«المرض الخبيث».. السرطان.. الموت أقرب

كتب: محمد سعيد الشماع

«المرض الخبيث».. السرطان.. الموت أقرب

«المرض الخبيث».. السرطان.. الموت أقرب

بين يأس من طول الانتظار، وتعلق بالأمل فى الخلاص، يزرع مئات المرضى ومرافقوهم الطريق أمام البوابة الرئيسية لمعهد الأورام، بمنطقة السيدة زينب، التابع لجامعة القاهرة، بحركة مستمرة لا تهدأ، وعلامات عدم الرضا والضيق تعلو وجوههم، ربما خوفاً من أن يتمكن منهم المرض اللعين ويفقدوا طريقهم للشفاء، وربما من طول الانتظار على قوائم لا تنتهى لإجراء العمليات الجراحية.

ببشرة سمراء وملامح صعيدية حادة، يجلس عزوز على، 63 عاماً، بجلباب المستشفى الأبيض على الرصيف، هرباً من ملل صار يطارده كما يطارد الأسد فريسته، وهو على سرير المرض، فى انتظار تحديد موعد إجراء جراحة له لاستئصال ورم، داهم منطقة الحوض، واكتشفه قبل عام ونصف، ولم يفلح معه العلاج الكيماوى، الذى خضع له فى معهد الأورام بمحافظته سوهاج.

{long_qoute_1}

أطباء المستشفى حجزوا الرجل الستينى، منذ 8 أيام، فى انتظار تحديد موعد العملية، وفقاً لـ«عزوز»، الذى قال لـ«الوطن»: «زهقت من رقدة السرير، قلت أخرج أشم هوا نضيف، وهما عارفين عادى»، مضيفاً: «آلام منطقة الحوض مستمرة معى طول الوقت، وأشعر كثيراً أنه سينفجر من الوجع، وأصبحت أشعر بآلام فى الكلى أيضاً، وأخشى أن يصل الورم إلى الكلى، ويصيبنى بحالة فشل، وقتها ربنا يتولانى بقى».

واستطرد «عزوز»: أنا أب لـ9 أبناء، وأنا الذى أنفق عليهم جميعاً، كنت أؤجر قطعة أرض وأزرعها، لكن مع تمكن المرض منى لم أعد قادراً على العمل»، موضحاً أن معهد أورام سوهاج حوله على المعهد القومى، بعد إجراء عملية استكشافية أكدت أن العلاج الكيماوى لم يحرز تقدماً.

وأضاف: منذ دخلت المستشفى وكل ما أشتكى من الألم يعطونى حقنة مسكن، والمسكن ليس علاجاً لما أعانى منه، فقط يخفف الألم، وأخشى أن تتسبب تلك المسكنات الكثيرة التى آخذها فى متاعب أكبر، و«آخرهم فى المستشفى يقيسوا الضغط ودرجة الحرارة بس»، مشيراً إلى أنه تحدث كثيراً مع الأطباء وأكدوا له أن إجراء العملية هو الحل الوحيد، لكن «مش عارف لغاية دلوقتى العملية دى هتتعمل إمتى، قاعد كل الفترة دى مستنى الدور بتاعى».

{left_qoute_1}

وأمام بوابة المعهد وقف ناصر محمد، 42 عاماً، عامل بناء، مع شقيقه وأحد أفراد عائلته، قادمين من «شبين القناطر» للتبرع بالدم لوالدتهم، التى تستعد لإجراء جراحة لاستئصال ورم من على الرحم، موضحاً أنهم يأتون إلى المعهد منذ يوم 6 أكتوبر الماضى، ومعهم كل الفحوصات والتحاليل المطلوبة ولا يتبقى سوى تحديد موعد العملية.. «مش عارفين هتتعمل إمتى؟، قالوا لنا أمامكم من أسبوع لـ15 يوماً، ويا عالم صادقين ولا لأ، أمى تعبانة وطول هذه الفترة لم تتلق أى علاج ولم نتقدم خطوة فى طريق محاربة المرض اللعين».

وأضاف «ناصر» أن حالة والدته صعبة وأنها لا تستطيع الصبر على هذا الوضع أكثر من ذلك، وقال: «لا أستطيع رؤيتها أمام عينى وهى بهذا الشكل، لا تقدر على المشى أو دخول الحمام بمفردها، كما أنها مريضة بالسكر أيضاً»، مشيراً إلى أنهم يتحملون تكاليف مادية كثيرة فى كل مرة يأتون فيها إلى المعهد ويعودون إلى شبين: «لأن والدتى لا تستطيع الحركة أضطر لتأجير سيارة خاصة تأخذ منا 700 جنيه ذهاباً وعودة، وهذا أكبر من إمكانياتنا، لو كان معانا فلوس كنا نيجى ليه هنا أصلاً، ما كنا عملناها فى مستشفى خاص».

التكاليف المادية لم تقف عند حدود التنقل بين شبين والمعهد، وإنما طالت بعض الفحوصات، وفقاً لـ«ناصر»، الذى أكد أن «بعض الفحوصات ليست موجودة بالمعهد، من بينها فحص يثبت أن القلب سليم ويتحمل عملية التخدير.. بقى المعهد الكبير ده ليس به دكتور قلب واحد، وحولونا على قصر العينى، وعندما ذهبنا إلى هناك فوجئنا بوضعنا على قائمة انتظار أخرى، واضطرينا لإجراء الفحص على نفقتنا الخاصة بشبين».

بين كبار السن والشباب أيضاً يتحرك المرض اللعين بكل عنف ليهزم الأجساد ويقهر النفوس، فى ظل تردٍّ للوضع الصحى وقلة فرص العلاج والنجاة، خاصة إن كان المريض من الفقراء، وهذه الحالة تخص شابة فى الـ25 من عمرها، جاء بها أشقاؤها ووالدتها من منطقة التونسى، التابعة لحى الخليفة، إلى المعهد، طمعاً فى أن يجدوا علاجاً لها وترتاح من آلامها.

وقال عليوة جودة، 31 عاماً، شقيق المريضة: «أختى مصابة بأورام فى منطقتى مفصل القدم والصدر، ومنذ عامين وهى تتألم من قدمها، وذهبنا للكثير من الأطباء وفشلوا فى تشخيص حالتها وكانت تعيش على المسكنات لكن دون جدوى، حتى ذهبنا لطبيب بقصر العينى، فطلب منا فحص عينة من منطقة المفصل لأنه يشك فى إصابتها بورم»، مضيفاً: «أخذوا منها العينة بشكل خاطئ فانتشر الورم فى المفصل وانتقل للصدر».

وأكد: شقيقتى مُطلقة وأم لطفل صغير، وحالتها تتدهور يوماً بعد الآخر، أصبحت لا تستطيع الجلوس ولا دخول الحمام، ومنذ شهر لا تأكل ولا تشرب، وانخفض وزنها لـ30 كيلو بعدما كانت 60 كيلو، مضيفاً: الأطباء هنا قالوا لنا تمشى على أكسجين لأن المرض أصابها بضيق تنفس، حتى لا يصل الأمر إلى اختناق.

وأشار إلى أن المريضة تحتاج حالياً لغرفة رعاية بالمعهد، لكن الطبيب رفض ذلك، وقال لوالدتها: «تحبى أدخلها عندنا الرعاية لحد ما تموت وتيجى تاخديها؟»، موضحاً: «لما سألنا على أى علاج لها قالوا لنا ربنا يتولاها وليس لها علاج، والحل فى جراحة تتكلف 130 ألف جنيه ونحن لا نملك شيئاً».

 

آخرون غادروا بعد الكشف


مواضيع متعلقة