مرضى فيروس «B» المنسيون

جمال شيحة

جمال شيحة

كاتب صحفي

استطاعت مصر أن تحقق نجاحاً كبيراً فى مكافحة فيروس «C»، الذى كان يشكل وباءً يعانى منه ملايين المصريين، واستطعنا خلال السنوات الأربع الماضية علاج ما يزيد على 2 مليون مواطن هم تقريباً كل من يعلمون أن لديهم هذا المرض. وسوف تنطلق بعد أيام حملة قومية ضخمة للمسح الطبى الشامل للبحث عن نحو 5 ملايين حالة فيروس «C» التى لا تعلم أنها حاملة للفيروس وسوف يتم فحص أكثر من 50 مليون مواطن فى كل أنحاء الجمهورية ليس فقط لتشخيص فيروس «C»، لكن أيضاً لتشخيص حالات السكر والضغط. وسوف توضع لهذه الحملة إمكانيات مادية وبشرية هائلة وتستغرق عدة سنوات. وهنا لا بد أن أرفع الصوت عالياً مذكراً بأن هناك نحو (0٫5: 1%) من المصريين مصابون بفيروس «B»، وهو فيروس يسبب التهاباً كبدياً مزمناً أكثر خطورة من فيروس «C» لأنه يؤدى إلى تليف الكبد وسرطان الكبد بدرجة أسرع وأشد من فيروس «C» بالإضافة إلى كونه لا ينتقل عن طريق الدم فقط مثل فيروس «C» بل أيضاً عن طريق العلاقة الزوجية، ومن الأم للجنين، وأثناء الرضاعة؛ مما يجعله أسهل فى العدوى من فيروس «C» الذى اهتم به المجتمع والدولة نظراً للأعداد الكبيرة جداً المصابة به.

أى إن هناك نحو مليون مصرى مصابون بفيروس «B» ويحتاجون للرعاية الطبية والعلاج لسنوات طويلة علماً بأن العلاج متوافر وتنتجه شركات مصرية عديدة وسعره مناسب ويمكن تخفيضه أكثر عند علاج أعداد كبيرة.

من هنا فإننا ندعو إلى إضافة المسح الطبى لتشخيص فيروس «B» إلى المشروع القومى لفيروس «C»، خاصة أن الكواشف المستعملة رخيصة الثمن وسريعة ودقيقة وقد استعملناها فى مشروع «قرية خالية من الفيروسات الكبدية»، وتعمل بكفاءة. ويذكر أن إضافة فيروس «B» للمسح الطبى سيرفع من قيمة هذا العمل التاريخى حيث يمكن بعد سنوات قلية إعلان مصر خالية من الفيروسات الكبدية (C وB) وليس «C» فقط، مما يرفع من درجة الرعاية الصحية للمواطنين ويجعل مصر رائدة فى هذا المجال على مستوى العالم بما يتبع ذلك من سمعة طيبة عن الحالة الصحية فى مصر والكفاءة الحكومية فى مواجهة الأزمات الكبرى كدولة قوية ومستقرة وناجحة.

لا يمكن ولا ينبغى أن ينطلق هذا القطار العظيم للمسح الطبى دون مرضى فيروس «B». ولا داعى إطلاقاً أن يتكرر المجهود الذى سوف يتم لفيروس «C» مرة أخرى لفيروس «B» لأن ذلك يكون إهداراً للوقت والجهد والمال بل يجب أن يتم فى البرنامج نفسه لتعظيم الاستفادة من الموارد المتاحة.

أدعوكم إلى الاستفادة من تجربة «قرية خالية من فيروسات الكبد» التى قمنا بها منذ أكثر من 3 أعوام وأسفرت حتى الآن عن 70 قرية فى 5 محافظات أصبحت خالية من فيروسات الكبد (C وB). وتم نشر هذه التجربة فى مجلة «لانست» العالمية الخاصة بالكبد والجهاز الهضمى فى يوليو 2018، والتى أشادت بالتجربة ووصفتها بالممتازة وأنها تصلح نموذجاً يحتذى فى الدول كثيفة السكان قليلة الموارد مثل باكستان، إندونيسيا، منغوليا، والكونجو.. وغيرها، وأشادت بها منظمة الصحة العالمية كنموذج للعمل الميدانى المتكامل والمتناسق علمياً ومجتمعياً.

ونؤكد أن الدروس المستفادة من تجربة «قرية خالية من الفيروسات الكبدية» متاحة للمسئولين عن مشروع الفحص الشامل لفيروس «C» حتى يمكن الاستفادة من تراكم الخبرات المصرية فى هذا المجال، وأهم هذه الدروس باختصار شديد ما يلى:

1- لا بد من التوعية المجتمعية لخطورة الفيروسات الكبدية وطرق العدوى والوقاية داخل القرى عن طريق قادة الرأى والمجتمع داخل القرية قبل بدء الفحص الشامل. ويشمل ذلك أطباء الوحدات الصحية وأطباء الأسنان.

2- لا بد من تسجيل بيانات المرضى الذين سيتم علاجهم بالتفصيل خاصة أولئك المصابين بتشمع الكبد لأن هؤلاء ستتم متابعتهم مدى الحياة. وإن لم يتم ربطهم ببرنامج العلاج سيصعب متابعتهم ويفقد مشروع العلاج كثيراً من قيمته.

3- لا بد من تطعيم جميع مرضى فيروس «C» ضد فيروس «B» بعد انتهاء العلاج والشفاء.

4- فى عدد من القرى لا بد من العودة بعد سنة لفحص الأشخاص الذين لم يكونوا مصابين لمعرفة عدد الحالات الجديدة من فيروسَى (C وB) لتقييم كفاءة برنامج العلاج.

مصر تتقدم فى مجال مكافحة الفيروسات الكبدية لتتبوأ مركز الصدارة والريادة فى العالم ولو نفذنا الملاحظات السابقة سيكون ذلك عملاً يقترب من الكمال.. والفضل فى هذا النجاح للدولة المصرية التى أعطت الملف للمتخصصين وهم اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية التى تشرفت بعضويتها منذ إنشائها سنة 2006.