الحلم العربى

مدحت العدل

مدحت العدل

كاتب صحفي

خطرت فكرة لأحد المنتجين أن يقوم بعمل مسابقة بين نجوم الغناء عن أفضل عمل غنائى فى عام ١٩٩٦، وكى يكون هناك حفل يجمع بين كل النجوم الذين يشاركون بأعمالهم، قرر المنتج أن يقدم «أوبريت» غنائيا يحاول الجمع فيه بين النجوم على أن يقدَّم فى حفل توزيع الجوائز فى أبوظبى، كان إخراج الحفل قد عهد به للمخرج الموهوب والصديق طارق العريان الذى جاء وقد أحضروا له نصا للراحل العزيز عبدالسلام أمين، ولكن لسبب أو لآخر لم يتوافق النص مع عقلية «طارق»، الشاب فى ذلك الوقت، فطلب منى أن أكتب نصا يتلاءم مع المهرجان كما سموه حينها فطلبت ألا أعرف ما كتبه الشاعر الكبير عبدالسلام أمين حتى لا أتأثر به.. وجلست أفكر فى موضوع للكتابة: هل عن الحب.. الأمل.. الغد؟! ثم ومضت فكرة فى عقلى متى تأتى فرصة أن يجتمع كل هؤلاء النجوم مرة ثانية للغناء سويا؟ إنها فرصة نادرة أن ينسوا -ولو إلى حين- التنافس وحسابات النجومية والسوق ومن باع أكثر ومن تحقق حفلاته إيرادات أعلى... إلخ، وفكرت، إذا كانت السياسة قد فرقتنا فالفن قادر على أن يجمعنا، وجلست للكتابة، ولأننى ابن المشروع الناصرى العظيم لوحدة العرب وتغلغل فى وجدانى «وطنى حبيبى الوطن الأكبر» و«ثوار ثوار ولآخر مدى ثوار»؛ فقد جلست لأكتب ما قررت تسميته «الحلم العربى»، الحلم يعيش داخلى فى الصحو والمنام وهو ليس ترفا فى رأيى، بل ضرورة حياة.. أمسكت القلم وفى أقل من ٣ ساعات كنت قد كتبت الأوبريت الذى راعيت فيه أن المعانى لو تُرجمت يمكن لأى إنسان أن يفهمها: «اتحدى الكون واتمرد واتعود تبقى جرىء مشوار الألف ميل خطوة تبدأ فى طريق».. قرأت النص على طارق العريان وعلى المنتج فتحمّسا له وعهدنا باللحن للموسيقار الكبير حلمى بكر وللكبير والموهوب للغاية والصديق صلاح الشرنوبى والتوزيع الموسيقى للمبدع الذى غيّر مفهوم موسيقى جيل الثمانينيات حميد الشاعرى، اجتمعنا فى شقته فى شارع مصدق، التى تُجرى فيها البروڤات وبدأ نوع من التلحين الثنائى بين «الأستاذين حلمى وصلاح» حتى وصلا للحن الجزء الأول «أجيال ورا أجيال هتعيش على حلمنا واللى نقوله اليوم محسوب على عمرنا جايز ضلام الليل يبعدنا يوم إنما يقدر شعاع من نور يوصل لأبعد سما»، وهنا اقترح المبدع «الشاعرى» أن ننهى هذا الدخول بجملة لحنية سهلة وبسيطة تصبح هى المرجع الذى نعود إليه بعد كل كوبليه واقترح هو (وهذا للأمانة التاريخية) جملة موسيقية سهلة ورائعة كتبت عليها كلاما جديدا وهى «ده حلمنا طول عمرنا حضن يضمنا كلنا كلنا»، وبدأ التسجيل وجاء النجوم من كل مكان فى العالم العربى للغناء فى عاصمة العرب، القاهرة، وهو مجهود إنتاجى عظيم قام به المنتج أحمد العريان على أكمل وجه حتى كان الحفل الذى أقيم فى الإمارة الحبيبة أبوظبى، التى لها فى قلبى وأهلها معزة وحب لا يوصفان؛ حيث كانت نقطة انطلاق لهذا العمل الغنائى الذى اكتسح العالم العربى فجأة. وأصبحت الأغنية تغنى فى جميع القنوات وفى أناشيد الصباح فى كل البلدان العربية من المحيط إلى الخليج، وقررنا عمل حفل فى بيروت التى كانت خارجة من حرب أهلية بشعة فرقت بين الأهل والأحباب ولم نجد أفضل من الحلم العربى بالوحدة والتضامن كى نقدمه للبنان الجريح. وفى ساحة الشهداء -لاحظ الاسم- وسط بيروت أقيم مسرح كبير وفوجئنا بحضور أكثر من مليون مشاهد جمعهم الفن والمعنى وحلم ناصر الذى لم يمت؛ حيث جاء أكثر من نصف العدد من الأردن وسوريا ولبنان نفسها، حاملين صورته فى استفتاء على أنه حى وهو فى قبره عكس من يحكمون وهم موتى فى القلوب.. غنينا وغنى معنا الناس «محتاج العدل القوة علشان تقدر تحميه ولا عمر بكلمة وشكوى حق بترجع أراضيه». طافت بى هذه الذكريات قريبا وأنا أرى الوقفة الرائعة التى وقفتها السعودية والإمارات والكويت والأردن بجوار الشقيقة مصر فى حربها ضد التخلف والظلامية ومحاولات إذلال المصريين بمخطط أمريكى لشرق أوسط جديد تحت رعاية فصيل خائن لا يعترف بوطن اسمه مصر وما زال يمارس التخريب دون حسم من الحكومة، مع أن الحسم من الحسام، وهو السيف القاطع، تذكرت «ناصر» الذى لم يهادن وأعلى مصلحة مصر فوق أى اعتبارات أو مؤامرات، أين أنت الآن يا زعيم؟! كم نحتاج إلى رجولتك وعشقك لمصر.. كم نحتاج إلى الحلم المصرى والحلم العربى، كم نحتاج إلى الصدق والنبل والحق والفن والجمال «كلمة صدق فى أغنية تتقال وتعدى فى ثانية جايز من بعد سنين تتغير بيها الدنيا».