أخطر محاولة لـ«تجديد الخطاب الدينى»
- القرآن الكريم
- المسلمين والمسيحيين
- تجديد الخطاب الدينى
- خط دفاع
- آية
- أسئلة
- أسماء
- القرآن الكريم
- المسلمين والمسيحيين
- تجديد الخطاب الدينى
- خط دفاع
- آية
- أسئلة
- أسماء
لم يشهد المسلمون عبر تاريخهم تجربة لـ«تجديد الخطاب الدينى» كتلك التجربة التى تعلقت بموضوع خلق القرآن. موضوع خلق القرآن تبنَّاه فى مرحلة ما فقهاء معدودون، فخاصمهم الحكام وذهبوا فى خصومتهم لهم كل مذهب، وفعلوا معهم الأفاعيل. وفى مرحلة أخرى تبنَّاه حكام، فثار ضدهم الفقهاء وساندهم عوام المسلمين، ودخل الطرفان فى مواجهة كادت تعصف بالأمة. وفى الحالتين تبقى هذه التجربة شاهداً على حقيقة أن تجديد الخطاب الدينى إرادة مجتمع، فلا هى مرتبطة بقرارات فوقية تصدر عن السلطة، ولا هى متعلقة برؤى أو اجتهادات فقهاء. المجتمع فقط هو الذى يُغيِّر ويطور ويجدد عندما يريد ويقرر. تعالوا أولاً نستعرض تجربة لأحد الفقهاء الذين قالوا بخلق القرآن الكريم، وكيف جُوبِهَ من قِبل الحكام، وبعدها نعرج على أحد الخلفاء الذين قالوا مثل قوله، وحاولوا تجديد الخطاب الدينى فى عصرهم، ومآل جهدهم الذى بذلوه فى هذا السياق.
دعنا بداية نوضح أن سؤال «هل القرآن مخلوق أم أزلى؟» من الأسئلة التى حيَّرت العقل الإسلامى منذ فترات مبكرة من تاريخ المسلمين. القول بأن القرآن مخلوق يعنى ببساطة الإقرار بأن آياته الكريمة ارتبطت بظروف وسياقات تاريخية معينة نزلت كاستجابة لها، أما القول بأنه أزلى فيعنى أن وجود القرآن كان سابقاً على نزوله (أزلى)، وأن كلمة الله قديمة مرقومة فى لوح محفوظ، وأنها جزء من ذات الله تعالى. جدل كبير ثار بين المسلمين حول هذه المسألة، أدخلهم فيما بعد فى محنة فكرية كبرى، أمسى معها التعذيب وأحياناً الموت مصير مَن يقول بـ«خلق القرآن». إنها واحدة من كبرى التجارب التى اشتملت على محاولة لتجديد الخطاب الدينى الإسلامى، تبناها فقهاء وفلاسفة بل وحكام مسلمون، وواجهها بقوة فقهاء وفلاسفة وحكام آخرون.
العالم الفقيه «الجعد بن درهم» أول مَن قال بخلق القرآن أواخر العصر الأموى. ويشير «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» إلى أن الحديث عن خلق القرآن لم يكن من إبداع «الجعد»، بل كان بدعة أخذها الأخير عن شخص اسمه «سمعان بن بيان»، وأخذها «سمعان» عن شخص يدعى «طالوت» ابن أخت لبيد بن أعصم، الساحر الذى سحر للنبى، وأخذها «لبيد» عن يهودى باليمن. هذه السلسلة من الأسماء التى يشير «ابن كثير» إلى أنها تناقلت فكرة خلق القرآن حتى وصلت إلى الجعد بن درهم تعكس الخط الأساسى التقليدى للهجوم على أى فكرة أو قراءة جديدة للخطاب الإسلامى بنسبتها إلى أحد اليهود، ليتم تصويرها على أنها واحدة من المؤامرات التى دأب اليهود على نسجها للإسلام والمسلمين.
لم يكتفِ «ابن كثير» بالاستناد إلى منهجية «المؤامرة اليهودية» وهو يفسر ظهور أفكار «الجعد» المتعلقة بخلق القرآن، بل نوه إلى معيشته وسط المسيحيين بدار له بالقرب من حى «القلاسين»، ولم ينسَ أن يشير إلى أن الدار كانت إلى جوار كنيسة. فى ذلك الوقت كان الجدل مشتعلاً بين المسلمين والمسيحيين حول الآية الكريمة التى تقول: «إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ». فقد وجد فيها علماء المسيحية دلالة على تصوراتهم الاعتقادية حول ألوهية وبنوَّة المسيح وفكرة التثليث (الأب والابن والروح القدس)، انطلاقاً من أن كلمة الله أزلية، وليست «مخلوقة»، كما يؤمن المسلمون. وقد أوجد الجدل حول هذا الموضوع السياق المواتى للقول بمسألة «خلق القرآن الكريم»، وتنزيه الله عن الصفات، وأن القرآن ليس جزءاً من ذات الله، بل هو مخلوق. هذا ملخص الأفكار التى تبناها الجعد بن درهم كخط دفاع ضد التأويلات التى طرحها علماء المسيحية للآية الكريمة السابقة، والتى يمكن دحضها بسهولة من خلال تنزيه الله عن الصفات.