«دائري السلام»: الحكومة طوّرته فهجره الركاب و«السيرفيس»

كتب: آية صلاح

«دائري السلام»: الحكومة طوّرته فهجره الركاب و«السيرفيس»

«دائري السلام»: الحكومة طوّرته فهجره الركاب و«السيرفيس»

سنوات من الفوضى والعشوائية والصخب وضجيج السيارات المستمر، عانى فيها أهالى منطقة «مدينة السلام» و«موقف العاشر» بسبب موقف سيارات الأجرة والميكروباص هناك، وصياح التباعين والسائقين الحاضر فى الآذان طوال الوقت، حَسِبوا أن معاناتهم تلك ستنتهى بعد نقله إلى «موقف السلام الجديد» بالقرب من الطريق الدائرى، رغم مساحته الكبيرة التى تبلغ 12.5 فدان، ويضم أربعة أقسام رئيسية: «موقف لأوتوبيسات الأقاليم المتجهة إلى كل محافظات الجمهورية، وموقف مينى باص النقل العام، وقسم خاص لسيارات الأقاليم يتسع لنحو 800 سيارة، وآخر لسيارات السيرفيس يتسع لنحو 220 سيارة»، رغم كل تلك التجهيزات وتكلفة تهيئة الموقف التى وصلت إلى 90 مليون جنيه، لم يكف ذلك سائقى سيارات الميكروباص ولم يمنعهم من الاصطفاف فوق الكوبرى الدائرى على بعد خطوات من الموقف الجديد، فى مشهد يدفع للاندهاش والتساؤل.

سائق: "بتكلمونا إحنا ليه؟.. الركاب ما بيركبوش من جوه الموقف.. علموهم النظام الأول وبعدين اعتبوا علينا"

إلى جوار سيارة ميكروباص كانت تنتظر على الطريق الدائرى بالقرب من موقف السلام وقف أحد السائقين فى انتظار اكتمال عدد الركاب داخل السيارة لينطلق بها، رفض السائق نشر اسمه، ما عكس حالة من التوجس غلف بها كلماته مبرراً تحميله من فوق الدائرى بقوله: «كنا بنقف فى الموقف الأول، بس الزبون رجله مش واخدة على المكان الجديد، وبيشاور للعربيات اللى طايرة على الدائرى فى السريع، بيستتقل ينزل السلم ويدخل لحد جوه ويدور على عربيات الخط اللى يخصه، واحنا خدامين لقمة عيشنا، فطلعنا لهم احنا فوق».

يدافع السائق عن وجهة نظره رغم تعارضها مع المنطق ومع خطة الدولة التى تهدف من تجهيز «موقف السلام الجديد» إلى حل مشكلة الشلل المرورى الدائم على الطريق الدائرى فى المنطقة الموجودة قبل موقف العاشر من رمضان، ومدخلى المرج والسلام، واستبداله كحل بديل عن موقفى العاشر والنزهة الواقعين بمدخل القاهرة الشمالى الشرقى.

ترتفع نبرة الاعتراض فى صوت السائق: «انتوا بتكلمونا احنا ليه، الركاب نفسهم ما بيركبوش من جوه»، يقطع حديثه أحد ركاب سيارته قائلاً: «يلا يا أسطى كملت»، يغادر مطوحاً يديه فى الهواء بلا اكتراث: «علموا الشعب النظام الأول وبعدين ابقوا اعتبوا علينا».

على بعد خطوات على الطريق الدائرى، وقف محمد صابر، أحد الركاب، ممسكاً بيديه عدة حقائب بلاستيكية تبدو ثقيلة، رامياً بصره فى اتجاه قدوم السيارات، منتظراً سيارة أجرة تقله إلى منطقة التجمع الخامس، بدا عليه التأفف من طول الانتظار، ورغم علمه بوجود سيارات أجرة بالموقف كما قال، فإن اعتراضه على دخول الموقف كان بسبب بُعد المسافة: «مين فيه حيل ينزل السلم ده كله، وأنا معايا شنط وحاجات، وعربيات التجمع فى آخر الموقف، مستنى عربية تنزّل زبون وأركب مكانه فى الإنجاز»، يميل السائقون والركاب إلى الاعتقاد بأن زحام المواقف العشوائية أعلى الكوبرى الدائرى يساعدهم على الإنجاز، بحسب قول أحد السائقين: «اللى بيحمّل واللى بيركب، كله بينجز أموره فى السريع»، متجاهلين بذلك المحبوسين داخل هياكل سياراتهم جراء الاختناقات المرورية التى تصنعها تلك المواقف على طول الطريق.

هادى أشرف، من سكان أحد العقارات المجاورة لموقف السلام الجديد، يشكو مما تحولت إليه المنطقة المحيطة بالموقف: «فى الأول كانت حاجة تفرح بصراحة، ومشروع ممتاز، وقلنا هيسهل علينا كتير، لكن بعد السوق المتنقل اللى اتنصب حواليه ده، بقى الوضع صعب جداً»، يشير «أشرف» إلى جوار سور الموقف الجديد، حيث يستقر عشرات الباعة، يتجولون بعربات تعرض أشياء متنوعة، ينتشر بينهم خليط عجيب من الروائح، خاصة الصادرة ممن يبيعون الطعام: «حد يبيع ممبار وفشة وكرشة وكلاوى على الصبح، وإيه الريحة دى؟»، يحرك سبابته إلى اليمين قليلاً ويقول: «وآدى مطعم فول وطعمية كامل متنقل، ولازق فيه بياع جزم، هنا كل حاجة موجودة من الإبرة للصاروخ، وكله بينادى على بضاعته فى نفس الوقت، اتقلب مورستان، دى مش حياة آدمية»، بينما يتحدث «أشرف» كانت مشاجرات السائقين فى الجوار تتصاعد، يستميت كل منهم فى محاولات بائسة لإثبات أحقيته فى «تحميل» سيارته أولاً، يغلق كل منهم باب عربة الآخر ليمنع الركاب من الصعود إليها، وتتداخل أصوات صياحهم فى وجوه الركاب المقبلين، قائلين بعنف: «يا أستاذ دى اللى طالعة يا أستاذ»، ليرد زميله مقسماً أنه سيرتكب جناية إن لم يدعه يكمل سيارته ويتحرك أولاً، يتم ذلك وسط حالة من التسليم والتململ تسيطر على الركاب فى السيارتين، تقطع صياحهم إحدى السيدات قائلة بهدوء: «استهدوا بالله، مش كل يوم على كده، ورانا مصالح عايزين نقضيها».


مواضيع متعلقة