«أيام» السادات.. و«أيام» أحمد زكى
- أحمد بهجت
- أحمد زكى
- أخبار اليوم
- أنور السادات
- أيام السادات
- إبراهيم سعدة
- إبراهيم عيسى
- الجنسية المصرية
- الذمة المالية
- أثار
- أحمد بهجت
- أحمد زكى
- أخبار اليوم
- أنور السادات
- أيام السادات
- إبراهيم سعدة
- إبراهيم عيسى
- الجنسية المصرية
- الذمة المالية
- أثار
لم أقابل أحداً ممن شاهدوا فيلم «أيام السادات»، سواء من المهتمين بالسينما أو العاملين فى مجالها (نقداً وممارسة) إلا وتأفف، باستثناء رجال الرئيسين: أحمد زكى وأنور السادات!
أغلب الآراء أخذت على الفيلم تردِّى مستواه الفنى، والأخطاء الكثيرة والكبيرة التى وقع فيها السيناريو، رغم أن هذه الآراء لم تتجاهل شجاعة أحمد زكى وقتاله الضارى لتحقيق ما وصفه بأنه «مشروع العمر» بالنسبة له. أما «رجال» الرئيسين (الحقيقى والمؤفلم، وهم قلة من الكتّاب والصحفيين الكبار والصغار أيضاً) فقد رأوا فى طوابير المشاهدين التى عطلت حركة المرور فى شوارع وسط المدينة آنذاك، وملايين الجنيهات التى جمعها الفيلم (أكثر من ستة ملايين بعد أسبوعين فقط من عرضه)، رأوا فى ذلك دليلاً قاطعاً على نجاح الفيلم، وعلى «شعبية» الرئيس الراحل، بصرف النظر عن أنه أول فرعون يقتله شعبه!. وفى هذا السياق كتبت صحيفة «أخبار اليوم»، التى عُرفت بدفاعها عن الرئيس السادات ظالماً ومظلوماً، تحذر فى الأيام الأولى لعرض الفيلم مما يمكن أن يكون «مؤامرة» على «أيام السادات». ووصفت بطله ومنتجه أحمد زكى بأنه «رئيس دولة السينما». وأفردت صفحتين كاملتين حشدتهما بحوارات مع ممثلى الفيلم، وصور تذكارية لهم مع عائلة الرئيس الراحل التى كانت فى صدارة المدعوين إلى عرض خاص أقيم قبل أيام من عرض الفيلم تجارياً.
فى كل ذلك لم يكن هناك ما يشير -صراحة أو ضمناً- إلى احتمال وجود مؤامرات من أى نوع، غير أن «أخبار اليوم» كانت قد قررت -على ما يبدو- أن تبادر بالهجوم على خصوم الفيلم المحتملين (فى خلط صريح بين ما هو سياسى وما هو ثقافى). وطالبت فى مقال لرئيس تحريرها الراحل إبراهيم سعدة، أثناء بحث أحمد زكى عن تمويل لمشروعه، بأن يتولى عملية التمويل رجال الأعمال الذين يُفترض أنهم كوّنوا ثرواتهم (على حد تلميح سعدة) بفضل سياسات السادات الاقتصادية. لكن أياً منهم لم يستجب لهذه الدعوة، وجاءت الاستجابة من قبَل الدولة، ممثلة فى جهاز التليفزيون الذى بادر إلى الدخول شريكاً فى الإنتاج. وقد قيل إن «أيام السادات» تكلف نحو ثلاثة ملايين جنيه، لكن البعض شكك فى صحة الرقم (ربما بديلاً عن التشكيك فى الذمة المالية لصانعى الفيلم) على أساس أن الفيلم ليس فيه من مظاهر البذخ (إنتاجاً أو إبداعاً) ما يستحق هذه التكلفة الباهظة.
كانت استجابة الدولة متأخرة -دون شك- بالقياس إلى الجهد الهائل الذى بذله «عرّاب» المشروع أحمد زكى طوال قرابة الخمس سنوات، كان خلالها موزعاً بين البحث عن تمويل، والبحث عن مخرج وكاتب جديدين، بعد أن تفاقمت خلافاته مع محمد خان الذى كان أول من رُشح لإخراج الفيلم، وفتر حماسه للنص الذى كتبه أحمد بهجت. وقد دار أحمد زكى دورة طويلة، وجلس مع مخرجين وكتّاب كثيرين، بينهم على بدرخان وإبراهيم عيسى ومحمد حلمى هلال وغيرهم. لكنهم جميعاً لم ينسجموا مع صاحب المشروع أو مع المشروع نفسه، واضطر أحمد زكى إلى العودة إلى خان وبهجت، إذ بدا له أن الاثنين، رغم توتر علاقته مع الأول وتأكده من ضعف سيناريو الثانى، هما الأكثر استعداداً لتلبية شرطه الوحيد لتنفيذ المشروع، وهو أن يكون «هو الفيلم والفيلم هو»، على غرار ما كان سائداً وقتها من أن «السادات هو الدولة والدولة هو». ولا بد أن خمس سنوات من اللهاث وراء ممول ومخرج و«مرمم» نصوص وداعية للمشروع، قد جعلت من شعار «أنا الفيلم والفيلم أنا» شرطاً جوهرياً أيضاً. وفى حين لم يكن صعباً على أحمد زكى أن يعبث كما يحلو له بسيناريو ضعيف، فإن محمد خان هو الآخر لم يكن مستعداً لأية مشاحنات أو معارك من أى نوع، خاصة مع أحمد زكى الذى بلغت حدة الخلاف بينهما أحياناً إلى حد التشابك بالأيدى أكثر من مرة، فضلاً عن فترات القطيعة. وقد أعلن «خان»، رداً على من انتقدوا قبوله تقديم فيلم بهذا التواضع، بأن سنَّه وتجربته لم تسمحا بطموح أكثر، وإن كان أكد أنه راضٍ بنسبة 80 فى المائة على الأقل عن المستوى الفنى للفيلم. لكن أكثر مشاهدى «خان» معرفة بطموحه السابق لاحظوا أنه بدا فى «أيام السادات» مستسلماً لنزق أحمد زكى وأنانيته، ولم يشعر خان بوجوده الحقيقى إلا فى مشهد الزنزانة 54، واختياره لبعض زوايا التصوير.
على أية حال لم يكن «أيام السادات» مشروعاً خاسراً تماماً بالنسبة لـ«خان»، فهو قدم، لأول مرة، فيلماً أوشكت إيراداته على العشرة ملايين جنيه خلال بضعة أسابيع، كما أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحصول على الجنسية المصرية (المعروف أنه ينتمى إلى أب باكستانى وأم مصرية)، وهى المشكلة التى ظلت تؤرقه طوال الفترة السابقة، وكانت ورقة ضغط استخدمها ضده نقاد وسينمائيون يرفضون أفلامه ويطعنون فى شرعية تمثيلها للسينما المصرية فى مهرجانات العالم.
وإذا جاز لنا أن نرى فى حصول محمد خان على الجنسية المصرية جزءاً صغيراً من «صفقة» بين الدولة وصانعى «أيام السادات»، فإن الجزء الأهم -دون شك- هو تكريم الرئيس مبارك لطاقم عمل الفيلم، ومنحه أوسمة من الدرجتين الأولى (لخان وبهجت وزكى وميرفت أمين)، والثانية لأحمد السقا الذى ظهر فى مشهد واحد لم يستغرق على الشاشة سوى ثلاث دقائق تقريباً (لعب السقا دور عاطف شقيق الرئيس السادات، الذى استشهد فى حرب أكتوبر)، ومنى زكى التى لعبت «نصف دور» السيدة جيهان، ولعبت ميرفت أمين النصف الآخر. ويسجل هذا التكريم سابقة فى تاريخ العلاقة بين السينما والسلطة فى مصر، إذ درجت السينما فى معظم إنتاجاتها على استرضاء السلطة، وأحياناً تبنِّى خطابها السياسى والاجتماعى، فيما كانت السلطة تتجاهل السينما ولا تخصها بأية معاملة استثنائية، رغم أنها واحدة من أهم المؤسسات الثقافية وأكثرها تأثيراً.
بادر الرئيس مبارك إلى منح أوسمـة رسمية لصانعى ونجوم «أيام السادات» بعد أن كان شاهد الفيلم فى عرض خاص، وقضى قرابة الساعتين مع طاقمه، تناول خلالهما طعام الإفطار. وقد أثار هذا الاحتفاء، خاصة بسبب طابعه الرسمى المبالغ فيه، حفيظة بعض الناصريين، بسبب تجاهل الدولة لفيلم «ناصر 56» الذى أنتجه التليفزيون ولعب بطولته أيضاً أحمد زكى، وحقق إقبالاً جماهيرياً هائلاً، فضلاً عن تماسكه الفنى وموضوعه الذى يباهى بواحدة من أهم وأشرس معارك الرئيس عبدالناصر: معركة تأميم قناة السويس. وقد تحولت هذه السجالات إلى جزء من الشحنة الدعائية الهائلة التى سبقت وواكبت عرض «أيام السادات»، وأضيف إليها فضول تقليدى لدى جمهور، يشكل صغار السن، ممن لم يعاصروا فترة حكم الرئيس السادات، أغلبيته الساحقة، غير أن الدعاية والفضول لا يفسران هذا النجاح التجارى الكاسح. ويبدو أنه لن تكون هناك تفسيرات أخرى إلا فى مجال تغير الظروف الموضوعية للسينما فى مصر. عندئذ يمكن تأمل وفهم ما يعتقد البعض أنه «مفارقة»، على أساس أن الجمهور الذى ذهب بالآلاف لمشاهدة ثلاث ساعات تحتل السياسة (شخوصاً وأحداثاً) نحو ثلاثة أرباعها.. هو نفسه الذى يقف داعماً لهزليات نجوم الكوميديا الجدد ويساهم فى تكريس شروطها.
ملاحظة: هذا ليس نقداً فنياً للفيلم، بل متابعة للمعركة التى خاضها بشرف النجم الراحل أحمد زكى لتقديمه. وكنت قد كتبتها أثناء عرضه قبل ثمانية عشر عاماً، ولم أنشرها فى أى مطبوعة، لذا وجب التنويه.