قصة محكمة "النسوان" في الإسكندرية التي أوقفها "عبدالناصر" بأمر سياسي
محكمة النسوان
مبنى مهجور مكون من طابق أرضي وآخرين علويين، بجانب حوائط حاملة وأسقف خشبية، يسمى بـ"محكمة النسوان" أو المحكمة الشرعية، شغل عقل كثيرين عن سبب تسميته وتزايدت التساؤلات مؤخرا، إثر تساقط أجزاء من الطابق العلوي للمبنى الكائن في شارع الشهيد مصطفى حافظ، بدائرة قسم الجمرك، ما تسبب في تهشُم سيارتين ملاكي، تصادف وجودهم دون حدوث إصابات أو خسائر بشرية.
حاولت "الوطن" التعرف إلى قصة المحكمة الشرعية ذلك المبنى المهجور لسنوات، حيث قالت المهندسة سحر شعبان، رئيس حي الجمرك بالإسكندرية، إن محكمة "النسوان" صدر لها قرار هدم منذ عام 2004، مؤكدة أنه تم إدراجها بمجلد التراث في عام 2016، لتشير إلى أنه سبق وسقط منها أجزاء من الأدوار العلوية في عام 2018، وتم إخطار هيئة الحفاظ على التراث لاتخاذ الإجراءات اللازمة حيال الواقعة.
وأضافت "سحر" لـ"الوطن"، أنه تم وضع حواجز حديدية حول المبنى، بالإضافة إلي إخلاء الشارع من المارة والسيارات من خلال شرطة المرور، وذلك لتأمين المارة والمرور بالطريق العام، بالإضافة إلى إتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة.
الدكتور إسلام عاصم، أستاذ التراث في المعهد العالي للسياحة، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، قال إن مبنى المحكمة غير تابع لوزارة الآثار، موضحًا بأنه لا يخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، مشيراً إلي إنه غير مسجل أيضا بأعداد الآثار الإسلامية في الإسكندرية، حيث يعد المبنى مهملًا منذ وقف العمل بالمحكمة إبان حكم الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر بقرار سياسي.
وأضاف "عاصم" لـ"الوطن"، أن مبنى المحكمة الشرعية يرجع تاريخه إلى فكرة إنشاء المحاكم الشرعية بجانب المحاكم الأهلية والمختلطة في عصور المماليك والعثمانيين، وذلك قبل 5 قرونا، حيث سميت بـ "الشرعية" نسبة إلى لجوء القاضي الشرعي آنذاك إلى امتثال المذاهب الإسلامية القانونية الـ4، حيث الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي.
وظل هناك صراعا بين خريجين الأزهر حتى يفوزون بالقضاء تحت مظلة المحاكم الشرعية، إلا أن في أعقاب حدوث ثورة 1952، أمر الرئيس المصري جمال عبدالناصر آنذاك بغلق المحكمة، وذلك إثر واقعة شهيرة طالت أروقة المحكمة الشرعية وذاع صيتها.
وأردف أن فترة ما بعد ثورة 1952م، كانت فترة صراع سياسي، خاصة مع ظهور جماعة الإخوان المسلمين، وتوغل السلطة الدينية، وفضل البعض من طلاب الأزهر الانتماء إلى جماعة الإخوان، حيث أن كانت المحكمة معبرا للتحكم في قضايا الأوقاف والأحوال الشخصية، مشيرا إلى أن أجهزة الدولة هي من لعبت الدور للإشراع في غلقها بأمر رئاسي له بعد سياسي، حيث كان الأولى أن يحولها إلى قضاء مدني بدلا من غلقها.
وسميت بمحكمة "النسوان"، لأنها كنت تنظر في الأحوال الشخصية من قضايا الطلاق والنفقة والميراث؛ حيث كان يقف على أبوابها المطلقات والأرامل والثكالى وكبار السن والباحثات عن حقوقهن في الميرات.
"واقعة الشاطر بألف".. وأشار "عاصم" إلى أن واقعة غلقها، تعود إلى 1956 حيث تحكي عن القبض على "قاضي النسوان"، وهو قاضي محكمة المنشية الشرعي ويدعى "محمد الفيل"، حيث قبض عليه متلبسا مع أحد القضاة الآخرين، وثلاث مطلقات من ذوات القضايا المنظورة أمامه في وضع منافي للآداب، مؤكدًا أن القضاء أنصفه حيث تم تبرئته بحكم قضائي.
وأوضح أن بعض المؤرخين يوقعون الحمل على الرئيس جمال عبدالناصر في قرار غلق المحكمة الشرعية، موضحا أنه يتحمل فقط المسؤولية الأدبية، مؤكدا أن أجهزة الدولة آنذاك هي من لعبت ذلك الدور لإصدار قرار غلقها.
وطالب بالنظر إلى المحكمة التي تعاني من إهمال شديد، متساءلًا: "ألم يكن جديرا بعدد مؤسسات الدولة والمجتمع المدني أن ينظروا إلى ذلك المبنى الكبير والمهمل"، مؤكدا أن كل نظريات الترميم تنص على الحفاظ على أي مكان باستخدامه وليس بغلقه، وعلى الدولة أن تعيد استخدامه أو تحوله إلى مركز ثقافي، منوها أنه من الممكن إساءة استخدامه في الممنوعات.