«أنفاق القناة»: المصريون يحققون عبورهم الثانى ويعيدون اكتشاف أنفسهم

08:07 م | الاثنين 29 أبريل 2019

مثلما استطاع الفراعنة بناء حضارة تفتخر بها الأجيال لآلاف السنين، استطاعت الأيادى المصرية العاملة فى مشروع الأنفاق أن تصنع مجداً جديداً فى أقل من 3 سنوات، لتحقق انتصاراً فريداً للإرادة المصرية، بإعادة صياغة مفهوم المستحيل وتطويعه ليصبح فن الممكن.

أيام قليلة تفصلنا عن افتتاح واحد من أكبر المشروعات العملاقة التى استهدفت تحقيق التنمية الشاملة وجذب الاستثمارات الأجنبية، فالأنفاق ليست خطوة للتنمية الاقتصادية على ضفتى القناة فحسب، بل هى شرايين الحياة التى تروى ظمأ أرض الفيروز التى تمتد مساحتها لأكثر من 60 ألف كيلومتر مربع، بما يعادل 6% من إجمالى المساحة الكلية لمصر، فواصَل العاملون فى مشروع الأنفاق الليل بالنهار لازدهار ورفعة منطقة قناة السويس، التى تعطشت لسنوات إلى العبور الثانى، بعد العبور الأول الذى اقتنصه أبطال أكتوبر فى حرب 1973.. «الوطن» كانت هناك لتكون شاهداً على خلية العمل التى لا تهدأ طيلة الـ24 ساعة لتنفيذ هذا المشروع العملاق.

كانت البداية بالانطلاق من القاهرة إلى الإسماعيلية، بعد التنسيق مع إدارة الشئون المعنوية وجهودها المتميزة فى دعم وتذليل جميع الخطوات لنقل صورة حية من موقع العمل، وتعتبر أنفاق الإسماعيلية هى المحطة الأولى للمشروع، وتمتلك القوات المسلحة حق الإشراف الكلى على المشروع، فضلاً عن التنفيذ بجانب عدد من الشركات الوطنية من بينها «المقاولون العرب وكونكورد وأوراسكوم وبتروجيت»، فتعمل شركتا «بتروجيت وكونكورد» فى أنفاق شمال الإسماعيلية التى تمتد لـ5820 متراً، بينما تعمل شركتا «المقاولون العرب وأوراسكوم» فى نفقى جنوب بورسعيد بطول 3920 متراً، ومن يزور الموقع يذوب فى التفاصيل، فلا تجد ميزة أو تفضيلاً فى نواحى العمل أو تكليفات المهام، فالكل يعمل بروح الفريق بتفانٍ وحب، فى نغمة متكاملة، لتتسق الحلقات وتخرج عنها تلك الدوائر التى تحيط بجسم النفق، من خلال 8 حلقات وقفل، لتلك الوصلات التى يبلغ وزنها 112 طناً للحلقة الواحدة.

4 شركات عملاقة وأكثر من 3 آلاف عامل أبطال هذا الإنجاز العالمى.. والموقع يعمل 3 ورديات دون توقف لحين افتتاحه

على أعتاب مدخل النفق الشمالى، الذى يقودنا إلى جسم النفق، استقبلنا المهندس محمد القلش، مدير التخطيط للمشروع بشركة «كونكورد»، والذى قال فى بداية حديثه: «المشروع يعد علامة فارقة فى تاريخ مصر، وأنا فخور أن أحكى لأولادى وأهلى بأننى كنت جزءاً من هذا المشروع، والتعب الذى عشناه بالمشروع منذ بدايته لا يُذكر أمام فرحتنا بالانتهاء منه، واستكمال فرحتنا بافتتاحه خلال أيام قليلة».

وأوضح «القلش» أن عملية الحفر بدأت بنفق مدينة الإسماعيلية، بعد وصول ماكينة الحفر العملاقة من ألمانيا، ثم نفق بورسعيد حيث بدأ العمل بالنفق الجنوبى (الذى يصل من مدينة الإسماعيلية إلى الضفة الشرقية بسيناء)، وتتولى تنفيذه شركة «بتروجيت»، بينما تنفذ «كونكورد» أعمال النفق الشمالى، الذى يأتى فى الاتجاه المقبل من سيناء إلى الإسماعيلية.

مدير تخطيط المشروع: "التعب اللى عشناه فى المشروع منذ بدايته لا يُذكَر أمام فرحتنا بالانتهاء منه"

ويشرح «القلش» بعض التفاصيل الخاصة بالمشروع، قائلاً: «أنفاق الإسماعيلية تتضمن نفقى عبور (الشمالى والجنوبى)، وكل نفق يخدم اتجاهاً مرورياً واحداً، ويقع عند العلامة 73٫2 كيلومتر من ترقيم القناة، حيث يمر أسفل قناة السويس، وتعد النقطة الأعمق له وصولاً لـ70 متراً تحت سطح الأرض، بينما يتكون جسم النفق من مجموعة من الحلقات المتراصة، كل حلقة تتكون من 9 حلقات، منها 8 حلقات متساوية وحلقة تسمى (القفل)، وتتولى مهمة الإمساك بالوصلات الأخرى وإحكامها، ويبلغ القطر الخارجى للحلقة الخرسانية التى تزن 112 طناً من الخرسانة الممزوجة بالحديد، 12٫6 متر، بينما القطر الداخلى 11٫4 متر».

وانتقلت «الوطن» إلى النفق الجنوبى لمعرفة أغراض إنشائه وبعض التفاصيل عنه، فيقول المهندس أحمد العدوى، مدير المشروع بالنفق الجنوبى، إن إجمالى طول النفق الواحد 5820م، باستخدام ماكينات الحفر TBM - 990، متضمن 4 آبار للصيانة، تشمل 2 بيارة تهوية فى كل بيارة صيانة، وتحتوى على 4 ممرات هروب عرضية، مشيراً إلى ربط النفقين بمجموعة من الممرات العرضية المتكررة كل ألف متر من طول النفق، وتستخدم فى عمليات إخلاء الأفراد فى حالات الطوارئ.

تعمل شركتا "بتروجيت وكونكورد" فى أنفاق شمال الإسماعيلية التى تمتد لـ5820 متراً

ولفت «العدوى» إلى أحد أهم إنجازات المشروع، وهو إتمام صفقة التعاقد على شراء 4 ماكينات للحفر من أفضل الشركات الألمانية العالمية لتكون مملوكة لمصر من خلال القوات المسلحة، مؤكداً أن نسبة العمالة الأجنبية داخل المشروع لا تزيد على 2% فقط، لكونها المرة الأولى التى تنفذ فيها مصر مثل هذا المشروع الضخم من الألف إلى الياء، دون اعتماد على الشركات الأجنبية فى مجال حفر الأنفاق.

من جانبه، أكد المهندس محمود إبراهيم، ومهمته مراجعة المعايير وتطبيق المواصفات الهندسية وفقاً للأكواد، مراعاة كل معايير الجودة فى كل خطوة ومرحلة خلال المشروع، مشدداً على عدم وجود أى هامش للتراخى أو الخطأ ولو بنسبة واحد فى المليون، فالمشروع القومى هو استثمار للمصريين والأجيال المقبلة، وهو حلقة العبور الحقيقية التى تعزز التنمية فى المرحلة المقبلة، لافتاً إلى أن جسم النفق عمره 120 عاماً، وبالتالى لا بد من التأكد بدقة من كل جزء واختبار كل وصلة أو خطوة يتم العمل بها، لافتاً إلى إجراء عمليات صيانة للنفق كل 10 سنوات.

"العدوى": المشروع أعاد تركيبة الإنسان المصرى القادر على عمل أى شىء إن أراد.. ونسبة العمالة الأجنبية داخل المشروع لا تزيد على 2%

وأكد مهندس السلامة المهنية محمد سيد أن الحماية والأمن من أهم مقومات العمل فى المشروع، وكل المشروعات التى تنفذها القوات المسلحة من أهم بنودها الحفاظ على حياة العاملين، فالسلامة المهنية أحد معايير نجاح العمل، ونحن حققناها بكفاءة واقتدار بنسبة 100% فى هذا المشروع، وتوفير جميع أدوات الحماية والاحتياطات اللازمة لكل العمال والفنيين، والمهندس فى المشروع أشبه بالقائد فى الميدان، فهو أول من يقوم بواجباته، وآخر الباحثين عن حقوقه».

ويقول عادل البنا، أحد مسئولى السلامة بالموقع: «قبل بدء وردية العمل لا بد من الحصول على كل وسائل الأمان لكل العاملين بالموقع، والتى تضمن سلامة العمال، والعمل داخل مشروعات القوات المسلحة يتم وفقاً لأحدث المعايير والنظم العالمية التى تنفذها الشركات الأجنبية، وأنا أعمل فى هذا المجال منذ 30 عاماً، وفى هذا المشروع شعرت حقاً أن مصر تتقدم بصورة كبيرة للإمكانيات الهائلة التى نادراً ما تتوافر فى أكبر المشروعات العملاقة، وما حدث فى مشروع الأنفاق يعد إنجازاً تاريخياً يليق بمصر، ولم يسبق له مثيل، فخلال أقل من 3 سنوات استطعنا إنجاز نفق يمر من أسفل قناة السويس بطول 5كم، للعبور إلى سيناء بأمان».