استثمارات بالمليارات.. ماذا خسرت تركيا بسبب أحداث السودان الأخيرة؟
الرئيس السوداني السابق عمر البشير - أرشيفية
على مدار الأعوام القليلة الماضية، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوطيد علاقاته بالرئيس السوداني المعزول عمر البشير، أملا في الحصول على موطئ قدم للنفوذ التركي في القارة السمراء، وهو ما ترجم من خلال لقاءات متوالية أسفرت عن اتفاقيات واستثمارات بقيمة مليارات الدولارات في السودان، إضافة إلى اتفاق لتولي شركة تركية مسؤولية إنشاء مطار الخرطوم الجديد، واتفاق آخر لمنح إدارة جزيرة "سواكن" السودانية على البحر الأحمر، للشركات التركية.
واعتمد أردوغان في نهجه على التقارب الفكري بينه وبين حكومة السودان السابقة، والتي غلبت عليها التوجهات الإخوانية التي تعتبر أرضية مشتركة للتعاون بين البلدين، إلا أنّه بعزل البشير عن السلطة، وخروج الإخوان -بالتالي- من دائرة السلطة، تتعقد مصالح الرئيس التركي وبلاده في القارة السمراء.
الآن، وقد أصبح البشير خارج السلطة، يجد أردوغان نفسه في موقف حرج في ظل تراجع نفوه بالفعل في دول مثل ليبيا وسوريا والعراق، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة في تركيا والتي تهدد استقرار أنقرة داخليا.
وتواجه استثمارات تركيا في السودان موقفا صعبا، يمثل خسارة جديدة لتركيا في ظل الأزمات المتلاحقة التي تضر بعلاقاتها الدبلوماسية، بسبب توجهات وعناد "أردوغان"، بحسب ما يؤكد المراقبون الدوليون.
في تركيا، أرسل النائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض إلهامي أوزجان أيجون، خطابا لمجلس النواب التركي، تساءل فيه عن مصير اتفاقية استئجار الأراضي الزراعية التي وقعتها تركيا مع السودان خلال عهد البشير.
وبموجب الاتفاقية التي وقعت في أبريل 2014، تستأجر تركيا أراض زراعية في السودان بمساحة 780 ألف هكتار (325 ألف فدان) لمدة 99 سنة في 6 مناطق مختلفة، وكان مقررا تسليمها إلى الشركات التركية في نوفمبر الماضي، لبدء الاستثمارات التركية هناك.
"أيجون" طرح تساؤلا لوزير الزراعة التركي، عما إذا كانت الحكومة تواصلت مع المجلس العسكري الحاكم في السودان للكشف عن مصير المشروع، منتقدا في الوقت ذاته عدم دعم الحكومة التركية للمزارعين المحليين، وتوجه الدولة للزراعة في الخارج.
ليس مشروع استئجار الأراضي الزراعية وحده الذي لا يزال مجهول المصير، فقائمة الاتفاقات الاقتصادية بين تركيا والسودان، طويلة وكانت لا تزال قيد الإنشاء. يقول الكاتب التركي كريم أولكر، إنّه يتوقع ألا تتأثر مشروعات الشركات التركية الخاصة في السودان، وأنّ يكون مصير الاتفاقيات الحكومية هو الإلغاء أو التجميد لبعض الوقت.
"تركيا اليوم في وضع لن تحسد عليه، لأنها في البداية ساندت البشير، لكن عندما نجحت الاحتجاجات وذهب البشير بعيدا عن السلطة، غيّرت موقفها وأصبحت تؤيد الشعب السوداني".. هكذا بدأ كرم سعيد خبير الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية، تصريحاته لـ"الوطن"، موضحا أنّ العلاقات التركية السودانية "استراتيجية بالدرجة الأولى، خاصة بعد التقارب الذي حدث في الفترة الأخيرة ومنح السودان إدارة وتطوير ميناء (سواكن) لتركيا، والحديث عن بناء قاعدة عسكرية في هذا المنطقة، وكان ذلك التقارب يرتكز على بُعدين، هما مسألة التقارب الأيديولوجي وحرص السودان على استثمارات تركيا وحصولها على معونات اقتصادية وبعض القروض بفوائد مخفضة".
وأكد سعيد أنّ العلاقات التركية السودانية، ستشهد تراجعا في الفترة المقبلة بعد سقوط نظام البشير، مضيفا: "لن تصل إلى حد القطيعة، وستكون علاقات طبيعية وليس تحالف أيديولوجي أو استراتيجي، ولن يكون لتركيا اليد العليا في إدارة العلاقات، وسيكون السودان الأكثر قوة، لأن قوى المعارضة السودانية والقوى السياسية التي كانت تتصدر الاحتجاجات تبدي رفضها لذلك التقارب الشديد، وسياسة البشير في منح تركيا امتيازات بالمجان في إدارة مناطق استراتيجية بالسودان أو إدارة استثمارات دون مقابل مجزي، فعلى سبيل المثال تم منح شركة تركية إنشاء مطار الخرطوم الذي ستتولى تركيا إدارته لفترة زمنية، ثم تمنحه بعد ذلك للحكومة السودانية، ولكن الحكومة طوال هذه السنوات لم تحقق أي تقدم في هذا الأمر".
وأضاف الخبير الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية: "بسقوط نظام البشير، أصبحت تركيا أمام خيارين، إما أنّ تعيد علاقاتها الأوروبية الإقليمية وتهدئ الوضع مع الولايات المتحدة، أو أنّ تتوقف عن التدخل في شؤون الدول وبناء علاقات استراتيجية تعتمد على الشفافية مع دول أفريقيا، باعتبار أنّ السودان لم تعد عمقا استراتيجيا لتركيا في أفريقيا".
وزاد سعيد: "أعتقد أنّ اليد التركية في السودان ستتراجع، خاصة وأنّ السودان كانت تعد أحد ممرات توريد الأسلحة التركية للعناصر الإسلامية لمصراتة في غرب ليبيا، والقيادة السودانية الجديدة أشارت إلى أنّها ستفصل بين السياسة والاقتصاد، وبالتالي سيكون هناك حرصا على بقاء تلك الاستثمارات وستطرح مناقشة جديدة فيها قدر من المرونة".
الكاتب الصحفي التركي والمحلل السياسي محمد عبيدالله قال لـ"الوطن"، إنّ الأوضاع في تركيا في الوقت الحالي مرتبكة بسبب مصير المشروعات التركية في السودان، معتبرا أنّ "القضية استراتيجية بالنسبة لتركيا، لأنّها كانت تسعى من خلال هذا المشروعات إلى السيطرة على السلطة الحاكمة في تلك البلد، لجعلها خادمة لمشاريعها في إفريقيا".
وأضاف عبيد الله: "الرئيس التركي خسر حليفا جديدا مثلما خسر مصر، ويبدو أنّه سيخسر ليبيا بعدها، وهناك تغييرا في موقف تركيا اتضح من خلال تصريحاتها الأخيرة، التي كانت تحتمل نوعا من المرونة، كمحاولة لعدم خسارة السودان تماما، والبيان الأخير لتركيا كان فيه قدر من المرونة، ويقول إنّ تركيا تقبل السلطة الجديدة وأنّ الشعب هو الذي يقرر وليس المجلس العسكري الانتقالي".