مصابون يهربون من الروتين الحكومى إلى «عيادات البيزنس»: «مش قادرين على تكاليف الكشف والفحوصات والعلاج»

كتب: سارة صلاح

مصابون يهربون من الروتين الحكومى إلى «عيادات البيزنس»: «مش قادرين على تكاليف الكشف والفحوصات والعلاج»

مصابون يهربون من الروتين الحكومى إلى «عيادات البيزنس»: «مش قادرين على تكاليف الكشف والفحوصات والعلاج»

لم يجد بعض مرضى الصرع الذين تدهورت حالتهم الصحية يوماً بعد آخر سوى البحث عن بديل للمستشفيات الحكومية لما عانوه فيها من إهمال وصعوبة تشخيص، بجانب نقص الخدمات فيها والانتظار لفترات طويلة، ليجدوا أنفسهم أمام أزمة أخرى، تتمثل فى ارتفاع تكاليف علاجهم فى العيادات الخاصة التى تحولت لـ«بيزنس»، على حد قول بعض المرضى، الذى أكدوا أنهم يضطرون إلى دفع مبالغ كبيرة للكشف وإجراء الفحوصات اللازمة لهم، فضلاً عن تكاليف علاجهم، مطالبين الحكومة بتوفير عيادات لهم فى كافة المستشفيات لتخفيف أعبائهم.

فى أواخر عامه الـ15، شعر «محمد الختام»، أثناء مذاكرة دروسه بدوار شديد أفقده الوعى، لكنه لم يبال حينها، ظناً منه أن ما حدث له نتيجة إصابته بـ«أنيميا» حادة فى طفولته وتضاعف مجهوده، 5 سنوات ظل فيهم «محمد» الذى التحق بكلية الهندسة جامعة المنوفية، على هذا الحال حتى زادت شكواه: «ماكنتش بكشف، أهلى كانوا بيقولوا لى ده ضعف لأنى ماكنتش باكل كويس وجسمى قليل، لحد ما فى يوم وقعت من طولى وحصل لى تشنجات وحول فى عينى ومكنتش واعى للدنيا حواليا»، ما دفع والدته إلى الذهاب به لمستشفى أشمون العام الذى يبتعد قليلاً عن مسكنهم لفحصه والاطمئنان عليه: «نتيجة الفحص كان ارتفاع ضغط الدم نتيجة القلق والتوتر بسبب الامتحانات»، ووصف له الطبيب بعض الأدوية، لكن حالته لم تلق أى تحسن، حتى ذهب إلى طبيب «مخ وأعصاب» بالقاهرة نصحه به أحد زملائه بالكلية.. هنا اكتشف الشاب العشرينى الكارثة التى حولت حياته لـ«جحيم»، على حد تعبيره، واضطرته إلى تأجيل كافة أحلامه التى ظل سنوات طويلة يخطط لها: «قال لى إن عندى صرع وحالتى متأخرة، ما صدقناش كلامه، لكن بعد الأشعة والتحاليل اللى عملتها اتأكدت».

بدأ «محمد» رحلة علاجه التى ما زالت مستمرة حتى الآن منذ 3 سنوات، بالمتابعة مع طبيب فى أحد المستشفيات الحكومية بمحافظته، لكن حالته كانت تزداد سوءاً، ما اضطره إلى قطع مسافات طويلة من محل سكنه لمستشفى قصر العينى بحثاً عن علاج يناسبه: «حالتى كانت صعبة جداً، النوبة كانت بتجيلى فى الأول نحو 7 مرات فى الشهر والمفروض بالعلاج يقل عددها لكن بالعكس كانت بتزيد لحد ما جت لى 20 مرة فى الشهر، رحت لدكاترة وكنت بغير العلاج ومفيش أى تحسن».

"رولا": باصرف 1000 جنيه أدوية.. و"محمد": الكشف لوحده 600 جنيه.. بس على الأقل النوبات قلَّت من 20 مرة شهرياً لـ7

ظل الشاب على هذا الحال لمدة عامين، حتى قرر الذهاب إلى إحدى العيادات الخاصة أملاً فى الشفاء، وخصوصاً بعد تدهور صحته وزيادة وزنه من 65 كيلو لـ140 كيلو خلال أشهر قليلة بسبب بعض الأدوية التى يتناولها، بجانب عدم قدرته على استيعاب المواد الدراسية رغم تفوقه فى كل المراحل الدراسية السابقة، إلا أن سعر «الفيزيتا» والأدوية التى تكتب له، كان حملاً آخر زاد من الكارثة: «الكشف لوحده بـ600 جنيه والمتابعة بـ250 جنيه، ده غير إنى بشترى علاج بنحو 1200 جنيه، لأنى باخد 6 أنواع من الأدوية، أقل نوع فيهم بـ150 جنيه وللأسف ماقدرش أستغنى عنه لأنى مجرد ما ببطله بتجيلى النوبة وبتعب أكتر»، مشيراً إلى أنه اضطر إلى تأجيل دراسته لأكثر من مرة والبحث عن عمل يتمكن به من الإنفاق على علاجه.

ويختتم «محمد» الذى يعمل بإحدى قاعات الأفراح حديثه، قائلاً: «نفسى المسئولين فى وزارة الصحة يهتموا بمرضى الصرع لأنه مرض مزمن وعلاجه غالى ومش أى حد يقدر عليه، ويوفروا لينا عيادات فى المستشفيات الحكومية توفر لنا خدمة جيدة بدل ما إحنا بقينا فريسة للعيادات الخاصة ولجشع الدكاترة».

أما «رولا أحمد»، ربة منزل، 32 عاماً، ظنت أن توجهها لعيادة الأمراض العصبية بمستشفى قصر العينى سيكون الحل المناسب لمعاناتها التى بدأت قبل 10 سنوات، حين أصيبت بمرض الصرع الذى تسبب فى انقلاب حياتها رأساً على عقب، حيث لم تعد السيدة الثلاثينية قادرة على رعاية طفلتيها اللتين تعتمدان عليهما بشكل كامل سواء فى حياتهما اليومية أو الدراسية، ما دفعها إلى الانتقال برفقة زوجها للعيش مع والدتها لرعايتها أثناء إصابتها بنوبات صرع من وقت لآخر، لكن بعد مرور عامين دون تحسن حالتها، اضطرت إلى توقف العلاج الذى كانت تتناوله والذهاب إلى طبيب بإحدى العيادات الخاصة بمحافظة الدقهلية، حيث مقر سكنها.

تروى «رولا» التى كانت تذهب شهرياً إلى مستشفى قصر العينى مع زوجها تفاصيل يومها، قائلة: «كنت بتحرك من بيت أبويا الساعة 4 الفجر، عشان ألحق آخد دور، ومع ذلك كنت بنتظر أكتر من 4 ساعات عشان أدخل للدكتور، لكن هناك ماكنوش بيكشفوا علينا، كنا بندخل فى عيادة السيدات نحو 3 مع بعض، وبصرف نص العلاج والباقى كنت بجيبه من على حسابى، ومكنش فيه فايدة»، لافتة إلى أنها توجهت إلى عيادة خاصة بعد أن ضاقت ذرعاً بالمستشفى الحكومى رغم ارتفاع تكاليف الكشف الذى يصل إلى 600 جنيه فى المرة الواحدة، أما الاستشارة يخصص لها مبلغ آخر، فضلاً عن الأشعة التى يطلبها الطبيب من وقت لآخر للاطمئنان على حالتها، بحسب كلامها: «بصرف فى الشهر نحو 1000 جنيه كشف وعلاج، ومش عارفة أجيب منين لكل ده بس هعمل إيه مضطرة، حتى الاستشارة بدفع لها 250 جنيه، وأقل أشعة بعملها بتكلفنى نحو 300 جنيه»، لافتة إلى أنها تضطر فى بعض الأحيان الذهاب إلى المستشفى بعد إصابتها بنوبات صرع، نظراً لأن حالتها متأخرة، على حد تعبيرها، حيث كان عدد النوبات التى تصاب بها يصل إلى 7 مرات فى اليوم الواحد قبل تغيير الأدوية التى كانت تتناولها وزيادة جرعتها.

تتابع السيدة الثلاثينية حديثها، قائلة بنبرة حزينة: «التشنجات اللى كانت بتحصلى خلت السكر عندى بقى عالى على طول، ودقات القلب مابقتش منتظمة، ورغم أنى ماكنتش باكل نهائياً إلا أنى كنت كل ما أقيسه ألاقى السكر 540، ولما رحت للدكتور بدأ يعالجنى من الصرع والسكر، وحالياً بقيت باخد ضعف الجرعة اللى كنت متعودة عليها».

معاناة أخرى يعيشها مرضى الصرع الذين قرروا علاج أنفسهم على نفقتهم الخاصة، تتمثل فى ارتفاع أسعار الأدوية الخاصة بهم نظراً لأن أغلبها يتم استيراده من الخارج، فضلاً عن نقص بعضها فى الصيدليات، ما يزيد من آلامهم، بحسب كلام «على محمد»، مريض بالصرع منذ 7 سنوات، 28 عاماً، الذى أكد أن الأدوية التى يقوم بشرائها تكلفه مبالغ كبيرة تصل لـ600 جنيه شهرياً، فالروشتة التى يصرفها شهرياً تضم 3 أنواع من الأدوية من بينها نوعان مستوردان، تكلفة الواحد منهما تصل لـ120 جنيه، وفقاً لكلامه، مشيراً إلى أنه يضطر فى بعض الأحيان إلى زيادة الجرعة فى حالة تدهور حالته الصحية.

ويضيف «على» الذى يملك «سوبر ماركت» بمنطقة المرج، قائلاً: «لما كنت بكشف فى مستشفى حكومى ماكنتش مرتاح وساعات النوبة كانت بتزيد عليّا، حالياً بتابع مع دكتور جنب البيت، وساعات ما بقدرش أروح له عشان مش معايا فلوس الكشف وبكتفى بإنى بكرر العلاج، هعمل إيه ما أنا على باب الله»، موضحاً أنه كان يعانى من وجود نقص ببعض الأدوية التى يحتاجها، مما دفعه إلى استخدام البديل المصرى لها رغم أنه أقل فعالية من المستورد، وفقاً لكلامه.

 


مواضيع متعلقة