قرن من التدوين.. 1919 ثورة حركت الوجدان المصري وأثرت على أقلام العالم

كتب: ماريان سعيد

قرن من التدوين.. 1919 ثورة حركت الوجدان المصري وأثرت على أقلام العالم

قرن من التدوين.. 1919 ثورة حركت الوجدان المصري وأثرت على أقلام العالم

قرن من التدوين لثورة أسست للثقافة والفكر المصري الحديث، فبعد 100 عام ما تزال الذاكرة المصرية تقف بتمحص وتحليل لحدث كان الأكبر في بدايات القرن العشرين، حدث أسس لكتابة جديدة وحَدَثَ كل ما هو قديم فشغل الأقلام المصرية والعربية والعالمية، وأثر على الثقافة والفكر وتمخض بألوان أدبية وفنية ومحتوى نقدي وتحليلي لم يكن معتاد للمصريين، وإن كانت الحركة الفكرية ما قبل 1919 مهدت لهذه الانطلاقة إلا أن الثورة أعطت الجرأة لظهور الأفكار وتنوعها.

قبل الثورة بدأ الفكر المصري ينظر نظرة جديدة للموروثات الأدبية فخرج العقاد يهاجم أحمد شوقي وشعره العامودي، والمازني ينتقد شعر حافظ إبراهيم سنة 1915، وطه حسين يعيد قراءة أبي العلاء المعري، وتظهر جماعة الديوان في الأدب ومجلة «السفور» في الصحافة للاعتراض على القديم، فالصحفية التي عمل بها الأخوان مصطفى وعلي عبدالرازق، ومحمد حسين هيكل، وأحمد ضيف، وطه حسين، ومحمد تيمور، ومنصور فهمي، وغيرهم نشرت ترجمات عديدة من الأدب الروسي، والفرنسي، والإنجليزي قبل اندلاع الثورة ما مهد الأرض لظهور فكري مصري جديد.

وأتت ثورة 1919، وتمخضت بفنون وآداب جديدة مستحدثة ألوانا أدبية وفنية ومحدثة لكل القائم في أرضية الثقافة المصرية، فكتبت روايات وقصص قصيرة وتغير شكل القصيدة و تطور مفهوم المقال وتجرأ كتاب النقد، فنشر طه حسين قراءته الجديدة لشعر أبي العلاء المعري بعنوان «تجديد ذكرى أبي العلاء» بعد أن كانت رسالة ماجيستير حبيسه الأدراج، ورغم هجوم بعض أفراد «الجمعية التشريعية» عليه بما يشبه التكفير تدخل سعد زغلول وحل الخلاف.

نشر أيضا أحمد حسنين هيكل روايته «زينب»، وهي من الأعمال المؤسسة لفن الرواية العربية، وبالرغم من أن الرواية صدرت عام 1914 إلا أن هيكل لم يجرأ أن يضع اسمه عليها فحملت توقيع «بقلم مصري فلاح»، لكن بعد 15 عاما نشرت الطبعة الثالثة تحت اسمه، أي بعد الثورة التي أثرت عليه بشكل واضح فكتب «ثورة الأدب» الكتاب المنشور في 1933 ويشرح الأدب قائلا إن «الأدب هو الأخذ من كل شىء بطرف»، ونشر أيضا توفيق الحكيم روايته «عودة الروح» المكتوبة عام 1927 ومنشورة عام 1933 التي حملت انطباعاته عن الثورة ووصفها بـ"الشرارة الأولى"، وذلك بعد أن أطلق عيسى عبيد مجموعته الأولى «إحسان هانم».

وباندلاع ثورة 1919 انطلق المجتمع بالفن والموسيقى والأدب فألف سيد درويش الأغنيات، ونحت محمود مختار فنه المصري ولعل أبرزه تمثال «نهضة مصر» المنحوت بروح مصرية عصرية ورسم محمود سعيد لوحاته، وكتب محمد تيمور مسرحياته، وعلت أبيات أحمد رامي الشعرية يتغنى بها الشعب بعد أن غنتها أم كلثوم، وانتشرت قصص محمود طاهر لاشين بين يدي الطلبة، وخرج طه حسين بكتابه «مستقبل الثقافة» (1938) ليحدث عما يراه للمجتمع المصري، وراحت الأقلام تناضل كلا بألوانه فكتب يوسف إدريس عن الحرية وإسماعيل أدهم نشر مقاله الصادم آنذاك عام 1937 في مجلة الإمام تحت عنوان "لماذا أنا ملحد؟"، وانفجرت الرواية في المكتبة العربية لتسجل تباين وزخم الشخصيات والأفكار بالمجتمع المصري بقلم نجيب محفوظ ويحيى حقي وتوفيق الحكيم.

https://timesmachine.nytimes.com/timesmachine/1919/07/25/97106142.pdf?fbclid=IwAR3vhtZJlNkeAbarGNTVH4NyqEbRtwhtEPiNtDZwKb6Xjpq5OnHH8oetyJQ

 

لم تقتصر الثورة على التأثير في داخل المجتمع المصري، فما أن انفجرت في مصر حتى طال صداها العالم، وربما من أوائل ما نشر عنها كان تقريرا نشر في «نيويورك تايمز» الصحفية التي تأسست عام 1851، نشرت في يوليو لعام 1919 أي ما بعد اندلاع الثورة بأشهر قليلة موضعا عن مصر بعنوان «موت 800 من ولاد البلد في (هَبَة) مصر» كتب فيه عن ضحايا الثورة ومصرع 800 من المصريين وإصابة 1600 آخرين ووصف التعامل مع الثورة بـ«الفاشية» ملقيا الضوء على الأحكام بالإعدام لأكثر من 39 سجينا وحبس أكثر من 2000 آخرين، ولم تقتصر الكتابات على فترة الثورة لكنها طالت السنين التي تلتها وجاء الإنجليزي فالنتين كيرول يكتب عن الثورة في مقاله الصادر عام 1922 تحت عنوان «السؤال المصري».

ويدرجها بانايوتيس فاتيكيوتس تحت قائمة أكثر الأحداث تأثيرا في مصر في كتابه تاريخ مصر الحديث المنشور في عام 1969، الذي يتناول التاريخ الحديث منذ الاحتلال البريطاني وحتى 1952، وأتت ثورة 1919 كحدث مؤثر في التاريخ الحديث مهد لاستقلال مصر، وكشف وجها جديدا للمجتمع المصري.

 

ظل الكتاب والمستشرقون يتناولون الأحداث السياسية في مصر وأغلبهم يضع ثورة 1919 نصب عينيه حدثا جللا لا يمكن التغافل عنه بداية من الكتب المنشورة بالتزامن مع الحربين العالميتن وحتى الألفية الثالثة فنجد روبرت تيجنور يعود لذكر أحداث 1919 في كتابه «مصر قصة قصيرة» الذي يندرج تحت «أدب الرحلات» فذكر فيه مختصر وموجز لمصر منذ بداية الاستيطان البشري في وادي نهر النيل منذ 5000 عام حتى الألفية الثالثة، من خلال تغطية كل العصور الرئيسية لتاريخ مصر وصولا لدمج مصر في إمبراطوريات إسلامية قوية لغزو نابليون في عام 1798، ثم كونها جزءا من الإمبراطورية البريطانية، متوقفا عند ثورة 1919 ومن ثم مصر الحديثة بعد المرحلة الكولونيالية في عهد الجمهورية.


مواضيع متعلقة