اللهم إنى صائم.. ميدان الأوبرا: «أمجاد زمان» حاضرة.. و«إبراهيم باشا» فى الترميم.. ومعركة البائعين والبلدية مستمرة

كتب: خالد عبدالرسول

اللهم إنى صائم.. ميدان الأوبرا: «أمجاد زمان» حاضرة.. و«إبراهيم باشا» فى الترميم.. ومعركة البائعين والبلدية مستمرة

اللهم إنى صائم.. ميدان الأوبرا: «أمجاد زمان» حاضرة.. و«إبراهيم باشا» فى الترميم.. ومعركة البائعين والبلدية مستمرة

كانت أصداء خطبة الجمعة الأولى من رمضان تتردد فى ميدان الأوبرا الشهير، قادمة من الجوامع والزوايا المطلة على الميدان والمحيطة به، والتى جمعت جانباً كبيراً من الباعة والعاملين بالميدان الذى بدا أنه يأخذ استراحة قصيرة قبل أن يعود إلى كامل طاقته من جديد.

فى وسط الميدان، كان تمثال إبراهيم باشا، يقف بشموخ، هو نجل محمد على، الذى «قاد جيشه من نصر إلى نصر»، حسب العبارة المكتوبة بخط كبير على قاعدة التمثال، وتحتها قائمة بالمعارك التى انتصر فيها بداية من معركة الدرعية 1818، وانتهاءً بمعركة «نزيب» 1839، فيما كانت سقالات تحيط بالتمثال من كل جانب فى إشارة إلى أنه «فى الترميم».

التمثال الذى يؤكد بموقعه أنه البطل والشخصية الرئيسية فى الميدان، والذى استقر صاحبه فى وجدان مصر باعتباره رمزاً لقدرتها على الانتصار، يحلو للباعة فى الميدان التساؤل عن سر إشارته بإصبعه للأمام، ويجيب بعضهم بأنه يشير إلى «الحال المايل والسلبيات التى يجب أن تتخطاها مصر، لتنهض من جديد».

خلف التمثال كان «جراج الأوبرا»، المبنى على أنقاض دار الأوبرا القديمة التى استمد الميدان اسمه منها، والتى تم افتتاحها عام 1869، كأول دار أوبرا فى أفريقيا والشرق الأوسط، والتى التهمها حريق كبير عام 1971، سارعت المحافظة لتحويلها إلى موقف أوتوبيس ثم لاحقاً إلى مبنى إدارى وجراج بدلاً من إعادة بنائها، فى خطوة اعتبرها الخبراء كارثة معمارية وحضارية.

التجار يشكون "ضعف البيع والشراء".. وآخرون يرصدون انخفاض كميات اللحوم فى "موائد الرحمن"

لم تكد تنتهى الصلاة حتى بدأ فصل جديد من المعركة المستمرة بين «البلدية» والباعة الجائلين، سرعان ما انتهى، مخلفاً خسائر كبيرة لدى البعض منهم، بمصادرة بضائعهم أو ضياع جانب منها، فيما واصل معظمهم عرض بضائعه من الملابس على سور حديقة الأزبكية التاريخية، المطلة على الميدان.

داخل الحديقة التى أمر بإنشائها الخديو إسماعيل ضمن خططه، لتحديث وتجميل العاصمة، كان مجموعة من الباعة الجائلين المهزومين فى المعركة، يشكون حالهم، مشيرين إلى أنهم يسعون لكسب لقمة عيشهم بالحلال، ولا يوجد لهم مصدر دخل ثابت أو تأمينات، وبعضهم «ماشى بالعلاج»، مطالبين الدولة بالنظر إلى مشكلاتهم وحلها.

وفى ما عدا الباعة الجائلين وشابين وفتاتين سودانيين، لم يكن هناك زائرون آخرون بالحديقة التى كانت يوماً ما متنزهاً ومركزاً فنياً وثقافياً عامراً بالجاليات الأجنبية والمصريين، يمتد على مساحة 18 فداناً، ثم تقلصت مساحتها شيئاً فشيئاً، لصالح المبانى والمرافق المجاورة، ومن بينها على سبيل «سنترال الأوبرا»، و«نفق الأزهر»، ومترو الأنفاق، وشارع 26 يوليو، وغيرها.

فى الناحية المقابلة لحديقة الأزبكية من الميدان، كانت العمارتان المتقابلتان رقما 1 و2، تحكيان جانباً آخر من قصة التحول الذى طرأ على الميدان، من ميدان للثقافة والفنون والجمال، وقبلة للسياح العرب والأجانب، إلى ميدان تزحف عليه العشوائية وقيم «الربح السريع».

فبينما لا تزال تحتفظ العمارة رقم 2 بالطابع المميز لعمارة القاهرة الخديوية، بزخارفها ونقوشها التى تجعلها أقرب إلى لوحة فنية، كانت العمارة رقم 1، التى قامت مكان كازينو صفية حلمى، الذى كان يجلس به مشاهير وأعلام، من بينهم نجيب محفوظ وأحمد مظهر، عبارة عن مول ضخم للأدوات الكهربائية يخلو من أى مظاهر جمالية.

يتذكر عم ثروت مرسى، مواليد 1956، من «حارة أبوقوطة» المجاورة للميدان، عندما اشترى تاجر منذ نحو 16 عاماً الكازينو وهدمه، ليرتفع مكانه هذا المول الذى يؤكد عم ثروت أنه تقاسم مع الجراج الذى تم بناؤه على أنقاض دار الأوبرا عملية تشويه وظُلم الميدان «اللى ماكنتش تعرف تحط رجلك فيه، فى رمضان زمان».

فى ناحية أخرى من الميدان، فى مقابل الموقع الذى كانت تشغله «عمارة متاتيا» التى كانت تحوى المقهى الشهير الذى كان يحمل الاسم نفسه، وشهد جلسات الشيخ جمال الدين الأفغانى وأحمد عرابى وسعد زغلول، والتى تم هدمها بعد زلزال 1992، كان ثلاثة من أصحاب محال الملابس يتسامرون فى محاولة لقتل الملل الناتج عن انخفاض حركة البيع والشراء.

«السوق بقاله مدة مريض، والتجارة ماتت»، بهذه الكلمات عبّر «عم أحمد»، تاجر فى الخمسينات من عمره، عن ضعف حركة البيع والشراء، مشيراً إلى أن شهر «رمضان» بالنسبة لهم كان موسماً للبيع، أما الآن فالحركة شبه متوقفة، مستشهداً بالدفتر الذى يسجل به المبيعات، والذى لم يكن يحوى حتى الثالثة عصراً، سوى «ريموت تليفزيون» بـ15 جنيهاً.

وأمام المكان الذى كان يجلس به التجار الثلاثة، كان طباخون يعملون بجد لإعداد ما يصفه الأهالى بأنه أكبر مائدة رحمن بـ«شارع البيدق»، التى يشارك فى إعدادها سنوياً تجار الشارع الذى يشتهر ببيع الأدوات الكهربائية.

لكن «عم محمود»، أحد التجار الثلاثة، فى الخمسينات أيضاً من عمره، يرصد تغيير مكونات المائدة فى السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن «السلطة اختفت، بعد الخضار ما غلى، وبقوا بيكتفوا بالطرشى، واللحمة قلت، بدل حتتين بقوا حتة واحدة»، لكن رغم كل شىء، فإن أصحاب المائدة «كتر خيرهم يشكرون فى كل الأحوال».

لم يكن تغير نوعيات الطعام الملاحظة الوحيدة التى يسجلها «عم محمود»، وإنما «تغير نوعيات رواد المائدة أيضاً الذين يأتون من العصر لحجز مكان لهم»، والذين أصبح بينهم «ناس مستويات وعائلات كاملة»، على حد قول الرجل الذى ينهى كلامه ضاحكاً: «وكل سنة وانتم طيبين».


مواضيع متعلقة