«أحسن ليالي مصر».. «الغطاس» عيد احتفل به المسلمون وأبطله «الشراكسة»

كتب: ماريان سعيد

«أحسن ليالي مصر».. «الغطاس» عيد احتفل به المسلمون وأبطله «الشراكسة»

«أحسن ليالي مصر».. «الغطاس» عيد احتفل به المسلمون وأبطله «الشراكسة»

"الغطاس" أو "عيد الظهور الإلهي" يوم تعمر الكنائس بالصلوات حيث تصلي "اللقان" تلك الصلاة التي تصلى 3 مرات فقط في العام منها مرة في "عيد الغطاس"، ويصوم المسيحيون "برمون الغطاس" وهو اليوم الذي يسبقه، لا تقتصر الاحتفالات به في الكنائس فقط لتخرج للأسواق فيكثر باعة "القصب" و"القلقاس" و"البرتقال" وهي الأكلات الشهيرة لهذا العيد.

والغطاس تذكار معمودية السيد المسيح على يد "يوحنا المعمدان" في نهر الأردن، وتعد "اللَّقّان" هي صلاة تبريك المياه، ويتبعها رش الحاضرين بالماء للبركة، وتختتم بصلوات القداس الإلهي.

ولمصر بصمة مميزة في كل شيء فقبل مئات السنين كانت "ليلة الغطاس" "أحسن ليالي مصر" بحسب المؤرخ والجغرافي العربي أبوالحسن المسعودي "896 - 957م" فيقول في كتابه "مروج الذهب": "وليلة الغطاس في مصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وهي ليلة إحدى عشرة تمضي من طوبة وستة من كانون الثاني (...) وقد حضر النيل في تلك الليلة مئة آلاف من الناس من المسلمين والنصارى، منهم في الزوارق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على الشطوط، لا يتناكدون الحضور، ويحضرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب والملابس وآلات الذهب والفضة والجواهر والملاهي والعزف والقصف وهي أحسن ليلة تكون بمصر. وأشملها ذلك أمان من المرض ومبرئ للداء"، بحسب وصف المسعودي.

وذكر المسعودي: "ولقد حضرت ليلة ثلاثين وثلثمائة ليلة الغطاس بمصر، والأخشيد محمد بن طغج في داره المعروفة بالمختارة في الجزيرة الراكبة للنيل، والنيل يطيف بها وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع"، وتعد إشارة المسعودي لتحضيرات الأخشيد محمد بن طغج وهو مؤسس الدولة الأخشيدية دليل على اهتمام الدولة نفسها بالعيد وكل المظاهر التي تظهر من مشاركة الحاكم والمسلمون ما يجعلها "أحسن ليالي مصر".  

أما صاحب الباع الأكبر في وصف الغطاس كان تقي الدين المقريزي، ففي كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، والمعروف بـ"الخطط المقريزية" أن المسبحي قال "في سنة ثمان وثمانين وثلثمائة: كان غطاس النصارى، فضربت الخيام والمضارب، والأشرعة في عدة مواضع على شاطئ النيل ، فنصب أسرة للرئيس فهد ابن إبراهيم النصراني، كاتب الأستاذ برجوان، وأوقدت له الشموع والمشاعل، وحضر المغنون، والملهون، وجلس مع أهله يشرب إلى أن كان وقت الغطاس، فغطس وانصرف"، ما يدل على أنه كان من عادات المصريين بعد الاحتفال التغطيس في النيل.

ويتابع المقريزي ليؤكد ما تحدث عنه المسعودي عن مشاركة الدولة والحاكم المسيحيون الاحتفال فيقول: "في سنة خمس عشرة وأربعمائة، وفي ليلة الأربعاء رابع ذي القعدة كان غطاس النصارى، فجرى الرسم من الناس في شراء الفواكه، والضأن وغيره، ونزل أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم لقصر جده العزيز بالله بمصر، لنظر الغطاس، ومعه الحرم، ونودي أن لا يختلط المسلمون مع النصارى عند نزولهم إلى البحر في الليل"، وهو ما يؤكد أن المسلمين كانوا يشاركون المسيحون المراسم حتى "الغطس" فكان عيدا مصريا أكثر منه طقسيا.

وأيضا كان العيد الذي يحضره الجميع يحضره "الرهبان والقسوس أيضا" فيقول المقريزي: "وضرب بدر الدولة الخادم الأسود متولي الشرطتين خيمة عند الجسر، وجلس فيها، وأمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بأن توقد المشاعل والنار في الليل، فكان وقيدا كثيرا، وحضر الرهبان والقسوس بالصلبان، والنيران، فقسسوا هناك طويلا إلى أن غطسوا".

أما "ابن المأمون" فأشار إلى أن الدولة نفسها كانت توزع أكلات الغطاس على جميع الشعب فكتب "كان من رسوم الدولة أنه يفرق على سائر أهل الدولة الترنج والنارنج والليمون المراكبي، وأطنان القصب، والسمك والبوري برسوم مقررة لكل واحد من أرباب السيوف الأقلام"، وهي كلها أكلات تخص الغطاس.

وظلت هذه الطقوس قائمة حتى قامت دولة المماليك الشراكسة، الذين أبطلوا كل هذه الاحتفالات.


مواضيع متعلقة