"فرانس برس": في أحياء تونس الفقيرة.. "الكادحات" لا تهتم بـ"حقوق المرأة"
"فرانس برس": في أحياء تونس الفقيرة.. "الكادحات" لا تهتم بـ"حقوق المرأة"
ترى نادية معالي (50 عاما)، وهي سيدة تونسية ممزقة بين رعاية أبنائها الستة وعملها في حمام عربي للنساء، أنه لا وجود لمساواة بين الجنسين في الواقع في تونس التي كرس دستورها الجديد "المساواة" بين الرجال والنساء، ليعزز بذلك وضعا حقوقيا فريدا من نوعه في العالم العربي للمرأة التونسية.
وتقول نادية، التي يعاني زوجها من البطالة: "ليس هناك مساواة بين الرجل والمرأة في تونس، بل هناك نساء أنهكهن الكدح حتى يوفرن بمفردهن حاجيات أبنائهن". وتضيف السيدة: "ليس لي أي حقوق ولا تغطية اجتماعية ولا دعما ماديا أو نفسيا من الدولة رغم الأجر الزهيد الذي أتقاضاه من عملي في حمام النساء، ورغم وضعيتي الاجتماعية التي تزداد سوءا".
وكان المجلس الوطني التأسيسي التونسي، صادق الاثنين الماضي على الفصل 20 من الدستور الجديد، الذي يقول: "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم".
وأصبحت تونس بذلك أول دولة عربية ينص دستورها على "المساواة" بين الرجال والنساء وعلى "التناصف" في المجالس المنتخبة وعلى "تكافؤ" الفرص بين الجنسين في تولي المسؤوليات.
وعلى الرغم من أن التصديق على هذين الفصلين أثار غبطة المعارضة العلمانية ومنظمات حقوقية ونسوية تونسية، إلا أنه لم يثر الغبطة ذاتها على ما يبدو لنساء يعشن ظروفا اجتماعية قاسية في بلد ثار شبابه قبل ثلاث سنوات بسبب البطالة والتهميش والإذلال.
وقالت دلندة الغربي، التي تعمل نادلة في مطعم شعبي بمدينة أريانة قرب العاصمة تونس، إن هذين الفصلين "لا يعكسان الواقع. فالمرأة في تونس لديها واجبات أكثر من الرجل: فعليها كسب المال ورعاية الأبناء، والقيام بشؤون المنزل، إضافة الى القيام بدور الزوجة الصالحة".
بدورها، قالت سميرة الهيشري (43 عاما) وهي بائعة رقائق "البريك" في سوق أريانة: "أنا أعمل لتوفير قوت أبنائي ونفقات دراستهم. ومع البطالة التي يعيشها زوجي وجدت نفسي أتحمل مسؤولية الرجل والمرأة، لذلك لا تحدثوني عن حقوق المرأة ولا عن المساواة".
ويشاطر كثير من الرجال العاطلين عن العمل في أريانة موقف سميرة، ويقرون بأن زوجاتهم أنقذن عائلاتهن، مثل عماد الوشتاتي (39 عاما)، الذي يرى أن "النساء أصبحن أفضل من الرجال".
ويقول عماد: "حفظ الله زوجتي فهي التي تدفع إيجار المنزل وهي سندي خلال الاوقات الصعبة". ويضيف أنه يشعر بـ"الضعف" و"العار" أمام زوجته عندما يعود إلى المنزل فارغ اليدين.
في المقابل، نددت نساء منتقبات بتنصيص الدستور على "المساواة". وقالت جميلة صبري، وهي سيدة منقبة تدير محلا لبيع الملابس التي ترتديها نوعية من النساء المتدينات في "حي التضامن" الشعبي (وسط العاصمة) الذي يعتبر من معاقل التيار السلفي في تونس، إنه "في القرآن، لم يتحدث الله عن المساواة بين الجنسين، بل حدد مسؤوليات كليهما"، بحسب قولها.
وأضافت: "قبل الحديث عن المساواة بين الرجال والنساء، يجب إقامة مساواة بين النساء"، في إشارة إلى ما أسمته "رفضا مجتمعيا" للنساء المنتقبات في تونس.
ويقول مراقبون إن النقاب ظاهرة طارئة في تونس التي كان قانونها يحظر في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ارتداء ما يطلق عليه "اللباس الطائفي" ومنه النقاب.
وتتهم المعارضة ووسائل إعلام جمعيات إسلامية رخصت لها الحكومة التي تقودها حركة "النهضة"، بتلقي تمويلات من دول خليجية لتغيير نمط المجتمع التونسي عبر نشر الفكر "الوهابي" المتطرف وحث النساء على ارتداء النقاب والرجال على ارتداء الملابس الأفغانية المستوردة وإطلاق اللحى.
وتابعت سميرة صبري: "في تونس، هناك تمييز ضد المنقبات التي يرفضهن المجتمع ويعتبرهن دخيلات وأشباحا سوداء وحتى إرهابيات".
وتعتبر تونس البلد العربي الوحيد الذي يمنح، منذ 1956، أفضل حقوق للمرأة. وتحظى المرأة في تونس بوضع حقوقي فريد من نوعه في العالم العربي بفضل "مجلة (قانون) الأحوال الشخصية"، التي أصدرها سنة 1956 الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة.
وألغت المجلة التمييز بين الرجل والمرأة وجرمت الزواج العرفي وإكراه الفتاة على الزواج من قبل ولي أمرها وتعدد الزوجات، وجعلت الطلاق بيد القضاء بعدما كان بيد الرجل ينطق به شفويا متى يشاء. ويمنح القانون التونسي المرأة أجرا مساويا للرجل في العمل وحق منح الجنسية لأبنائها.