العابد الذى غلب الشيطان
- الأسبوع الماضى
- التراث الإسلامى
- الحور العين
- القرآن الكريم
- بنى آدم
- تاريخ الإسلام
- والله أعلم
- أجداد
- أخلاق
- أداة
- الأسبوع الماضى
- التراث الإسلامى
- الحور العين
- القرآن الكريم
- بنى آدم
- تاريخ الإسلام
- والله أعلم
- أجداد
- أخلاق
- أداة
يصح النظر إلى وهب بن منبه كأول محترف لوظيفة الوعظ وسرد الحكاوى فى تاريخ الإسلام. وهى تلك الوظيفة التى تمددت وتعمقت خلال المراحل المختلفة للتاريخ الإسلامى، خصوصاً فى العصرين الأموى والعباسى، حيث انتشر من كان يطلق عليهم حينذاك «الرواة والقصاصون» فى الأسواق وداخل المساجد، يعظون الناس فى قوالب قصصية. كان هؤلاء يؤدون وظيفة أشبه بوظيفة «دعاة الفضائيات» الذين تحتشد بهم شاشات الفضائيات فى اللحظة المعاصرة، وجلهم يجد أصلاً وجذراً له لدى تلك الشخصية الخطيرة فى تاريخ الإسلام والمسلمين شخصية «وهب بن منبه».
يقول «ابن كثير» فى تعريفه بـ«وهب بن منبه»: «تابعى جليل وله معرفة بكتب الأوائل، وهو يشبه كعب الأحبار، وله صلاح وعبادة، وتروى عنه أقوال حسنة وحكم ومواعظ، قال الواقدى توفى بصنعاء سنة عشر ومائة، وقال غيره بعدها بسنة وقيل بأكثر، والله أعلم، ويزعم بعض الناس أن قبره بقرية يقال لها عصم ولم أجد لذلك أصلاً». لم يكن لابن كثير أن يذكر «وهباً» دون الإشارة إلى كعب الأحبار الذى تناولت دوره فى تشكيل خطاب التراث الإسلامى الأسبوع الماضى، فـ«وهب» يشكل الضلع الثانى من أضلاع المثلث الذى ضم كلاً من «كعب» و«وهب» و«عبدالله بن سلام»، بما لهذا الثالوث من أدوار محسوسة فى تشكيل بنية التراث الموروث عن الأجداد.
وهب بن منبه ليس مؤسساً وفقط لوظيفة «الوعاظ والحكائين» التى يحترفها اليوم «دعاة الفضائيات»، بل يصح النظر إليه أيضاً كمؤسس لمجمل الخطاب الذى يرتكز عليه عمل هؤلاء. ثلاث ثنائيات اعتمد عليها خطاب «الوعظ والحكايات» لدى «وهب»: أولها ثنائية العابد والشيطان، وثانيها ثنائية الحور العين والإنسان، وثالثها ثنائية الموت والحياة. واعتمد الجد «وهب» على نفس الأداة التى يركن إليها أحفاده من «دعاة الفضائيات»، وهى «رواية القصص» بغض النظر عن اتساقها أو تناقضها مع العقل أو المنطق.
من القصص الأساسية التى تجدها رائجة وشائعة فى مواعظ وحكايات وهب بن منبه قصة «العابد» الذى يصارع الشيطان، يأتيه إبليس فى صومعته أو محل عبادته، فلا يعجبه أمره، فيتجسد له فى صورة إنسان أو حيوان ويحاول غوايته والإيقاع به فى شرك المعصية، وينشب صراع ما بين الطرفين، ينتهى دائماً بانتصار العابد الإنسان على الشيطان «المتحيون» إذا صح التعبير، ويعقب الانتصار أن يضع الشيطان نفسه فى خدمة الإنسان العابد، ويقدم له نصائح ذهبية، تحميه من شره فى المستقبل. ينقل «ابن كثير» هذه الحدوتة عن وهب بن منبه، وتحكى قصة عابد من السياح (أى ممن يتنقلون من مكان إلى مكان) اجتهد الشيطان فى غوايته بكل الطرق وشتى الحيل، لكنه لم يفلح، فاستسلم له فى النهاية، ولعب معه «لعبة النصيحة». سأل العابد شيطانه المضل: أخبرنى عن أوثق ما فى نفسك تضل به بنى آدم، قال: ثلاثة أخلاق الشح والحدة والسكر، فإن الرجل إذا كان شحيحاً قللنا ماله فى عينه ورغبناه فى أموال الناس، وإذا كان حديداً تداولناه بيننا كما يتداول الصبيان الكرة ولو كان يحيى الموتى بدعوته لم نيأس منه وكل ما يبنيه نهدمه لنا كلمة واحدة، وإذا سكر قدناه إلى كل شر وفضيحة وخزى وهوان كما تقاد القط إذا أخذ بأذنها كيف شئنا».
قصة العابد والشيطان التى حكاها «ابن كثير» نقلاً عن «وهب» تؤكد بداءة على أن المرأة هى الأداة الأهم التى يوظفها الشيطان فى مواجهة المؤمنين المتعبدين، وهى تحمل إشارة إلى أن المرأة مصدر الغواية الأول للرجل، واستعادة للفكرة الشائعة فى «التراث التوراتى» من أن الشيطان استخدم حواء فى غواية آدم وإخراجه من الجنة، وهى فكرة تتناقض مع ما نص عليه القرآن الكريم، حين حمّل كلاً من آدم وحواء تبعة الخطيئة، وهى تشدد فى الكثير من مواضعها على قدرة العابد على هزيمة الشيطان ودفع الأخير إلى الاستسلام له، والكشف عن شخصيته الحقيقية، وطلب صداقته، ليصبح الشيطان فى خدمة العابد!.