الإمام الديكتاتور حسن البنا

فى يناير عام 1939 نظمت جماعة الإخوان مؤتمراً كان بطله ومتحدثه الأول زعيمها حسن البنا، دار النقاش فى أغلبه عما تقول الجماعة إنه الإسلام الحقيقى، وهو ما يعنى بحسب المرشد الأول «إسلام جماعة الإخوان» باعتباره، كما يقول خطابه، واحداً من القلائل «الذين يفهمون الدين فهماً صحيحاً»، ثم تحدث عن أن هذا الإسلام يجب أن يشمل الحياة كلها، «فهو إيمان وعبادة، وطن ومواطنة، دين ودولة، روح وعمل، كتاب مقدس وسيف». ثم قال «البنا»: «إن الأمة إذا أرادت أن تصبح أمة مسلمة عن حق وحقيقة، فيجب عليها أن تتبع نهج الإسلام الحقيقى، لأن الإسلام هو الطريق الوحيد الذى يجب السير عليه، والذى يجب أن يتوجه إليه العقل الآن وفى المستقبل». وفى سبيل ما يعتبره «البنا» إسلاماً حقيقياً يقول إن الحاكم يجب أن يكون مسئولاً أمام الأمة، وأن تسود الأخوة بين أبناء المجتمع، وأن تحترم إرادة هذه الأمة التى يجب عليها مراقبة الحاكم». لكن هذه الديباجة التى تحدث فيها إمام الإخوان مطولاً عن الإسلام، ومراقبة الحاكم، ودور الأمة لا يلبث أن يضع أسس هدمها بالقول إن الهيئة التمثيلية كالبرلمان يمكن لها إن تراقب الحاكم، «لكن يجب أن تكون تلك الهيئة إسلامية، أى يجب أن تتخلص من النقيصة التى جعلت البرلمانات الأوروبية غير صالحة، وهى التعددية الحزبية». ثم يوصى «البنا»، بحسب رسالة المؤتمر الخامس، بحل جميع الأحزاب السياسية، لكى تتوحد جميع قوى الشعب فى حزب واحد، الذى يجب أن يجهد نفسه فى تحقيق استقلال الأمة وحريتها، ولوضع أسس الإصلاح الداخلى الشامل. وبالطبع هذا الحزب الواحد المكلف بمهمة تحقيق الصبغة الإسلامية للبرلمان ويحمل على عاتقه إصلاح الأمة الداخلى، ويفهم الإسلام الصحيح الذى هو «كتاب مقدس وسيف» هو حزب الإخوان، بحسب المرشد الأول. و«البنا» هنا يستخلص وصفة للديكتاتورية الذكية، والطغيان الدينى قائمة على مجموعة من العناصر، أهمها؛ الحزب الواحد، وهو يتشابه بذلك مع كل تجارب الصوت الأحادى فى السياسية، من كوريا الشمالية إلى روسيا، إلى «عبدالناصر» الذى اعتبرته أدبيات «الجماعة» بعد ذلك طاغية، كما أن الدعوة لاحتكار هذا التيار الواحد للسياسة ليست مرهونة بظرف مؤقت يتم بعده إقرار التعددية، مثلما كانت حجة ثورة يوليو عندما انتقدت التجربة الحزبية الليبرالية التى أنتجت أحزاب الأقلية والقصر فى النصف الأول من القرن العشرين بمصر، بل موقف عقائدى يرى فى مبدأ التعددية بشكل عام سبب هدم البرلمانات الأوروبية مطلع القرن الماضى، وأنه يتناقض مع الإسلام الحقيقى، الذى يجب أن يمثله حزب واحد، ليصل فى النهاية إلى أن هذا الحزب الواحد هو حزب «الجماعة»، الحريصة على الفهم الصحيح للإسلام. لنتأمل الاستنتاج بشكل آخر؛ «الأمة يقودها حزب واحد يفهم الإسلام فهماً صحيحاً، بلا تعددية، ومن يستطيع القيام بتلك المهمة بشكل كامل وصحيح هى جماعتى»! فهل ينتظر أحد بعد ذلك أن تدخل تلك «الجماعة» لعبة سياسية يؤمن أطرافها بحق الصراع السياسى نحو الحكم، أو تداول السلطة؟! رؤية «البنا» السابقة هى المفصلية فى نظرة الجماعة للسياسة عموماً، ومنها تخرج التفاصيل الأخرى، كمبدأ التمكين، واعتبار حكم «الجماعة» مرحلة أبدية دائمة لا مجال لإبداء النقد لممارساتها إلا من الداخل (على طريقة الأحزاب الشيوعية). وهى الرؤية التى جعلت محاولة التظاهر ضد مرسى «مؤامرة»، يجب التصدى لها والموت فى سبيلها، لأنها مؤامرة على «الدين الصحيح»، ومن يفهمونه من القلائل، حاملى تراث «البنا». وهى الفكرة المولدة لأفكار. وهى الرؤية التى لا يستطيع اليوم إخوانى أن يتجرأ وينتقدها، ويقول إن إمامه كان مخطئاً، أو إن اجتهاد «البنا» كان وليد ظروف دولية ومحلية شهدت سقوطاً عاماً وقتها للتجارب البرلمانية باستغراقها فى الفاشية وتمهيد الطريق نحو العنف العالمى بإشعال حروب عالمية، لا يستطيع الإخوانى أن يقول ذلك لأن مناهج التربية فى جماعته اعتبرت كلام الإمام مقدساً وغير قابل للنقد، فيتوارث منطقه، ويؤمن أن من يخالفه لا يفهم الدين أو يتآمر على مشروع السيف والمصحف. هى الرؤية التى ساهمت فى رسم تلك الابتسامة المتعالية التى يتبناها من يتصورون أنفسهم وكلاء الله، والمختارين من الرب لمهام مقدسة، لا مجال أن يشاركهم فيها أحد، حكماً أو برلماناً، وزارة أو إدارة، مهمة بناء الدولة التى يتحول المواطنون فيها إلى رعايا، لإمام يحمل المصحف والسيف، وجماعة تحاول استكمال ما تعتبره هداية للناس ولو بهذا السيف.