الممرضون فى مصحات حدائق الأهرام بودى جاردات: «هتبطل يعنى هتبطل»

كتب: أحمد ماهر أبوالنصر

الممرضون فى مصحات حدائق الأهرام بودى جاردات: «هتبطل يعنى هتبطل»

الممرضون فى مصحات حدائق الأهرام بودى جاردات: «هتبطل يعنى هتبطل»

بعد أيام قليلة من نبأ وفاة صاحب إحدى مصحات الإدمان بحدائق الأهرام متأثراً بتناول جرعة عالية من مخدر الهيروين داخل شقته بالهرم، كان يجب التحقق من الكيفية التى يتعامل بها مسئولو المصحات مع المتعاطين، وما صحة ما تردد حول استعانة مسئولى تلك المصحات غير الخاضعة للإشراف الطبى بالمخدرات بنسب متفاوتة لعلاج المرضى؟ وبأى طريقة يتم إخضاع المريض فى حالة رفضه للعلاج؟ وما حقيقة تولى مشرفين متعافين مهمة متابعة المرضى؟ «الوطن» رصدت فى جولة لها بمنطقة حدائق الأهرام بمحافظة الجيزة، عدداً من المخالفات التى ترتكبها تلك المصحات، وعلى رأسها عدم احترام آدمية المواطنين، وحقهم فى العلاج بشكل علمى وإنسانى، وإجبارهم على العلاج من خلال ربطهم بالحبال، وسحبهم من بيوتهم بالقوة، والضرب إن لزم الأمر.

لم يكن الوصول إلى «حدائق الأهرام» قلعة التعافى من المخدرات بالشىء الصعب، كما أن شهرة المراكز المتخصصة فى علاج المخدرات جعلت صيتها يصل إلى أماكن عديدة، فما أن وطئت أقدامنا أرض الحدائق حتى بدأنا فى السؤال عن أشهر الأماكن لعلاج الإدمان بالمنطقة، الغريب فى الأمر أن جميع سائقى التكاتك كانوا على دراية بجميع المصحات فى المنطقة.. أخذنا سائق توك توك فى رحلة قصيرة إلى مصحة على أطراف المنطقة تقع فى فيلا «ش. ط» التى قد أحاط بها سور شاهق فى الارتفاع، تتكون من ثلاثة طوابق، الثالث منها غير مجهز فهو ما زال بالطوب الأحمر، وغير مؤهل لاستقبال أية حالات، طرقنا الباب فلم يُجب نداءنا أحد، انتظرنا قليلاً، ولم يكن أحد فى استقبالنا، دفعتنا أقدامنا إلى الدخول بحذر حيث إن الباب كان مفتوحاً، وبعد خطوات عديدة إلى الداخل، خرج علينا شاب ثلاثينى، قال لنا بصوت أجش: ماذا تريدون ومن أين أتيتم؟، فكان الرد: «أنا من المنوفية وأخويا مهندس أكبر منى ٤ سنين، مدمن ورافض العلاج ومش عارف أتصرف إزاى»، فقال: «استريح يا أستاذ ثوانى وهاجيلكم تانى»، لم تكد تمر لحظات حتى أتى مرة أخرى قائلاً: «اتفضلوا المحاسب فى انتظاركم».

المراكز غير مرخصة.. وخطة العلاج يشرف عليها متعافون.. وسائقو التكاتك دليل الوصول للمصحة

داخل غرفة واسعة جلس شخص بدين، وأمامه بعض الكتب الإرشادية يدون ملاحظات على حاسوب موضوع أمامه، فى مقدمة المكتب كانت هناك لافتة صغيرة مدون عليها اسمه «محاسب و. ع»، بعد أن أدرك وجودنا تهلل فرحاً وكأنما رأى غنيمة: «أهلاً أهلاً جايين منين ويا ترا معاكم كام حالة؟»، كان الرد على تلك الكلمات: «أخويا مهندس ومدمن هيروين ورافض يتعالج، وأنا من الأرياف والموضوع ده مسبب قلق كبير لنا وللأسرة كلها»، فقال: «مفيش مشكلة لو هو رافض إحنا نجيبه بطريقتنا بس طبعاً كله بحسابه».

بعد أن رفضنا تلك الفكرة معللين ذلك بأنه لا يصح أن يدخل قريتنا غرباء، أشار إلى أن هناك طريقة أخرى يمكن من خلالها اصطحاب الشاب المدمن من خلال وضع مخدر له دون أن يدرى، وسحبه عند الفجر وجره إلى السيارة التابعة لهم، التى لا يوجد بها إلا ممرض واحد فقط والباقى «بودى جارد»، مشيراً إلى أنه يتفهم الموقف جيداً، حيث إنه كان يعانى من الإدمان سابقاً، ودخل المصحة وتمكن من الإقلاع عن الإدمان، وعُين محاسباً فيها: «المشرفين هنا كلهم متعافين فماتخافش على أخوك، ده غير إن فيه دكتور بيتابع الحالة»، قاطعته بدهشة: «إزاى مفيش ممرضين وإزاى كلهم كانوا مدمنين، يعنى مش دارسين إزاى يتعاملوا مع المرضى»، ليرد سريعاً: «الموضوع ده على حسب فلوسك، أنا عندى قسم اقتصادى وده اليوم فيه بـ٢٥٠ جنيه، ده غير ٢٠ جنيه إشراف طبى، و٢٠ جنيه دواء، والمريض بيكون مع تسعة فى أوضة واحدة، هما بقى بيساعدوا بعض مش بيكونوا محتاجين تمريض أصلاً، حتى النظافة عليهم، هما بيغسلوا هدومهم بنفسهم، أما لو أخوك هتدفعوا له مبلغ كويس، فممكن يقعد فى جناح vip، وده سعره بيكون ١١٥٠ جنيه فى اليوم، وبيبقى عبارة عن أوضة لوحده تماماً وهدومه بتتغسل هو مالوش دخل بالحاجات دى، وله ٣ وجبات ودكتور بيعدى عليه يومياً، ومفيش إهانة ولا إجبار على حاجة هو ومزاجه».

لم نستوعب الكلام بعد وتطرقنا إلى مدة العلاج، فأكد أن مدة العلاج تقسم إلى مرحلتين؛ الأولى منها تسمى الانسحاب ومدتها شهر، وتكون تكلفه العلاج فى هذا الشهر ٣١ ألف جنيه، ثم بعد ذلك يدخل إلى المرحلة الثانية وتصل مدتها ٤ أشهر، ويصبح سعر اليوم ٨٥٠ بدلاً من ١١٥٠ جنيه، قاطعناه متسائلين: «تضمن لنا إن أخويا يخرج من هنا متعافى»، احمر وجهه وتمالك أنفاسه المتواصلة قائلاً: «لا طبعاً ماضمنلكش، هو هيخرج، شرب بقى هو حر دى حاجة ترجع له، ده غير أن هو عندى برضه ماضمنلكش إنه يبطل، أنا بادّيه بدائل، استجاب كان بها، ماستجابش أهو مشرفنا وانتو بعيد عن الفضيحة». خرجنا دون جدوى حقيقية فلم يؤكد لنا أن الحالة التى تحدثنا عنها ستشفى من الإدمان، بالرغم من أن تكلفة علاجه، حسب ما أقره المحاسب، قد تتخطى الـ١٥٠ ألف جنيه.

مسئول مركز: "لو المريض رفض الدخول مفيش مشكلة إحنا نجيبه بطريقتنا بس كله بحسابه"

تعرفنا من خلال إحدى الممرضات، على وسيط يدعى «عم ع. و» أخبرناه أننا نريد مصحة غير مرخصة وتكلفتها قليلة وأعين الشرطة عليها غافلة، فقال: «مافيش مشكلة هاوديكم مصحة كويسة وسعرها حنين وماحدش يعرف عنها حاجة بس تشوفونى»، ذهبنا معه إلى غرفته حيث يعمل حارساً لأحد العقارات بالمنطقة، جلسنا بضع دقائق حتى جاء توك توك خاص به، ركب معنا وأخذنا إلى المصحة التى يعمل كوسيط بها، وقفنا أمام عمارة مكونة من ٧ طوابق، فى الطابق الثانى كانت هناك لافتة مكتوب عليها مركز «أ. ج» لعلاج الإدمان والأمراض النفسية، نادى الوسيط قائلاً: يا «رمضان»، فرد عليه رجل كان معلقاً محادثة كان يجريها عبر الهاتف: «عايز مين؟»، رد الوسيط «عايز رمضان اللى شغال معاكم»، ولكن أنكر الرجل أن هناك أحداً يعمل معهم بهذا الاسم، وفتح لنا الباب، صعدنا ولكن كانت الصاعقة حينما احتضن الوسيط الذى جاء معنا، ذلك الرجل الذى كان يتحدث فى هاتفه فى الشباك، الذى كان ينكر معرفته فى بادئ الأمر.

جلسنا فى مكتب صغير حتى يأتى لنا مسئول استقبال الحالات، وعرض علينا الوسيط أن ينهى هذا الأمر بنصف ما كنا سندفعه فى المصحة الأولى ولكن نعطيه ٢٠٠٠ جنيه، وافقنا، وبمجرد دخول الموظف قال له الوسيط: «الجماعة دول بلدياتى وعشمانين فيك، عايزين سعر حنين، لأنهم على قد حالهم، وأخو الراجل ده مدمن هيروين»، فرد عليه الموظف قائلاً: «عنينا ليك ولهم، مش هنختلف على حاجة إن شاء الله، والسعر هيكون بـ٢٥٠ جنيه فى اليوم»، قاطعته قائلاً: «ماهو ده نفس السعر فى مصحة ش. ط»، ولكنه قال: «لا فيه فرق طبعاً، أنا كنت باتعالج فى ش. ط، وكانوا بيكتفونى علشان آخد العلاج، ومنتهى قلة الأدب اللى فى الدنيا كنت باشوفها، ده غير أن أسعارهم عالية جداً، إحنا أغلى يوم عندنا بـ٥٥٠ جنيه بس لـvip، وده سعر بسيط جداً، أما العلاج هقول لك إن عندهم العلاج بيكون تعاطى تدريجى، أنا كنت باخد مخدرات ومش عيب، لأنه مرض، هناك كانوا بيقللوا الجرعة لحد ما نبطل خالص، هنا بقى مفيش الكلام ده، هتبطل يعنى هتبطل».

أخبرته أننى لا أريد «شوشرة» وأريد أن يكون الموضوع سراً، لا يعلمه إلا نحن من فى الغرفة، فقال: «مفيش مخلوق هيعرف شخصية اللى موجود عندى، إلا لو رفض العلاج وقتها بيمضى على ورقة وبتروح الصحة باسم مستعار والدكتور بيكشف عليه من غير ما يسأل عن اسمه حتى، وبكده الموضوع بيكون فى الكتمان».

تجاذبنا أطراف الحديث معاً، محاولين الوصول إلى نقطة اتفاق بيننا، هو يريد إقناعى بأنه الأفضل وأنا أريد أن أصل إلى نقطة مهمة وهى من يأتى له بالمرضى، أكدت له أن سعره غالى وأننى سوف أضطر إلى الذهاب إلى مصحة أخرى تكون غير معروفة، فأكد لى أن مصحته لا أحد يعرفها، وأن هناك مصحات «تحت بير السلم»، تأتى له بالمرضى، وتناول هو علاجها ويكون بمثابة وسيط بين المصحة الوهمية والأهل، وبأن هذا يجنب المريض الكثير من الحرج، كما أنه أكد أن المريض لا يمكن أن يتعافى نهائياً من إدمانه، بغير إرادته، وأن المصحات الأخرى تستغل الأمر فى تحقيق أرباح لها، من خلال بيع تلك المخدرات للمرضى مع تقليل نسب التناول، وأن هذا الأمر لا يحدث عنده، ولكن كذبه سائق أحد التكاتك حينما أكد أنه لا توجد مصحة فى الحدائق إلا وتعطى مرضاها مخدرات بنسب قليلة، مشيراً إلى أنه كان قد مر بتلك التجربة من قبل.


مواضيع متعلقة