فتوات اعتزلوا المهنة مبكراً: «رشاد» أصبح بائع عصافير.. و«مصطفى» تاجر أخشاب فى «السبتية»

كتب: سلمى سمير

فتوات اعتزلوا المهنة مبكراً: «رشاد» أصبح بائع عصافير.. و«مصطفى» تاجر أخشاب فى «السبتية»

فتوات اعتزلوا المهنة مبكراً: «رشاد» أصبح بائع عصافير.. و«مصطفى» تاجر أخشاب فى «السبتية»

معروف بالجدعنة والشهامة والفتونة بين أهالى الحارة التى يسكنها بشارع سوق السلاح بمنطقة الدرب الأحمر، يلقبه الكثيرون بـ«فتوة» المنطقة، عمل لفترة طويلة خلال سبعينات القرن الماضى كصبى مبيض نحاس، لكنه تفرغ بعد ذلك ليدافع عن المظلومين محاولاً إنقاذهم واسترداد حقوقهم الضائعة، ينقذ الضعفاء ويرحمهم من سطوة الأقوياء واستغلالهم.

هو ناصر رشاد، الذى انتهى به الحال بعد خروجه من السجن إلى الجلوس على أحد أرصفة الحارة لبيع العصافير: «الناس بتستغرب إن الحال وصل بيا لأنى أناجى العصافير وأقعد ألعب معاها.. بس هى دى بقت الغية بتاعتى.. خلاص تُبت».

{left_qoute_1}

«راح فين زمن الشقاوة يا رشاد»، جملة طالما يرددها فى نفسه، وهو يتذكر كم الخناقات التى اشتبك فيها بالحارة: «الرصيف اللى واقف عليه دلوقتى وببيع عصافير شهد كمية شقاوة وخناقات زمان ماتتعدش.. بس أنا ماكنتش بعمل حاجة غلط كنت برجّع حقوق الناس»، تفاصيل يومية مختلفة اعتاد عليها «رشاد»، ولكنها تغيرت منذ اللحظة الأولى لرؤيته للنور بعد سنوات من الظلام قضاها بالسجن: «لما خرجت حبيت أكون إنسان جديد، كل الناس كانت شايفة فيا بس الجانب اللى كله قوة، مايعرفوش إن جوه الإنسان ده قلب ضعيف بيعشق العصافير وقلبه بيرق مع صوتها.. حبيت إن حياتى تبقى كلها هدوء».

كل أسبوع يتجول «رشاد» بسوق الأحد بمنطقة السيدة عائشة، يجلب مجموعة متنوعة من عصافير الزينة لبيعها: «أهو رزق جديد حلال، ناس بتستغرب إنى ببيع فى الحارة، بس باستنفع من أطفال المدارس والناس اللى عندها هواية فى التربية، لكن مابتحبش تروح السوق لأنه بيكون زحمة جداًً»، يحن «رشاد» فى الكثير من الأحيان لصنعته الأولى فى بياض النحاس: «لما طلعت من السجن كان نفسى أشتغلها جداً، لكن خلاص عفا عليها الزمن».

بعد رحلة طويلة عاشها «رشاد» مليئة بالكثير من الأحداث المثيرة لم يبق له ونيس فى الدنيا سوى العصافير: «أنا مطلق مراتى من ساعة ما دخلت السجن، مفيش حد جنبى»، 40 جنيهاً فقط هو المبلغ الذى يبيع به «رشاد» العصفورة الواحدة: «عايش على قدى لحد دلوقتى، لو حد طلبنى أساعده وأرجعله حقه بس من غير استخدام القوة بعمل كده من غير أى مقابل».

اعتزل مهنة والده منذ أكثر من 50 عاماً، وقرر العمل فى مجال تجارة الأخشاب، مصطفى لمبى، أحد أبناء أساطير الفتونة فى منطقة السبتية، ويدعى «حسن»، وعلى الرغم من صيت والده وشهرته، إلا أنه قرر الابتعاد عن هذا المجال بصورة نهائية: «والدى كان مشهور هنا فى المنطقة وبيتعمل ليه ألف حساب، كان الفرح لما يعدى من قدام المنطقة لازم يقف ويضرب ليه 5 دقايق تحية وسلام.. والفرح اللى مش بيحصل فيه كده كان صاحبه بيضرب بالنار»، وبحسب «لمبى» فإن والده عندما كان يدخل فى الاشتباكات بالمنطقة: «إخواتى البنات كانوا بيطلعوا وراه بالساطور والنبوت».

كان والده يأخذ الكثير من الإتاوات من الأغنياء: «الإتاوات كانت بتتاخد من الأغنياء عشان يساعد بيها الضعيف، وكمان بيصرف منها على نفسه.. كانت عبارة عن فلوس بيحمى بيها الأغنياء وبيحمى بيها الضعفاء»، وعلى الرغم من ابتعاد «مصطفى» عن المجال إلا أن الكبار فى المنطقة يأخذون بكلمته فى حل بعض المشكلات: «بيعملوا جلسات عرفية بين الأهالى بشارك فيها، وبنفُض فى الخناقات، بس مش فتونة بقى، خلاص انتهى».

«النهارده المولد وبكرة اللقاء»، كلمات لا ينساها «مصطفى»: «الجملة دى أبويا قالها لما فتوات من الحسينية جت لبولاق، وعملوا صوان على مولد سيدى أبوالعلا وحطوا سفين على الصوان سابهم وتانى يوم راح ضرب كل فتوات الحسينية فى منطقتهم»، استمر زمن الفتونة بأسرة اللمبى حتى عام 1981م: «الناس لما كان الكبير بيعدى كانوا بيقعدوا على الأرض لاحترامه، ماكانوش بيقعدوا على الكراسى فى الشارع زى دلوقتى».

أحد الأسباب القوية التى لم تجعل «مصطفى» يستمر فى مجال الفتونة هو أن: «الموضوع بقى فيه صياعة ومخدرات وبلطجة، مابقاش زى زمان، المعانى اللى إحنا اتربينا عليها»، على حد قوله، ويصف «مصطفى» الكثير من الخبايا عن شخصية الفتوة داخل منزله: «مش سى السيد فى البيت ولا حاجة من الكلام ده، أنا أولادى الأربعة مخلصين بكالوريوس ومتعلمين.. وأبويا برضو ماكانش مفترى علينا كانت حنية الدنيا فيه، كان لما واحدة من إخواتى تتخانق مع جوزها عمره ما يهين جوزها قدامها، كان بيعرفه غلطه بعيد عنها عشان مايهزش شخصيته قدامها، كان بيحترمنا.. يكفى إنه عمره ما نزل عصاية علينا ولا ضربنا»، من السبتية لرمسيس كانت تنتشر فرق من صبيان الفتوات لكن انتهى هذا: «خلاص بقى الموضوع خلص، وغيرت مجال والدى، وبقيت تاجر خشب ليا اسمى فى المكان».

 

«رشاد» فتوة الدرب الأحمر


مواضيع متعلقة