"تغير المناخ".. إنسان العصر الحديث يجني ثمار "صنعة الماضي"

كتب: حسن رمضان

"تغير المناخ".. إنسان العصر الحديث يجني ثمار "صنعة الماضي"

"تغير المناخ".. إنسان العصر الحديث يجني ثمار "صنعة الماضي"

تعتبر قضية "تغير المناخ" من القضايا الحاسمة في العصر الحديث، وهو ما أيدته منظمة "الأمم المتحدة" على موقعها الإلكتروني، بذكرها أن الآثار العالمية لتغير المناخ هي واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، من تغير أنماط الطقس المهددة للإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية.

وأشارت المنظمة إلى صعوبة التكيف مع هذه التأثيرات وسيكون مكلفا في المستقبل، إذا لم يتم القيام بإتخاذ إجراءات جذرية الآن، موضحة أنه بعد أكثر من قرن ونصف من التصنيع، وإزالة الغابات، والزراعة الواسعة النطاق، ارتفعت كميات "غازات الدفيئة" في الغلاف الجوي إلى مستويات قياسية لم تشهدها منذ 3 ملايين عام.

وتابعت، أنه بينما تنمو الاقتصادات ومستويات المعيشة للسكان، فإن مستوى تراكم انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري "غازات الدفيئة" آخذة في الارتفاع أيضا، كذلك الحال بالنسبة للمستوى التراكمي من الغازات المسببة للاحتباس الحراري "انبعاثات غازات الدفيئة".

وأضافت الأمم المتحدة، أن هناك بعض الروابط العلمية الأساسية الراسخة، موضحة أن هناك علاقة مباشرة بين تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض بمتوسط درجات الحرارة العالمية على الأرض، مشيرة إلى أن تركيز الغازات آخذ في الازدياد المطرد جنبا إلى جنب مع درجات الحرارة العالمية منذ عهد "الثورة الصناعية"، موضحة أن حرق الوقود الأحفوري ناتج عن غازات الدفيئة المتوفرة بكثرة وثاني أكسيد الكربون تستأثر بحوالي ثلثي غازات الدفيئة.

ونظرا للتركزات الحالية والانبعاثات المستمرة من "غازات الدفيئة"، فمن المرجح أن يشهد نهاية هذا القرن استمرار زياردة درجات الحرارة العالمية فوق مستوى ما قبل العصر الصناعي.

وقالت المنظمة الأممية، إنه ستستمر محيطات العالم بالدفئ وسيستمر ذوبان الجليد، ومن المتوقع أن يرتفع متوسط مستوى سطح البحر ليكون 24-30 سم في 2065، و40-63 سم بحلول عام 2100، مقارنة مع الفترة ما بين 1986-2005، وستستمر معظم مظاهر التغير المناخي لعدة قرون حتى لو توقفت الانبعاثات.

وهناك أدلة مقلقة في تحولات هامة، والتي ستؤدي إلى تغيرات لا رجعة فيها في النظم البيئية الرئيسية ونظام المناخ في الكوكب، إذا لم تكن بالفعل بلوغها أو تجاوزوا، وقد تكون النظم البيئية المتنوعة مثل غابات الامازون المطيرة والتندرا في القطب الشمالي، قد اقتربت من عتبات تغيير جذري من خلال ارتفاع درجات الحرارة والجفاف.

وتنذر الانهارات الجليدية الجبلية بتراجع خطير وكذلك آثار انخفاض إمدادات المياه في الأشهر الأكثر جفافا حيث سيكون لها تداعيات تتجاوز الأجيال.

وفي إطار الجهود الدولية، لمكافحة التغير المناخي، توصلت الدول المشاركة في "مؤتمر باريس" في عام 2015 إلى اتفاقية تاريخية لمكافحة تغير المناخ، وتسريع وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لتحقيق مستقبل مستدام منخفض الكربون، ويهدف الاتفاق للعمل على التخلص من انبعاثات "غاز ثاني أوكسيد الكربون" المنبعث من الصناعة بحلول 2050 بشكل كامل.

وأوضحت الأمم المتحدة، أنه ولأول مرة تجلب جميع الدول إلى قضية مشتركة للقيام ببذل جهود طموحة لمكافحة تغير المناخ والتكيف مع آثاره، مع تعزيز الدعم لمساعدة البلدان النامية على القيام بذلك، وعلى هذا النحو، فإنه يرسم مسارا جديدا في جهود المناخ العالمي، مشيرة، إلى أن الهدف الرئيسي لـ"اتفاق باريس"، هو تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ عن طريق الحفاظ على إرتفاع درجات الحرارة العالمية هذا القرن أيضا إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل "الثورة الصناعية"، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أبعد من ذلك إلى 1.5 درجة مئوية.

وتعهدت 194 دولة وقعت على اتفاق "باريس للمناخ 2015"، بما فيها الولايات المتحدة، والتي قررت الانسحاب في الأول من يونيو2017، لتصير واشنطن أول دولة تريد الانسحاب من الاتفاقية من 200 دولة وقعت عليها، فيما ذكرت قناة "يورو نيوز" الإخبارية الأوروبية، أن القوانين والإجراءات الأممية لا تخول واشنطن بالانسحاب من الاتفاقية قبل 2020، أي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.

في ذات السياق، أشارت قناة "فرانس 24" الفرنسية، إلى أنه من أبرز نقاط الاتفاق: وقف ارتفاع درجة حرارة الأرض، حيث تعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها دون درجتين مئويتين، قياسا بعصر ما قبل "الثورة الصناعية"، وبمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، وهذا يفرض تقليصا شديدا لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باتخاذ إجراءات للحد من استهلاك الطاقة والاستثمار في الطاقات البديلة واعادة تشجير الغابات.

وتمثلت أحد أهم إجراءات الاتفاق في وضع آلية مراجعة كل 5 سنوات للتعهدات الوطنية التي تبقى اختيارية، وستجري أول مراجعة إجبارية في 2025 ويتعين أن تشهد المراجعات التالية إحراز تقدم، وأوضحت "فرانس 24"، أنه في 2018، أجرت الـ 194 دولة أول تقييم لأنشطتها الجماعية وستدعى في 2020 على الأرجح لمراجعة مساهماتها.

وقال "اتفاق باريس للمناخ"، أنه في الوقت الذي كانت فيه الدول النامية حتى الآن خاضعة لقواعد أكثر تشددا في مجال التقييم والتثبت في المبادرات التي تقوم بها، إن النظام ذاته ينطبق على الجميع، فيما وعدت الدول الغنية في 2009 بتقديم 100 مليار دولار سنويا بدءا من 2020 لمساعدة الدول النامية على تمويل انتقالها إلى الطاقات النظيفة، ولتتلاءم مع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تعتبر هي أولى ضحاياها.

وأشارت "فرانس 24"، إلى مطالبة الدول النامية في نص الاتفاق على اعتبار الـ 100 مليار دولار سنويا ليس سوى حد أدنى، وسيتم اقتراح هدف جديد في 2025، وعززت قمة باريس في 2015 الآلية الدولية المعروفة بـ"آلية وارسو"، والتي لا يزال يتعين تحديد إجراءاتها العملية.

وتابعت القناة الفرنسية قائلة، إن هذه المسألة حساسة بالنسبة للدول المتقدمة خصوصا الولايات المتحدة، التي تخشى الوقوع في مساءلات قضائية بسبب مسؤوليتها التاريخية عن التسبب في الاحتباس الحراري، مشيرة إلى توصل هذه الدول إلى إدراج بند يوضح أن الاتفاق لن يشكل قاعدة لتحميل المسؤوليات أو المطالبة بتعويضات.

وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 1 يونيو 2017، انسحاب بلاده من اتفاقية باريس للمناخ، وهو الأمر الذي كان وعد به خلال حملته الانتخابية تحت شعار الدفاع عن الوظائف الأمريكية، مؤكدا، أنه يرفض أي شيء يمكن أن يقف في طريق إنهاض الاقتصاد الأمريكي، وأشار المسؤول الأمريكي، إلى أنه حان الوقت لإعطاء الولايات الأمريكية أولوية على باريس وفرنسا، وتابع ترامب قائلا، إن الاتفاق لا يصب في صالح واشنطن، مشيرا إلى أن الاتفاق الراهن ليس حازما بما يكفي مع الصين والهند، وأكد الرئيس الأمريكي، أن "اتفاق باريس للمناخ" لن يكون له تأثير كبير على المناخ.

وكان ترامب، قال في مقابلة مع شبكة "سي بي إس" الأمريكية في وقت سابق، ردا على سؤال حول ثقته بتغيير المناخ: "أعتقد بأن شيئا ما يحدث، يتغير شيء، لا أعرف إن كان الإنسان هو السبب في ذلك"، مضيفا: "لا أريد تقديم تريليونات من الدولارات وبأن يفقد الملايين وظائف عملهم، لا أريد وضع نفسي في مثل هذه المواقف"، ورفض الرئيس الأمريكي، ما توصل إليه الكثير من المختصين في العالم، بأن الإنسان هو سبب التغيير المناخي وبأن هذا التغيير أصبح خطرا، وتابع ترامب قائلا، إن للعلماء أيضا توجهاتهم السياسية، وفقا لما ذكرته وكالة "سبوتنيك" الروسية.

وكان تقريرا أعدته لجنة معينة من "الكونجرس" الأمريكي وشاركت في كتابته عشرات الوكالات الأمريكية، في نوفمبر الماضي، أشار إلى أن تأثيرات التغيير المناخي ستكون سلبية إذ ستؤذي صحة الإنسان وتدمر البنى التحتية وتحد من كميات المياه، كما أنها ستضرب قطاعات كثيرة منها الزراعة والسياحة وصيد الأسماك وكل القطاعات الأخرى التي تعتمد على الموارد الطبيعية، موضحا أن التأثيرات ستمتد إلى التجارة العالمية، وتصيب أسعار الاستيراد والتصدير وعمل الشركات الأمريكية، بسبب تأثر العمليات الخارجية وسلاسل الإمداد، مشيرا غلى أن التغيير المناخي سيكلف الولايات المتحدة مليارات الدولارات حتى نهاية العام،.

وقال ترامب، في 27 نوفمبر 2018 ، إنه لا يصدق تقريرا أصدرته حكومته حذر من خسارات اقتصادية هائلة، في حال استمرت انبعاثات الكربون في زيادة الاحتباس الحراري بلا رقابة، مشيرا في ذلك الوقت، إلى أن بلاده لن تتخذ إجراءات لخفض الانبعاثات، إذا لم يتم اتباعها في بلدان أخرى.

ورفض ترامب التحذير الرئيسي في التقرير الذي حمل اسم "التقييم الوطني للمناخ"، والذي يتحدث عن حصول خسائر بمئات مليارات الدولارات في نهاية القرن، من جراء التغير المناخي إذا لم يكن هناك خفض عالمي كبير مستدام للانبعاثات، وقال: "عليكم أن تشملوا الصين واليابان وكل آسيا وجميع البلدان الأخرى، أتعرفون!. التقرير يتوجه فقط إلى بلدنا".

جدير بالذكر، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، سيعقد في سبتمبر 2019، "قمة المناخ" لتوحيد قادة العالم من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني من أجل دعم العملية المتعددة الأطراف وزيادة وتسريع العمل والطموح المناخي، فيما قالت منظمة "الأمم المتحدة"، إن جوتيريش، قام بتعين "لويس ألفونسو دي ألبا"، الدبلوماسي المكسيكي السابق، مبعوثه الخاص لقيادة التحضيرات للقمة.

وستركز القمة على القطاع الرئيسي الذي من الممكن أن يحقق الفرق الأكبر كالصناعة الثقيلة والحلول القائمة على الطبيعة والمدن والطاقة والمرونة وتمويل المناخ.


مواضيع متعلقة