقدا القدرة على الرؤية إلا بصيصاً من نور لم يعد يكفى لمتابعة الدراسة، فبحثت أم كل منهما كثيراً حتى دلهما البعض على مركز رعاية وتوجيه المكفوفين، وبدأ الطفلان وأُمَّاهما فى مكتب نُثَيْلة عبدالفتاح معلمة البرايل يتابعان معاً القراءة والكتابة، فى كتاب يجمع الحروف والأرقام باللغتين العربية والإنجليزية بالكتابة العادية وبكتابة برايل فى آنٍ واحد.
نُثَيْلة عبدالفتاح البالغة من العمر 58 عاماً، فقدت بصرها قبل أن تتخرج فى كلية التجارة مباشرة لتلتحق فى أداء الخدمة العامة بالمركز النموذجى لتوجيه ورعاية المكفوفين، ومن هنا بدأت تتعلم البرايل خلال عام الخدمة بشكل تطوعى على يد ابتسام أباظة، وقتها كان المركز مقتصراً على التأهيل المهنى، حتى قامت هى ومعلمتها بتعليم برايل لمتعلمى الحِرف بالمركز ومن فاتتهم فرصة التعلم ويريدون استكمال مسيرة التعلم، حتى كان إنشاء حضانة بعد أن توافد إليهم أطفال دون سن المدرسة وذلك عام 1986، ليتطور الأمر ويصبح بالمركز حضانة لمكفوفى البصر وأخرى للمكفوفين ذوى الإعاقة الذهنية، إلا أن نُثَيْلة لا تبخل بوقتها لتعليم الجميع فى كل الأعمار، سواء بعد انتهاء وقت عملها الرسمى فى الحضانة أو فى المنزل، حيث أثناء جولة «الوطن» فى المركز وبعد انتهاء اليوم الدراسى فى الحضانة، لم تكن نُثَيْلة تقضى فترة راحتها كأى موظف عادى، إنما كانت تعمل بشغف فى محاولة الوصول بيوسف وزياد نحو المستوى المطلوب، كى يستطيعا متابعة دراستهما فى الصفين الخامس والثالث الابتدائى العام المقبل، بعد أن يستطيعا إجادة برايل قراءةً وكتابةً بعد أن كف بصرهما، «عملت دبلوم الصحة النفسية والتأهيل بدل ما أعمل إدارة أعمال، علشان أعرف أكمل فى المجال اللى حبيته واعتبرته رسالة ومش مجرد وظيفة بعملها، وحاسة إنى أم للأطفال وأم لأمهاتهم ولازم أقعد مع الأم وأفهمها تتعامل إزاى وإلا لو اتعاملت إنها وظيفة كنت أدى دروس خصوصية، ولأنى بمسك إيد كل طفل وبعلمه وبعلم أمه هييقى أجرى مش أقل من 100 جنيه فى الحصة».
د. صابر حمد: "نفسى يتم توفير أموال لطباعة كتب جديدة.. ونطمع فى دور أكبر للدولة والمجتمع المدنى"
يوماً سيكبر يوسف وزياد حتى يصيرا مثل الدكتور صابر حمد، أول متحدى إعاقة بصرية يحصل على دكتوراه فى مجال الإعلام فى الوطن العربى، 43 عاماً، الذى تحدث لـ«الوطن» عن ارتياده للمركز النموذجى لرعاية وتوجيه المكفوفين للبحث عن كتب ثقافية بصفة دورية، حيث يجد هناك كتابات دينية وأدبية لكبار المؤلفين القدامى، كما كان يقتنى مجلات المركز قبل توقف طبعها، ولكن عندما يريد أن يقرأ ما صدر حديثاً من كتب دينية أو ثقافية فإنه يلجأ للاطلاع السماعى الذى يقلل من مساحة الخيال التى تتيحها القراءة الورقية، يقول «حمد»: «بلجأ للإنترنت لسماع الكتب الجديدة واللى بتنزل بشكل تطوعى، لكن نفسى يتم توفير ميزانية للمركز علشان يطبع كتب جديدة وتفعيل القراءة للجميع، ودور الدولة المفروض يكون أقوى وأفضل من دور المجتمع المدنى فى طباعة أى كتاب ينزل برايل، لأن لنا حقوقاً كالمبصرين تماماً».